الكيمياء والصيدلة > علاجات صيدلانية جديدة
الأضداد وحيدة النسيلة.. القديم المتجدد
يُعدُّ العلاج الهدفي Targeted Therapy إحدى الطرائق العلاجية الحديثة والتي تعمل على تثبيط سُبُل جزيئية محددة، وأدَّى تطور هذا النوع من العلاجات إلى تحسن نتائج علاج عديدٍ من الأمراض الخطيرة والمُزمنة (1)، ولقد أُثبِت دور الأضداد وحيدة النسيلة Monoclonal Antibodies mAbs بوصفها علاجات هدفية في حال الأورام ورفض زراعة الأعضاء وأمراض المناعة الذاتية وغيرها من الأمراض (4).
ومنذ أن رُخِّص لأول ضد وحيد النسيلة علاجي للاستعمال السريري عام 1986، توسَّعت صناعة هذه الأضداد توسُّعًا استثنائيًّا، وتُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات حاليًّا، وأصبحت الأضداد العلاجية في السنوات الخمس الأخيرة الأدوية الأكثر مبيعًا في السوق الصيدلاني؛ إذ إنَّ 8 أدوية من الأدوية العشرة الأكثر مبيعًا حول العالم عام 2018 كانت أضدادًا وحيدة النسيلة (5,3).
ومن بين الإيجابيات التي تجعل العلاجات البروتينية كالـmAbs متفوقة على غيرها من الأدوية التقليدية منخفضة الوزن الجزيئي انتقائيتُها العالية؛ مما يساهم في الحصول على تأثيرات دقيقة، بالإضافة إلى عمر النصف الطويل لهذه الأضداد؛ مما يسمح بإعطاء عدد أقل من الجرعات مع فواصل زمنية أطول (4).
وقد شهدت سوق الأضداد العلاجية نموًّا هائلًا، ويُقدَّر عدد الأضداد التي حصلت على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US FDA حتى كانون الأول عام 2019 بـ79 ضدًّا وحيد النسيلة (5).
وتُعدُّ هذه الأضداد أضدادًا أحادية التكافؤ monovalent، وترتبط مع الحاتمة epitope نفسها (المحددة المستضدية؛ الموقع ذاته من البروتين أو الجزيء الهدف) للمستضد وتُنتجها نسيلة clone واحدة للخلايا اللمفاوية البائية B-cells؛ إذ أُنتِجت هذه الأضداد لأول مرة في الفئران (3) باستخدام تقنية الخلايا الهجينة Hybridoma التي طورها العالمان Köhler وMilstein عام 1975 (5,4,2)، وهي خلايا ناتجة عن دمج اللمفاويات البائية مع خلايا الورم النخاعي Myeloma، وتُعدُّ الخلايا الهجينة الناتجة خلايا خالدة قادرة على إنتاج أضداد انتقائية لمستضدات محددة ومعروفة وبكميات كبيرة (5,2).
حصل أول ضد وحيد النسيلة فأري murine mAb -وهو Muromonab CD3- على موافقة الـFDA عام 1986 للاستخدام بصفته مثبطًا مناعيًّا للوقاية من حالات رفض زراعة الكلية (5,3,2)، ولكن؛ اقتصر استخدامه على الحالات الحادة بسبب آثاره الجانبية (3)، فقد كان العائق الأكبر في وجه العلاج بالأضداد الفأرية خطرُ إثارتها لاستجابة مناعية ضدها ولإنتاج أضداد تُسمَّى Human Anti-mouse Antibodies (HAMA) في الجسم؛ وذلك بسبب مكوناتها الفأرية الغريبة عن جسم الإنسان (3,5)؛ مما يؤدي إلى حدوث آثار جانبية وفقدان فعالية هذه الأضداد (2).
وللتغلب على مشكلات توليد الاستجابة المناعية ضد الـmAbs والفعالية المنخفضة بالتزامن مع إتاحة إمكانية استخدامها علاجيًّا فترات أطول، طور الباحثون تقنيات لتحويل الأضداد الناتجة عن الفئران إلى بُنى أكثر تشابهًا مع الأضداد البشرية مع المحافظة على قدرتها على الارتباط النوعي (5)؛ إذ تُصنَّف على مدى تشابهها مع الأضداد البشرية إلى خيميرية Chimeric (أقلها تشابهًا) ومؤنسنة Humanized وبشرية بالكامل Human (3).
وكان أول ضد خيمري (30% فأري) هو Abciximab، والذي حصل على موافقة الـFDA عام 1994 بصفته مثبطًا لتكدس الصفيحات في الأمراض القلبية الوعائية (5).
أما عام 1997، رخَّصت الـFDA لأول ضد وحيد النسيلة مُستخدَم في علاج الأورام Rituximab، وهو ضد خيميري أيضًا لعلاج الليمفوما Non-Hodgkin (5).
لقد شكَّل إنتاج الأضداد المؤنسنة (10% فأري) تطورًا استثنائيًّا أدى إلى زيادة ملحوظة في حصول الـmAbs العلاجية على الموافقات؛ إذ طُعِّمت فيها مناطق محددة التتامية* Complementary Determining Regions (CDR) غير البشرية في هيكل mAb بشري، وبالنتيجة الحفاظ على الانتقائية تجاه الهدف، وحصل أول ضد مؤنسن Daclizumab على موافقة الـFDA عام 1997، ويُستطب به في حال رفض زراعة الأعضاء.
وقد أتاحت هذه الأضداد إمكانية التطبيق السريري للأدوية البيولوجية على الأمراض التي تتطلب علاجًا طويل الأمد مثل؛ السرطانات وأمراض المناعة الذاتية (5).
وبناءً على النجاح الذي حقَّقته الأضداد المؤنسنة على المستوى السريري، طُورَت تقنيات للحصول على أضداد بشرية بالكامل (0% فأري)؛ إذ ظهرت عام 1990 تقنية الفاجات العارضة** Phage Display، وطُبِّقت لإنتاج mAbs (5) تتمتع بإلفة عالية تجاه المستضدات وعزلها (3)، وبالإعتماد عليها حصل أول ضد وحيد النسيلة بشري بالكامل على موافقة الـFDA عام 2002 لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي وهو (5,2) Adalimumab (Humira)، والذي حقَّق أعلى رقم مبيعات سجَّله أي منتج دوائي بيولوجي يُقدَّر بقرابة 19.9 مليار دولار (5).
وتشكَّل الحيوانات المعدَّلة وراثيًّا Transgenic Animals تقنية أخرى للحصول على الأضداد البشرية، وجرى التعرُّف إلى هذه التقنية عام 1994، فقد أُدخِلت جينات الأضداد البشرية في جينوم الفأر لتستبدل جينات الأضداد الفأرية، وهكذا أصبحت هذه الفئران المعدلة وراثيًّا قادرة على إنتاج أضداد بشرية بالكامل بعد تمنيعها بالمستضد، وأُنتِج أول ضد بشري من فأر معدل وراثيًّا وهو Panitumab الذي حصل على موافقة الـFDA عام 2006 لعلاج سرطان القولون والمستقيم (5).
وشهدت الـmAbs البشرية المصنعة من الحيوانات المعدلة وراثيًّا تزايدًا سريعًا؛ إذ حصل على موافقة الـFDA حتى الآن 19 ضدًا بشريًّا (5).
وتُعدُّ الأضداد وحيدة النسيلة المؤنسنة والبشرية الأكثر انتشارًا في مجال الـmAbs العلاجية حاليًّا (5).
وافقت الـFDA حديثًا على ثلاثة أضداد علاجية جديدة، وهي (6):
1. Teprotumumab-trbw: 21/1/2020، لعلاج اعتلال العين الدرقي Thyroid eye disease.
2. Eptinezumab-jjmr :21/2/2020، للعلاج الوقائي من الشقيقة عند البالغين.
3. Isatuximab :2/3/2020، لعلاج الورم النقوي المتعدد Multiple Myeloma.
ولهذه الأضداد وحيدة النسيلة المتوفرة حاليًّا آثارٌ جانبية أقل بكثير وذلك بسبب إنتقائيتها العالية (5)، وعلى كل حال يمكن أن يحمل استخدام هذه الـmAbs خطورة حدوث ردود فعل مناعية مثل؛ صدمة تآقية حادة، بالإضافة إلى توليد الجسم لأضداد ضد هذه الـmAbs؛ إذ يمكن أن تؤثر تغيرات أحماض أمينية معينة في مواقع معينة على توليد هذه الاستجابات على الرغم من توافقها مع الأضداد البشرية.
وهناك أيضًا عديدٌ من الآثار الجانبية المرتبطة بالأهداف النوعية للأضداد، مثل؛ حدوث إنتان Infection وسرطانات وأمراض مناعة ذاتية وآثار جانبية محددة بالعضو مثل السمية القلبية (4).
وقد شكَّلت التكلفة المرتفعة للأضداد وحيدة النسيلة أحد العوامل التي تحد من انتشار استخدامها، خاصة في الدول النامية، ولكن؛ في حين حصول المشابهات الحيوية*** Biosimilars على الموافقة على التسويق، سيؤدي ذلك إلى خفض تكلفة الـmAbs؛ مما يزيد من قدرة الفرد على تحمل تكاليف هذه الأدوية (2).
وأخيرًا، تشكِّل الأضداد وحيدة النسيلة خيارًا لافتًا لتطوير علاجات جديدة تستهدف مجموعة متنوعة من الأمراض الشائعة وذلك بسبب مرونتها وانتقائيتها، وعلى الرغم من سلبيات هذه الأضداد (الآثار الجانبية والتكلفة المرتفعة) ما يزال هناك اهتمام كبير من الشركات الدوائية لإنتاجها وتطويرها (3)؛ إذ تتكفل الشركات حاليًّا بتمويل الدراسات السريرية لأكثر من 570 ضد وحيد النسيلة علاجي (5).
*مناطق محددة التتامية CDR: مناطق من الضد كثيرة التغير hypervariable وهي تحدد الارتباط النوعي للضد (7).
** تقنية الفاجات العارضة - Phage display technology: تقنية تسمح بإدخال جينات مختلفة إلى الفاجات؛ مما يتيح أن تعبر عن هذه الجينات بصفتها بروتينات على سطح الفاج (5).
*** المشابهات الحيوية- Biosimilars: مركبات حيوية تشبه مركبات مرجعية سبق وأن حصلت على موافقة الـFDA شبهًا كبيرًا ولا يوجد فروق مهمة سريريًّا بينها وبين المنتج المرجعي (8).
المصادر:
2- Singh S, Kumar N, Dwiwedi P, Charan J, Kaur R, Sidhu P et al. Monoclonal Antibodies: A Review. Current Clinical Pharmacology. 2018;13(2):85-99.
(page 1,3,13,14)
3- Liu J. The history of monoclonal antibody development – Progress, remaining challenges and future innovations. Annals of Medicine and Surgery. 2014;3(4):113-116.
4- Hansel T, Kropshofer H, Singer T, Mitchell J, George A. The safety and side effects of monoclonal antibodies. Nature Reviews Drug Discovery. 2010;9(4):325-338.
Pages (1,2,3)
5- Lu R, Hwang Y, Liu I, Lee C, Tsai H, Li H et al. Development of therapeutic antibodies for the treatment of diseases. Journal of Biomedical Science. 2020;27(1).
Page (1,6,7,8,9,10,11,24)
6- Novel Drug Approvals for 2020 [Internet]. U.S. Food and Drug Administration. 2020 [cited 27 April 2020]. Available from: هنا;
7- Polonelli L, Pontón J, Elguezabal N, Moragues M, Casoli C, Pilotti E et al. Antibody Complementarity-Determining Regions (CDRs) Can Display Differential Antimicrobial, Antiviral and Antitumor Activities. PLoS ONE. 2008;3(6):e2371.
(Background)
8- About Biosimilars and Interchangeable Products [Internet]. U.S. Food and Drug Administration. 2020 [cited 27 April 2020]. Available from: هنا;