تلفاز الواقع؛ ثورة في عالم التلفاز

مع النجاحِ اللافت الذي حقَّقه تلفاز الواقع، أصبحَ موضوع البحث في هذا النوع الجديد من البرامج التلفزيونية الشغل الشاغل للعديد من الباحثين والأكاديميين في مجالات الإعلام والتلفاز محاولين تقصِّي جوانب عديدة متعلقة  أهمها هو أصل هذا النمط التلفزيوني الجديد والمبتكر، وهنا يُعدُّ من الصعب التحديد الدقيق لبداية ظهوره، لكن تغيرات عديدة تتعلق بالتطور الملحوظ لعلم النفس الاجتماعي والظروف الاقتصادية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينيات القرن الماضي وكذلك الأيديولوجيات الليبرالية الجديدة في تلك الفترة كوَّنت بمجملها قاعدة لتطور فكرة تلفاز الواقع (1).

وفي تعريف تلفاز الواقع بصفته نوعًا فنيًّا، أدى تنوع شريحة البرامج التي من الممكن أن يغطِّيها هذا المصطلح إلى تعدد التعريفات المحتملة له، ولكن عامة فإنَّ تلفاز الواقع يشير إلى عروض غير مكتوبة يؤديها ممثلين غير محترفين في بيئات مجهزة مسبقًا (1).

يصنف الأكاديميين تطور تلفاز الواقع لعدة موجات أو مراحل أولها اعتماده على نجاح برامج الجريمة والشرطة، الموجة الثانية ركزت على الأفلام الوثائقية الشهيرة المسلية أو ما يسمى ( docu-soaps)، والبرامج التي تصور أنماط الحياة اليومية مثل (Keeping Up With the Kardashians) أما الموجة الثالثة فكانت تدور حول برامج الألعاب والمسابقات الواقعية (1).

في خلال ثمانينات القرن الماضي وما بعدها (العصر الذهبي للتلفاز) وبسبب المجال الواسع لحرية البث التلفزيوني والمنافسة الشديدة بين المحطات التلفزيونية، أصبح من الضروري الاستجابة لذلك بمحتوى أكثر تنوعًا وجذبًا للمشاهدين الأمر الذي زاد الأعباء المالية على المنتجين، ما دفعهم للتوجه نحو إنتاج برامج تلفاز الواقع التي تعد رخيصة التكلفة نسبةً لأنماط البرامج التلفزيونية الأخرى، حيث لا تتطلب كتاب نصوص أو ممثلين محترفين وتغطي مساحة جيدة من البث التلفزيوني وتجذب عدد كبير من محبي هذا النمط، وهذا بالضبط ما أدى إلى ما يسمى ( انفجار تلفاز الواقع) في التسعينيات إذ حصلت زيادة هائلة في المتابعين والمعلنين (1).

من خلال ما سبق ذكره عن دور علم النفس الاجتماعي في تبلور فكرة تلفاز الواقع، أشارت نتائج دراسة اعتمدت على دوافع ريس الـ16 الأساسية والتي تشمل عدة جوانب نفسية عمل عليها الباحثون لاستنتاج الدوافع النفسية وقياسها، التي تزيد من الميل نحو متابعة برامج تلفزيون الواقع، وهنا كانت النتائج ملفتة؛ فقد أشارت إلى أن الدافع الأساسي للاهتمام بتلفاز الواقع هو ( Status  - الوضع أو ما يشار إليه بالحاجة للاهتمام ولفت انتباه الآخرين) والذي يقود إلى الإحساس بأهمية الذات. 

ربما برامج تلفاز الواقع تحقق ذلك من خلال أمرين الأول أن هذه البرامج تمنح المتابع إحساسًا بالفوقية على الناس العاديين الموجودين على التلفاز، والأمر الثاني أن المشاهد العادي الذي يعيش حياة عادية يستطيع أن يجذب الانتباه والاهتمام كما هو الحال لدى الأشخاص المشاركين في هذه البرامج (2) .

في العالم العربي كانت تجربة تلفاز الواقع مختلفة ومثيرة للجدل على نحوٍ كبير، إذ دخل تلفاز الواقع العالم العربي عبر أكثر البرامج العالمية شهرةً في هذا المجال، سوبر ستار Super Star  عام 2003 على تلفاز المستقبل يليه في العام نفسه ستار أكاديمي Star Academy على تلفاز LBC، منذ ذلك الحين أصبحت التلفزيونات العربية منصة إطلاق لعشرات البرامج التلفزيونية الواقعية على الطريقة الغربية مثل  (Big Brother ، Fear Perfect ، Ton of Gold ، X Factor ، Bride ، The Chef Star، Bride ، Mission Fashion ) وعلى الرغم من الإشادة بتلفاز الواقع في أوساط القطاع الخاص من الإعلاميين والمنتجين والمعلنين لكونه قصة نجاح باهرة فقد كان نقلة نوعية في عالم الفضائيات والتلفاز لا سيما في بداية ازدهارها في العالم العربي، لكن الجمهور العام لم ينظر إليه على هذا النحو وخاصة تلك البرامج التي تتضمن علاقات منفتحة وحميمة أو تلك التي تركز على قضايا لا تتوافق مع القيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة التي كان لا بد من الحفاظ عليها في قلب الخلافات السياسية والثقافية، وهذا ما قد يعد سبب صدور (ميثاق الفضائيات العربية) عام 2008 الذي يدعو لتقييد المحتوى التلفزيوني الذي يتضمن آثارًا ثقافية واجتماعية ضارة،  ولعل هذا ما طور منظور جديد لبرامج تلفاز الواقع في العالم العربي يتمثل بإنتاج محتوى محلي يكرِّس القيم والأخلاقيات العربية الثقافية والدينية ويختلف عن المحتوى الغربي الذي سبب جدلًا وهجومًا واسعًا مثل شاعر المليون على تلفاز أبو ظبي ونجوم العلوم على تلفاز قطر (3) .

في النهاية، نستطيع أن نستنتج أن برامج تلفاز الواقع على الرغم من الكثير من الجدل عن المحتوى الذي تقدمه فقد كوَّنت نقلة في عالم التلفاز في وقت ما، لا سيما في خلال ثورة الفضائيات. وبشكل أو بآخر استطاعت اختراق أكثر المجتمعات حصانةً مُكوِّنة تجربةً تلفزيونيةً ناجحةً وشيقة تستحق المزيد من البحث والدراسة.

المصادر: