العمارة والتشييد > المدارس المعمارية
تشقُّقات البيتون
تميل الخرسانة على نحوٍ طبيعي إلى التشقُّق تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية عديدة، وعلى الرُّغم من اختلاف أنواع الشقوق في المنشآت الخرسانية لكنَّ معظمها لا يؤثِّر في استقرار الهيكل الخرساني أو متانته إلَّا في الحالات القصوى، إذ يمكن أن تهدِّد سلامة المنشأ وصلاحيته، لذلك يجب أن يبقى التصدُّع في الحد الأدنى بما يسمح باتخاذ التدابير المناسبة لذلك.
أولاً: أسباب التشقُّق الخرساني:
كشفت دراسةٌ استقصائيةٌ واسعة النطاق إمكانية أن يعزى التشقُّق الخرساني إلى أربعة أسباب رئيسية عمومًا:
- مشكلات في أثناء مرحلة البناء أوالإشراف.
- وجود عيوب في التصميم.
- ظروف البيئة المحيطة من درجة الحرارة ونسبة الرطوبة وما إلى ذلك.
- جودة المواد المستخدمة (1).
ثانيًا: أنواع الشقوق الخرسانية:
تُعَدُّ التشقُّقات خطرةً إن كانت تهدِّد متانة واستقرارالمنشأ أوتضعف من قدرة تحمُّله و توثِّر في صلاحية استخدامه، وبتحديد السبب الأساسي للتشقُّقات وآلية عملها يمكن تقسيم التشقُّقات في المنشآت الخرسانية إلى تشقُّقات إنشائية تحدث بسبب الأحمال المطبَّقة وتشقُّقات غير إنشائية تنتج على نحوٍ أساسي عن خصائص الخرسانة والمواد الداخلة في تركيبها وممارسات التصميم (2).
- التشقُّقات الإنشائية:
هي التشقُّقات التي تحدث بسبب الأحمال المطبَّقة مثل:
تشقُّقات الانحناء: تتعرَّض بعض العناصر الإنشائية كالجوائز والبلاطات للشد بتأثر عزوم الانعطاف، وعند تجاوز إجهاد الشد المطبق لمقاومة الشد بالخرسانة يحدث التشقُّق.
الصورة (1): اختبار تشكُّل تشقُّقات الانحناء في أحد الجوائز مخبريًّا
تشقُّقات القص: توصف بأنها شقوق إجهادات قطرية تحدث بالتأثير المشترك لكلٍّ من قوى القص وعزوم الانحناء، وتُعَدُّ الجوائز والأعمدة من أهم العناصر الإنشائية المعرَّضة لهذا النوع من التشقُّق.
الصورة (2): توضح تشقُّقات القص في جائز بيتوني
التشقُّقات الداخلية الدقيقة: تحدث في المناطق المعرَّضة لإجهاد شديد نتيجة الفرق الكبير في معدَّلات التبريد أوبسبب الحمولات الضاغطة، وتكون هذه الشقوق متقطِّعة ولكنَّها يمكن أن تصبح مستمرَّةً ومتواصلةً لتدلَّ على وجود خللٍ إنشائي (2).
التشقُّقات الناتجة عن الزحف Cracks Due To Creep:
تتشوَّه الخرسانة مع مرور الوقت نتيجة تعرُّضها لأحمال ثابتة؛ إذ يحدث الزحف نتيجة التعرض طويل المدى للحمل العالي، ويعتمد كثيرًا على درجة الحرارة ووقت التحميل -أي عمر الخرسانة عند تطبيق الحمل أول مرة- إضافةً إلى خصائص المواد والمدة التي تعرضت فيها الخرسانة للحمل. يُصنَّف الزحف الخرساني إلى نوعين وهما: الزحف الأساسي والزحف بالجفاف؛ الزحف الأساسي هو تشوه العينات الخرسانية دون أي تغيير في رطوبتها، أي تكون العيِّنة معزولةً تمامًا عن البيئة المحيطة وتُحفَظ في رطوبة ودرجة حرارة ثابتة، أمَّا الزحف بالجفاف فهو التشوه الكلي للعينة عندما لا تكون معزولةً عن البيئة، إذ يُسمح بتبادل الرطوبة. ويمكن أن تسبِّب الآثار طويلة المدى للزحف تشوهاتٍ كبيرة تؤدِّي إلى خللٍ إنشائي في المنشأ (1).
- التشقُّقات غير الإنشائية:
سنصنِّف التشقُّقات غير الإنشائية ضمن فئتين أساسيتين وفقًا لعمر الخرسانة، وهما:
التشقُّقات التي تحدث قبل أو في أثناء تصلُّب الخرسانة: تحدث هذه التشقُّقات قبل أو في أثناء تصلُّب الخرسانة المصبوبة حديثًا في فترة تتراوح بين 2-3 ساعات من صب الخرسانة، ويمكن ملاحظتها بسهولة عن طريق المراقبة الجيدة (1)، وتشمل:
1- التشقُّقات الناتجة عن الانكماش اللَّدن للخرسانة Plastic shrinkage:
يحدث الانكماش اللَّدن قبل تصلُّد الخرسانة بسبب فقدان الماء من الخلطة؛ إذ تتناقص الرطوبة من الطبقة العلوية للخرسانة بمعدل يتجاوز معدل نزف الماء من الخرسانة عند صبِّها (2)، وتتقلَّص الطبقة السطحية الجافَّة للخرسانة بمعدل مختلف عن باقي الخرسانة، ممَّا يسبِّب إجهادات شد داخل الطبقة السطحية والتي بدورها تسبِّب ظهور التشقُّقات بمجرد أن تتجاوز هذه الإجهادات مقاومة الخرسانة للشد، ويمكن تشبيه هذا النوع من التشقُّق بالتشقُّق الذي يحدث في التربة الطينية في أثناء جفافها (1).
يمكن اتخاذ العديد من الاحتياطات البسيطة لمنع تشقُّقات الانكماش اللَّدن، وذلك بمراعاة الظروف الجوية وتجنُّب الحرارة العالية والرياح الجافَّة والانتباه إلى سطح العناصر بعد الصب؛ فالمنتجات ذات المساحات الكبيرة المكشوفة أكثر عرضة لهذا النوع من التشقُّق، ومن المفيد أيضًا الحفاظ على مخزونات الركام مظلَّلةً ومبلَّلة، ويمكن أن يساعد استخدام الماء البارد أو الثلج في الحفاظ على درجة حرارة منخفضة للخرسانة (1).
الصورة (3): توضح الصورة شكل تشقُّقات الانكماش اللدن
الشروخ الناتجة عن الهبوط اللدن للخرسانة Plastic settlement:
يتعلَّق الهبوط اللَّدن للخرسانة بعوامل عدَّة، كعمق التسليح نسبةً إلى السماكة الكلية للعنصر، والوقت الإجمالي للهبوط، والنسبة بين عمق التسليح وقطر القضيب المستعمل إضافةً إلى مكوِّنات الخلطة، ويحدث في الخرسانة حديثة الصب؛ إذ تصعد المياه إلى سطح الخرسانة (نزف الخرسانة) وتستقر الجزيئات الصلبة في العمق، وينتج عن خروج الماء تضاؤل في حجم الخرسانة، فتهبط الخرسانة الرطبة إلى الأسفل، ونتيجة إعاقة هذه الحركة لوجود حديد التسليح مثلًا تحدث هذه التشقُّقات. تتميَّز التشقُّقات الناتجة عن الهبوط اللدن بأنَّها غير عميقة عمومًا، لكنَّها تميل إلى اتباع نمطٍ منتظمٍ يتطابق مع التسليح المستخدم أو التغيرات في مقطع العنصر، وقد تؤثِّر في التسليح فتهدِّد بذلك متانة العنصر. يمكن الحد من هذه التشقُّقات عن طريق إعادة معايرة الخرسانة بعد انتهاء الهبوط على نحو منتظم (ضبط العملية زمنيًّا)، وقد يساعد استخدام خلطات أكثر تماسكًا في تقليل هذا النوع من التشقُّقات (1).
الصورة (4): آلية حدوث الهبوط اللدن (مسقط ومقطع)
الصورة (5): توضح بروز التسليح نتيجة تشقُّقات الهبوط اللدن
الشروخ الناتجة عن تحريك القوالب في أثناء التنفيذ:
تحدث نتيجة فك وتحريك القوالب قبل أن تكتسب الخرسانة المصبوبة قوةً كافيةً لتحمل وزنها (2).
2- التشقُّقات التي تحدث بعد تصلُّب الخرسانة:
شقوق فيزيائية physical cracks:
الانكماش بالجفاف drying shrinkage: تميل الخرسانة إلى تحقيق التوازن مع البيئة المحيطة بها، فإذا كانت البيئة جافةً تبدأ المياه بالتبخُّر من السطح المكشوف للخرسانة، ويعتمد معدَّل التبخُّر على الرطوبة النسبية ودرجة الحرارة ونسبة الماء إلى الإسمنت في الخلطة، إضافةً إلى مساحة السطح المكشوف للخرسانة. تفقد الخرسانة أولًا المياه الموجودة في المسام الشعرية الكبيرة، ولا يسبِّب فقدان هذه المياه تغيُّرًا كبيرًا في الحجم، لكن مع استمرار التبخُّر تفقد الماء الموجود في العجينة المتصلِّدة ذاتها، وهو ما يُعرَف بالانكماش.
يشكِّل انكماش الجفاف جزءًا من التشوُّه الكلِّي الذي يمكن ملاحظته في العنصر الخرساني، وهو لا يشكِّل خطرًا إذا كانت الخرسانة قابلة للحركة، ولكن إن كانت الخرسانة مقيَّدةً بأيِّ شكلٍ من الأشكال فإنَّ هذا الانكماش سيؤدِّي إلى إجهادات شد، وإن تجاوزت هذه الإجهادات مقاومة الشد في الخرسانة ستسبِّب حدوث التشقُّقات.
يمكن أن ينتج عن هذه الشقوق تسرب المياه، ممَّا يؤدي إلى إضعاف متانة العنصر الخرساني.
الصورة (6): تشقُّقات الانكماش بالجفاف في بلاطة بيتونية
- التشقُّقات الشبكية crazing: تتوزَّع هذه التشقُّقات على شكل شبكةٍ دقيقةٍ لاتخترق سطح الخرسانة كثيرًا، وتحدث نتيجة تمدُّد وتقلُّص السطح الخرساني بفعل دوراتٍ متناوبةٍ من الرطوبة والجفاف، وعلى الرغم من أنَّ مظهرها ليس جميلًا ويمكن أن تتجمَّع فيها الأوساخ لكنَّها لا تشكِّل خطرًا من الناحية الإنشائية (1).
الصورة (7): التشقُّقات الشبكية
- تشقُّقات بفعل العوامل الكيميائية Chemical Action: تحدث التفاعلات بسبب المواد الداخلة في تركيب الخرسانة نفسها أو المواد التي تتلامس معها بعد أن تتصلب، ومن أهمِّ الأمثلة على هذه التفاعلات هجوم الكبريتات إضافةً إلى تآكل حديد التسليح بفعل الصدأ (1).
التشقُّقات بسبب الهبوط Cracks due to Settlement:
تنتج هذه التشقُّقات عن حركة الأساس أسفل المنشأ نتيجة حدوث هبوط للتربة أسفله، وتحدث هذه الحركة بسبب التأسيس على تربٍ غير مستقرة كالترب الطينية، ولأنَّ حركة التربة نادرًا ما تكون موحدةً فإنَّ هبوط الأساس يكون تفاضليًّا، ويسبِّب حدوث التشقُّقات، ويمكن أن ينجم عنه انهيار المنشأ بالكامل (1).
التشقُّقات الحرارية Cracks Due to thermal movement: يحدث ارتفاع درجة الحرارة في الخرسانة الطازجة بسبب الحرارة المكتسبة من مصدر خارجي أو بسبب الحرارة المتولِّدة داخل المادة عن طريق إماهة الإسمنت، إذ ينجم عن تفاعل الماء مع الإسمنت كمية كبيرة من الحرارة تسبِّب رفع درجة حرارة الخرسانة، ويعتمد مدى ارتفاع درجة الحرارة على خصائص الإسمنت المستخدم، وشكل وحجم العنصر الخرساني، وبعد أن تنخفض درجة حرارة الخرسانة، لا يحدث التقلُّص بسهولة فتنشأ إجهادات شد تسبِّب التشقُّقات.
إنَّ الطريقة الأنسب والأكثر اقتصادية للتحكم بالتشقُّقات الحرارية هي توزيع حديد التسليح بالتوازي مع وجه العنصر، ويمكن اتخاذ تدابير أخرى أيضًا كاستخدام الإسمنت منخفض الحرارة واستخدام البوزولانا والتبريد المسبق للركام وغير ذلك (1).
تفتّت الخرسانة Concrete Spalling:
يحدث تفتُّت الخرسانة (تساقط السطح الخارجي للسطح الخرساني)، نتيجة تعرُّضها لدرجات حرارة عالية؛ إذ يمنع تراص مكونات الخرسانة بخار الماء والرطوبة من الانتقال ضمن الخرسانة، ممَّا يؤدِّي إلى تفتُّت السطح الخرساني المعرض للحرارة (4). يستند أحد التفسيرات المقدَّمة لهذا النوع من تشقُّقات الخرسانة (Anderberg 1997) إلى وجود مناطق عدة في الخرسانة المعرضة للحرارة:
1- منطقة جافة تمامًا Dry zone.
2- منطقة البخار Vapour zone.
3- منطقة مشبعة جزئيًّا Partially saturated zone.
عندما تصل درجة الحرارة التي تتعرَّض لها الخرسانة إلى 100 درجة مئوية، يبدأ الماء بالتبخُّر من السطح المعرض للحرارة، ثمَّ تتشكَّل المنطقة الجافة التي تزداد سماكتها بارتفاع درجة الحرارة تدريجيًّا نتيجة تبخُّر محتوى الرطوبة، وتليها منطقة البخار التي يوجد فيها بخار الماء مع الماء الحر؛ إذ يرتفع مستوى الرطوبة في هذه المنطقة إلى درجة كبيرة تمنع انتقال بخار الماء إلى المنطقة غير المعرضة للحرارة (المنطقة الثالثة)، وتعرَف هذه الظاهرة بـ moisture clog (انسداد الرطوبة) والتي تسبِّب تراكم بخار الماء في المنطقة خلف المنطقة الجافة مباشرةً، ممَّا يؤدي إلى تفتُّت الخرسانة فيها عندما يتجاوز إجهاد الشد الحاصل مقاومة الشد للخرسانة (3, 4).
صورة (8): صورة تبين تفتُّت الخرسانة concrete spalling
إنَّ اتَّخاذ التدابير المناسبة منذ المراحل الأولى لأي مشروع ابتداءً من اختيار المواد الجيدة وتفاصيل التصميم وخاصةً توزع حديد التسليح في العناصر الإنشائية، إضافةً إلى مراعاة ظروف البيئة المحيطة من شأنه منع العديد من مظاهر تشقُّق الخرسانة أو التقليل منها على الأقل.
المراجع:
1. Kvgd B. STUDY ON DIFFERENT TYPES OF CRACKS IN PLAIN AND REINFORCED CONCRETE [Internet]. 2014 [cited 26 March 2020]. Available from: هنا
2. Cracks In Concrete [Internet]. 2010 [cited 26 March 2020]. Available from: هنا
3. Reasons of Concrete Spalling - Civil Engineering Forum [Internet]. Civil Engineering Forum. 2020 [cited 26 March 2020]. Available from: هنا
4. V. G. de Morais M, Noumowé A, Pliya P, Beaucour a. Contribution à l'explication de l'éclatement de certains éléments en béton soumis à une température élevée [Internet]. 2009 [cited 26 March 2020]. Available from: هنا