الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
الميكروويف كيف تؤثر الأعجوبة الهندسية في غذائنا؟
عندما نتكلم عن تسخين الأطعمة في الميكروويف، فإننا نسمع آراء متباينة؛ فبعض الأشخاص يرون فيه ضررًا كبيرًا، في حين يرى البعض أن استخدامه لا يحمل أية مخاطر..
وكي نجيب عن هذا السؤال علينا أن نتعرف آلية عمله ونحدِّثكم عن تأثيراته في الغذاء.. فتابعونا
في 8 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1945 قدم بيرسي سبنسر من شركة رايثون Raytheon Co. طلبًا لبراءة اختراع يصف فيها جهازًا يستخدم الطاقة الكهرومغناطيسية (EM) بأطوالٍ موجيةٍ معينةٍ لتسخين الأطعمة، وقد بدا هذا الاختراع مثل استراحةٍ زمنيةٍ من الطرائق التقليدية المتبعة في تسخين الأطعمة وطهيها في المنازل.
اليوم، أصبحت هذه الأجهزة تُعرف باسم أفران الميكروويف Microwave ovens، وقلما نجد منزلًا لا يحوي أحدها، فهي تقلل زمن تسخين الطعام إلى بضع دقائق، وتوفر بذلك راحةً كبيرة للمستهلكين، لذا فقد تزايد استخدامها على نحو كبير على الرغم من مخاوف بعض الناس من الآثار السلبية المحتملة للميكروويف في المكونات الغذائية ومخاطر إشعاعاته (1). وقبل أن نتمكن من تفنيد ذلك سنمر بعجالة على آلية عمل الميكروويف.
كيف يسخن الميكروويف الطعام؟
تسخن أفران الميكروويف الطعام باستخدام الموجات الدقيقة؛ وهي شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يشبه الموجات اللاسلكية. وتتميز أشعة الميكروويف بثلاث خصائص تسمح باستخدامها في الطهي؛ فهي تنعكس على المعادن وتمر عبر الزجاج والورق والبلاستيك والمواد المماثلة، وتُمتصُّ من قبل الأطعمة (2)، ويمكن لهذه الموجات أن تحفز الجزيئات المكونة للطعام بإكسابها طاقةً تجعلها تهتز وتدور حول محورها وتتصادم بعضها مع بعض، ومن ثمَّ تتحرر طاقتها المكتسبة على هيئة حرارة تؤدي إلى رفع حرارة الجزيئات وبذلم تسخين الطعام، وهذا مشابه نوعًا ما لكيفية تسخين يديك عند فركهما معًا (3). وعلى الرغم من أن الحرارة تنتج مباشرة في الطعام، لكنَّ أفران الميكروويف لا "تطبخ" الطعام من الداخل، بل إنَّ الطبقات الخارجية هي التي تسخن في المقام الأول بواسطة الموجات الدقيقة، في حين يُطهى الجزء الداخلي عن طريق توصيل الحرارة من الطبقات الخارجية الساخنة إلى الطبقات الداخلية (4).
ما مدى خطورة أشعة الميكروويف؟
إن أشعة الميكروويف - كما ذكرنا - شكلٌ من أشكال الإشعاع "الكهرومغناطيسي"؛ أي إنها موجاتٌ من الطاقة الكهربائية والمغناطيسية، وهي أشعة غير مؤينة؛ أي إنها لا تمتلك طاقةً كافيةً لطرد الإلكترونات من الذرات، على عكس الأشعة السينية مثلًا والتي تعد من أشكال الإشعاع المؤين، والتي يمكن أن تغير الذرات والجزيئات وتسبب تلف الخلايا عند تعرض المواد العضوية إليها (4).
وعلى الرغم من ذلك، يمكن لإشعاعِ الميكروويف تسخينُ أنسجة الجسم بالطريقة نفسها التي يسخن بها الطعام، وبذلك يسبب التعرض لمستوياتٍ عاليةٍ من الموجات الدقيقة حروقًا في الجلد أو إعتامًا في عدسة العين، وما زال الجزء الأكبر مما يحدث للأشخاص الذين يتعرضون لمستويات منخفضة من هذه الموجات مجهولًا حتى الآن (2).
ومن المؤكد أن أشعة الميكروويف لن تتسرب من الجهاز إن كان بحالةٍ جيدة (2)، إذ تحتوي أفران الميكروويف على دروعٍ وشاشاتٍ معدنية فوق النافذة تمنع الإشعاع من مغادرة الفرن، لذلك لا ينبغي أن يكون هنالك أي خطر إلا في حال تضرر هيكل الجهاز الذي يترافق بزيادة خطر تسرب الأشعة (3).
لذا، وضماناً لسلامة أفران الميكروويف، يُطلب من الشركات المصنعة أن تثبت أن منتجات أفران الميكروويف الخاصة بهم تحقق بمعايير السلامة الإشعاعية الصارمة التي أنشأتها وفرضتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (2).
الميكروويف والغذاء.. وجهات نظر عديدة، فكيف نقرر الأنسب لنا؟!
تتخرب بعض العناصر الغذائية عندما تتعرض للحرارة، سواء كان ذلك في الميكروويف أم الفرن العادي، وقد يكون الفيتامين C المثال الأوضح على ذلك. ونظرًا لأن أوقات الطهي في الميكروويف أقصر، فإن الطهي باستخدام الميكروويف يؤدي إلى الحفاظ على الفيتامينات وغيرها من العناصر الغذائية التي تتحلل عند تسخينها على نحو أفضل (5). وبالمقابل، فقد أظهرت دراسةٌ أخرى أن الميكروويف قد خرَّب 97% من مضادات الأكسدة والفلافونويدات في البروكلي، في حين خرَّب الطهي بالغليان 66% فقط (3).
من جهةٍ أخرى، نجد أن طهي الخضروات في الماء يسلبها بعضًا من قيمتها الغذائية لأن العناصر الغذائية ترشح إلى مياه الطهي، فيفقد البروكلي المسلوق مثلًا محتواه من إينولات الغلوكوز Glucosinolate التي تعطي الخضار الصليبية خصائصها المضادة للسرطان، في حين يحتفظ البروكلي المطبوخ بالميكروويف أو على البخار بكمية أكبر منها (5).
كذلك أشارت إحدى الدراسات التي أجريت على 20 نوعًا من الخضار إلى أن الميكروويف والشوي يحافظان على مضادات الأكسدة على نحو أفضل، في حين كان الطبخ بالغلي والطبخ تحت الضغط الأسوأ في تلك الناحية. ومع وعلى الرغم من ذلك، وجدت دراسة أخرى أن دقيقةً واحدةً فقط في الميكروويف كانت كافية لتخريب بعض المركبات المكافحة للسرطان في الثوم، الأمر الذي استغرق 45 دقيقةً في الفرن التقليدي (3).
وبالمقابل، وُجد أن استخدام الميكروويف وإضافة كميةٍ صغيرةٍ من الماء إلى الطعام يؤديان إلى تبخير الطعام من الداخل إلى الخارج، مما يحافظ على الفيتامينات والمعادن أكثر من أي طريقة طهي أخرى تقريبًا (5).
ويمكن أن يقلل استخدام الميكروويف من تكوين المركبات الضارة في بعض الأطعمة. وتتمثل إحدى مزايا الميكروويف في أن الطعام لا يسخن بقدر ما يحدث في طرائق الطهي الأخرى مثل القلي، لكن يمكن لبعض الأطعمة الدهنية والسوائل أن تسخن بدرجةٍ كبيرة باستخدام الميكرويف لذا يجب الحذر عند استهلاكها بعد التسخين.
أما من الناحية الميكروبية، فيشكل الميكروويف مصدر قلقٍ وتخوفًا من عدم الحصول على غذاءٍ صحي خالٍ من البكتيريا والملوثات، مما يمكن أن يسبب التسمم الغذائي. ويعود هذا الاعتقاد إلى أن درجة الحرارة عند التسخين في الميكروويف تميل إلى أن تكون أقل من طرائق الطهي الأخرى، فضلًا عن كون الزمن أقصر بكثير، وهو أمرٌ غير كافٍ للقضاء على الملوثات المنقولة عبر الغذاء (3).
وكما وجدنا أعلاه، فإن تأثير الميكروويف في المغذيات الموجودة في الطعام يختلف من مركب لآخر، وطعامٍ لآخر، وعلينا بدون شك اختيار الطريقة التي تساعد على الاحتفاظ بأكبر قدرٍ من العناصر الغذائية والتي تُعرِض الطعام لأقصر فترةٍ ممكنةٍ من التسخين بغرض حماية المركبات المختلفة من تأثير الحرارة المخرِّب، ونذكر طبعًا بضرورة اتباع قواعد السلامة العامة والإعداد الصحيح للغذاء لضمان سلامته للمستهلكين بغض النظر عن طريقة الطبخ أو التسخين المتبعة (5).
فما رأيكم، هل تجدون التسخين في فرن الميكروويف أمرًا جيدًا أم سيئًا؟
المصادر:
2. Microwave Ovens [Internet]. U.S. Food and Drug Administration. 2019 [cited 27 June 2020]. Available from: هنا
3. Gunnars K. Microwave Ovens and Health: To Nuke, or Not to Nuke? [Internet]. Healthline. 2019 [cited 27 June 2020]. Available from: هنا
4. Microwave Oven Radiation [Internet]. U.S. Food and Drug Administration. 2017 [cited 27 June 2020]. Available from: هنا
5- Publishing H. Microwave cooking and nutrition - Harvard Health [Internet]. Harvard Health. 2019 [cited 29 June 2020]. Available from: هنا