الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
بردى.. لا يزال التلوث مستمراً
بردى علامة مدينة دمشق المميزة التي ارتبط اسمه بها وتغنَّى كثير من الناس به وبغزارته فيما مضى. أما حالياً؛ فقد جار عليه أبناؤه وأصبح ذكره ملازماً لكل ما يتصل بالتلوث. فلنتعرف في هذه المقال إلى النهر وأسباب تلوثه وبعض الدراسات التي تناولته.
عن نهر بردى وحوض دمشق
يمتدُّ حوض دمشق (بردى والأعوج) على مساحة 8630 كيلومتر مربع (تختلف مساحة الحوض قليلاً تبعاً للمرجع المعتمد) في الجزء الجنوبي الغربي من سورية، بين سلسلة الجبال الغربية متضمنة جبال الشيخ والقلمون شمالاً حتى هضبة الجولان والقنيطرة جنوباً، ومن لبنان غرباً حتى الصحراء شرقاً (1). يسود الحوض مناخ متوسطي حيث يشهد هطولاً مطرياً في فصول محددة من تشرين الثاني (نوفمير) حتى أيار (مايو)؛ إذ يتركز الهطول الأكبر بين كانون الأول (ديسمبر) وشباط (فبراير)، في حين تنحصر الهطولات الثلجية فقط على المناطق ذات المناسيب العالية من الحوض، ويتناقص مقدار الهطول باتجاه الشرق، ويتراوح بين 800 مم في جبل الحرمون حتى أقل من 90 مم في جوار منطقتي العتيبة والهيجانة (2).
ينقسم الحوض إلى منطقتين (1):
- منطقة جبلية في الشمال الغربي؛ تمتد على مساحة 3500 كيلومتر مربع، وأعلى منسوب فيها في جبل الشيخ 2814 متر فوق سطح البحر.
- منطقة سهلية تتضمن غوطة دمشق والسهول المحيطة بها؛ تمتد بمساحة 5100 كيلومتر مربع، بمنسوب يتراوح بين 595 متر و1400 متر فوق سطح البحر.
وتقع محافظة دمشق ضمن الحوض إضافة إلى 70% من مساحة ريف دمشق، و11% من مساحة درعا، و19 % من مساحة السويداء.
يُعدُّ نهرُ بردى المجرى المائي الرئيسي في الحوض، ويبلغ طوله 65 كيلومتراً، ومساحة حوضه 2400 كيلومتر مربع. يتغذَّى النهر من نبع بردى الواقع في المنطقة الوسطى من سهل الزبداني، ويتدفق جنوباً في قناة ضيقة المقطع بعرض 5-10 متراً، ثم يُغيِّر اتجاهه إلى وادي بردى العميق والضيق، ومن ثم يلتقي مع نبع الفيجة حيث يأخذ نصيباً كبيراً من مياهه (50% من غزارة نبع الفيجة)، لا سيما في موسم الفيضان، ثم يتابع مجراه إلى مدينة دمشق حيث يتفرع عنه سبعة روافد تروي معظُمها أراضي زراعية في غوطة دمشق، ونادراً ما تصل مياهه إلى مصبها في بحيرة العتيبة إلا في موسم الفيضان (2).
صورة 1. حوض دمشق (بردى والأعوج)
صورة 2. بحيرة العتيبة وهي جافة تماماً، شباط (فبراير) 2008
مشكلة التلوث في حوض بردى:
تتركز معظم النشاطات البشرية في الحوض؛ ما يضعه في مواجهة مخاطر بيئية كبيرة ناتجة عن مجموعة عوامل متداخلة؛ نذكر منها:
- نسبة السكان العالية في منطقة الحوض؛ ما نتج عنه استغلال مفرط غير مدروس للموارد المتاحة (1).
- تصريف حمولات كبيرة من مياه الصرف المنزلي والصرف الصحي، إضافة إلى مياه الصرف الصناعي (3) نتيجةً لانتشار العشوائيات وامتداد المناطق الحضرية، وتصريف الملوثات الصناعية مباشرة للنهر دون معالجتها، عدا عن انتشار المنشآت الصناعية الصغيرة والمتناهية الصغر وهو الذي يزيد المشكلة تعقيداً.
صورة 3. تصريف المياه إلى النهر مباشرة، منطقة الزبداني، شباط (فبراير) 2008
صورة 4. أحد فروع نهر بردى وقد جفَّ تماماً وتحول إلى مكب نفايات، أيلول (سبتمبر) 2007
- استخدام المزارعين المفرط والعشوائي للأسمدة والمبيدات الحشرية، عدا عن استخدام مياه الصرف الصحي في الري (3)، وعدم الالتزام بتقنيات الري الحديث وطرائقه (1).
صورة 5. التلوث في المناطق الزراعية في منطقة الغوطة، آذار (مارس) 2007
صورة 6. الضخ الجائر لأغراض الري في وادي بردى، شباط (فبراير) 2008
بعض الدراسات التي تناولت التلوث في مجرى نهر بردى واستعادة نظامه البيئي:
في ظلِّ هذه الشروط التي ذُكرت آنفاً؛ فإنه لا بد من حلٍّ مُستدامٍ متكاملٍ -يأخذ بالحسبان النموَّ الاقتصادي دون إلحاق ضرر كبير بالموارد الطبيعية في الحوض- قابلٍ للتطبيق بهدف احتواء التدهور البيئي الكبير الذي تعرض له النهر ولا يزال يتعرض له. وفي هذا السياق كان هناك العديد من الدراسات التي تعدَّدت موضوعاتها، إلا أن هدفها كان واحداً ويتركز على استعادة النظام البيئي للنهر:
- في الدراسة (1)، بُنِيَ أنموذج رياضي يستهدف تحسين الوضع البيئي لنهر بردى عن طريق دراسة سلوك الملوثات مع الأخذ بالحسبان الجوانب الاقتصادية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنطقة حوض بردى. وجرى الوصول إلى مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تسهم في الحد من التلوث؛ وتتضمن: تقديم الدعم المادي لبناء محطات معالجة، وفرض ضرائب تختلف نسبتها حسب الوضع الاجتماعي والاقتصادي لكل منطقة (zone) من الحوض، إضافة إلى زيادة الوعي العام بالحد من تلوث الحوض والذي يعدُّ أمراً مهمَّاً جدّاً يجب أن تسهم فيه كل الجهات الفاعلة.
- وفي دراسة أخرى (4)؛ طوَّر الباحثون أيضاً أنموذجاً رياضياً يوصِّف العلاقة الرابطة بين كلٍّ من النظام البيئي والاقتصادي في الحوض؛ إذ جرى تتبُّع تراكيز المعادن الثقيلة مثل الكروميوم (chromium)، والكادميوم (cadmium)، والرصاص (Lead) التي تصرفها المنشآت الصناعية في المنطقة سنوياً. وقد تبيَّن أن تراكيزَ هذه الملوثات تتجاوز النسب المسموحة؛ ما يستدعي إجراءَ تحليل مخاطر أثر زيادة نسب هذه الملوثات في البيئة أولاً ومن ثم صحة قاطني المنطقة.
- كذلك قدَّمت دراسة أخرى (5) مقترحاً لتنظيم مجرى نهر بردى من خلال إنشاء ثلاثة نماذج لثلاثة أجزاء من المجرى:
الثاني: بين ساحة الأمويين وجسر فكتوريا.
الثالث: بين شارع الثورة وجسر باب توما.
وذلك من أجل عدَّة غزارات لكل جزء. واقتُرِحت تصاميم بديلة للمقاطع العرضية تتوافق وطبيعة كل جزء بحيث مراعاة القواعد العامّة والأسس البيئية والاجتماعية.
صورة 7. أحد الحلول المقترحة لتنظيم مجرى النهر عند مرور الغزارة الدنيا في الدراسة (5)
لا يزال نهر بردى موضع بحث إلى يومنا هذا؛ ولكن هل يجري وضع مثل هذه الأبحاث التي يجهد الباحثون فيها إلى إيجاد حلول عملية تحدُّ من تدهور النهر ومحيطه تحت التطبيق العملي من قِبَل صانعي القرار؟! لا سيما أن الإجراءات التي اتخذت لا تزال محدودة في ظلِّ غياب الوعي البيئي إضافة إلى عدم وجود قوانين بيئية ناظمة تحدُّ من تفاقم التلوث يوماً بعد يوم.
المصادر والدراسات المرجعية:
2- Kattan Z. Characterization of surface water and groundwater in the Damascus Ghotta basin: hydrochemical and environmental isotopes approaches. Environ Geol. 2006 Nov 1;51(2):173–201. Doi: هنا
3- M. Haddad - The Case of the Barada River, Syria.pdf [Internet]. [cited 2020 Apr 28]. Available from: هنا
4- Melhem R, Higano Y. A Study for the Necessity of Risk Assessment for Heavy metal Pollution in the Barada Basin, Syria [Internet]. ERSA conference papers. European Regional Science Association; 2003 Aug [cited 2020 Apr 28]. (ERSA conference papers). Report No.: ersa03p457. Available from: هنا
5- W. Ghada. مشكلات تنظيم مجاري الأنهار في سورية – دراسة حالة [Internet]. 2014 [cited 2020 Apr 28]. Available from: هنا