الفنون البصرية > فنانون عالميّون

ماكس إرنست: ما بين السريالية و الدادائية

ماكس إرنست؛ ما بين السريالية و الدادائية :

وُلِدَ ماكس إرنست (Max Ernst) في ألمانيا عام 1891، بعد خدمته العسكرية في أثناء الحرب العالمية الأولى لمدة أربع سنوات، عاد إلى مدينة كولون (Cologne) بالقرب من مسقط رأسه برول (Brühl) عام 1918، أيضًا تنقّل بين باريس و أمريكا.

يرتبط إرنست ارتباطًا وثيقًا بالحركة السرياليّة -وهي حركةٌ فنيّة وأدبيّة نشأت في باريس في عشرينات القرن العشرين، تميل لتمجيد اللاوعي مقابل الوعي والعقلانيّة- وكانت مساهمته الرئيسة في هذه الحركة اختراعه تقنية تدعى بالاحتكاك (Frottage)، يُوضع فيها الورق على مادة أُخرى ذات ملمس وخامة ما، مثل ألواح خشبية أو قطع خشبية مختلفة الملمس، أو مثل شبكة معدنية أو قماش معدني، ثم تُفرك بقلم رصاص أو قلم تلوين لتحقيق تأثيرات مختلفة، وأنتجت هذه التقنية تركيبات مختلفة، مثل لوحته: الغابة و الشمس(1).

استخدم ماكس إرنست مجموعةً متنوعةً من الوسائط: الرسم، والكولاج، والطباعة، والنحت، وطرق الرسم غير التقليدية المختلفة؛ لإعطاء شكلًا مرئيًّا لكلٍّ من الذاكرة الشخصية والأساطير الاجتماعية، ومن خلال استخدامه تنقية القص واللصق  جعلَ ما لا يُصدّق يُصدّق، معربًا عن اختلالات العقل وصدمات الاضطرابات المجتمعية بوضوحٍ مقلق.(1)

وصلَ ماكس إرنست إلى النضجِ الفني خلال فترةٍ من أكثر الفترات انقسامًا في التاريخ الأوروبي، فكان العقد الثاني من القرن العشرين فترة مضطربة جلبت تغييرًا كبيرًا إلى أوروبا؛ إذ اندلعت الحرب العالمية الأولى، وانهارت الإمبراطورية الروسية، وانتشرت المنظّمات الجديدة في الفنون.(2)

لوحة المدينة مع الحيوانات(City with Animals) عام 1919

طوّر إرنست في هذه اللوحة أيقونته الشخصيّة بما في ذلك الرجل الذي يرتدي القبّعة، والطير الذي يظهر في هذه اللوحة، فُسِّرَ الأول على أنّه إشارةٌ لوالده الذي كان رسامًا هاويًا، في حين يشير الثاني إلى الأنا البديلة للفنان (Alter Ego)، وقد ظهرَ الطيرُ في أعمال إرنست طوالًا؛ إذ قدَّمتْ الحركةُ السريالية الجديدة الدافعَ لرفض إرنست التقاليد الأكاديمية التي كانت تمثّلها لوحات والده، أمّا بالنسبة للعينين البارزتين اللتين تظهران في ملامح الحيوانات بالمقدّمة؛ فهي تشير إلى افتتان السرياليّ بالرؤية، وتُضاعفان غموض اللوحة.(2)

لوحة القبعة تصنع الرجل (The Hat Makes the Man) عام 1920

كان إرنست عضوًا أساسيًّا في الدادائية الأولى (Dada) (1)، والتي تُعدُّ واحدةً من أولى الحركات واسعة النطاق لترجمة الفنِّ إلى عملٍ تحريضيٍّ مثير؛ إذ أنتجت حركة الدادائية بعضًا من أكثر الأعمال التي تدين القيم البرجوازية، واتّسمت الأعمال بعدائية التكوين وغرابته إضافةً إلى الفوضى،واتّسمت أيضًا بالفكاهة أحيانًا؛ كلُّ ذلك ساعد مرحلة الخروج من القرن العشرين. بدأتْ هذه الحركة إدانةً للقيم البرجوازية التي كانت مسؤولة عن فظائع الحرب، وأخذت العديد من الأشكال لتعبّر عن نفسها، بما في ذلك: المهرجانات والعروض الفاحشة...والشعر غير المنطقي، وأشياءٌ عُثر عليها...وغيرها. (3).

 من المحتمل أن تكون هذه اللوحة مستوحاة من كتاب سيغموند فرويد "النكات وعلاقتها باللاوعي"  The Joke and It’s Relation to the Unconscious؛ إذ حدّد المحللُ النفسيُّ الشهير القبّعة -وهي ملحقٌ ضروريٌّ للرجال البرجوازيين- رمزًا للرغبة المكبوتة، ويضيف التلاعب المرئي في اللوحة مظهرًا جديدًا فظًّا إلى المعتاد والمكرر.(4)

 لوحة الفيل سيليبس (The Elephant Celebes) عام 1921

في هذه اللوحة التي رُسمت في كولونيا، استفاد إرنست من دراساته الجامعيّة السّابقة في علم النفس والفلسفة -حين أصبح مطّلعًا على كتابات فريدريش نيتشه Friedrich Nietzsche، وسيغموند فرويد Sigmund Freud- واسْتخدمها لتوفير الأساس للاكتشاف التصويري للاوعي اللاعقلاني.

الوحشُ الشبيه بالطنجرة الذي يُشير إليه العنوان غامضٌ للغاية مثل بقيّة اللوحة؛ له رأسٌ مقرن بعيونٍ لا تبدو واضحةً، ويعلو الجزء العلوي منه بناء ذو ألوانٍ زاهية يحتوي على عينٍ غامضة، في حين تسبحُ سمكتان في السماء أعلاه، وفي الزاوية السفليّة يَظهرُ شكل عارضة أزياء بدون رأسٍ مع ذراعٍ مرفوع يُشير إلى الوحش تجاهه.(5)

كشف إرنست أنّ لقبَ "Celebes" مأخوذٌ من بعض القصائد الفظيعة الشائعة بين التلاميذ الألمان في المدارس، والتي تَذكُر فيل يعيش في سيليبس(جزيرة جبلية في أندونيسيا) .

جنبًا إلى جنبٍ مع  لوحة بقاء الذاكرة من قبل سلفادور دالي  Salvador Dali، أصبحت لوحة الفيل سيليبس من الصور الأكثر شهرةً للحركة السريالية.(5)

لوحة الملك أوديب (Oedipus Rex) عام 1922

هذه اللوحة فرويدية تقليدية في المحتوى والاسم؛ إذ تُعدُّ النظرية الأوديبية من أكثر المكونات المعروفة في نظريات فرويد. يحتوي العمل على التيّارات الجنسيّة القويّة؛ إذ يمثّل الجوز (أنثى) ويشير التكسّر إلى الفرج،  وتكسير الجوز من قبل الذكور هو استعارة لأدوار الجنس، والنوع الجنسيّ في المجتمع الأبوي أو سلطة الرجل Patriarchy. من المفترض أيضًا أنَّ ضغطَ الجوزِ له مؤشرات على الأدوار السادية، فعندما يُسحق الجوز  فإنَّ الشوكةَ أيضًا تعاقب اليد، ويرمز رأس الطائر المربوط بحبلٍ إلى القيود المجتمعية على النشاط الجنسي المنحرف، وربّما يكون كردِّ فعلٍ على المحرّمات المتعلّقة بسفاح القربى، إضافةً لذلك يمكن عدُّ السهم الذي يخرق القشرة الخارجية للجوز مؤشّرًا على الوجود الجنسي الذكوري، وتعبيرًا عن شعور وجود الحب، ومن ثمّ معارضة ذلك الشعور بسبب قيود التوجّه الجنسيّ أو الرغبة الجنسيّة(6)

لوحة امرأة ، رجل عجوز ، وزهرة ، عام 1923

رسم إرنست الحالة الأولى لهذا التكوين بعد عامٍ من انتقاله من كولونيا إلى باريس للانضمام إلى المجموعة السريالية الناشئة.عدّل بعد ذلك عناصر هذه الصورة، والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنّه أضاف شخصية غامضة ومثيرة وشفافة جزئيًّا، ومصمّمة على نحو غير منتهٍ في المقدمة، ومن المفترض أن تكون هي الزهرة المُشار إليها في العنوان.(7)

المصادر:

1- Max Ernst [Internet]. The Museum of Modern Art. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا

2- City with Animals [Internet]. Guggenheim. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا

3- Street Art dan Kehidupan Sosial Politik Indonesia [Internet]. Guggenheim. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا

4- MoMA | Max Ernst. The Hat Makes the Man. 1920 [Internet]. Moma.org. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا

5- The Elephant Celebes, 1921 - by Max Ernst [Internet]. Max-ernst.com. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا

6- Oedipus Rex, 1922 - by Max Ernst [Internet]. Max-ernst.com. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا

7- Max Ernst. Woman, Old Man, and Flower (Weib, Greis und Blume). Paris 1923, Eaubonne 1924 | MoMA [Internet]. The Museum of Modern Art. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا