الفنون البصرية > تعرف إلى فن
الفن الفطري إبداع مترامي الأطراف
يُمكن تجاهل الفنّ الفطريّ (من كلمة فطرة) (Naïve art) بسهولة بكونه فنًّا أُنشئ من قبل أشخاص(لا يعرفون ما يفعلونه)، ولكن هذا يقوّض الإبداع الخام الموجود في أعمال الفنانين ونهجهم غير المُقيّد والغريزي للمواد والتكوين والأفكار (1).
قبل القرن العشرين، كان الفنُّ الفطريُّ بمعناه الأساسي هو أيّ شكلٍ من أشكال الفنّ البصري أُنشئ من قبل شخص يفتقر إلى التعليم الرسمي والتدريب الذي يخضع له فنان محترف، فعندما يحاكي الفنانون غير المختصين أمورًا جمالية (aesthetics) غالبًا ما يُشار إليها على أنها بدائية، أو فنّ ساذج (1).
يُشار إلى هذا الفن أحيانًا باسم الفنّ البدائي (primitivism)*، يتداخل الفن أيضًا مع ما يسمّى بالفنّ الخارجي (outsider art)*، أو مع الفنّ الفرنسي المتوحّش (France art brut)*، وهذا يشمُل فنّ الأطفال، وأيضًا الفنّ الذي يصنعه الناس ذوي الحالات الخاصة، مثل، السُجناء والمرضى العقليين (2).
على عكس الفنّ الفلكلوري أو الشعبي (folk art)*؛ الذي يتبنّى نهجًا تبسيطيًّا مشابهًا. لا يُستمد الفنّ الفطريّ بالضرورة من سياق ثقافي أو تقليد متميز. ورُسم أيضًا أوجهًا متشابهة بين الفنّ الفطري والفنّ الخارجي، ولكن في حين أنّ الفنانين في هذين المجالين ليس لديهم تدريب أو تعليم أكاديمي، فإنَّ الفنَّانين الخارجيين عادةً ما يكون لديهم اتصال قليل مع عالم الفنّ السائد. فغالبًا ما يحوي عملهم الأفكار غير التقليدية أو العوالم الخيالية المتقنة (1).
من غير المؤكد متى ظهر الفنانون الفطريّون أوّل مرّة؛ إذ إنّه وبدءًا من بداية تاريخ الفنّ حتى اليوم، ابتكر هؤلاء الفنّانون أعمالًا لا نزال نعجب بها. إلّا أنّ الخبراءَ يقولون إنّ مصطلحَ الفنِّ الفطريّ ( Naïve art) نشأ في عام 1885م، عندما أصبح الفنان بول سينياك (Paul Signac) على دراية بمواهب هنري روسو (Henri Rousseau)، ومع ذلك، فقد عُدّ أوّل مرة بمثابة أنموذج فنّي في القرن العشرين، عندما اعترفت حفنة من الفنّانين بالفنّ الفطريّ مصدرَ إلهامٍ (1).
امتاز الفنُّ الفطريُّ ببساطة التنفيذ وعدم التعقيد، وبسبب ذلك، فقد عدّه الحداثيون (modernists) -الذين يسعون إلى الابتعاد عمّا يرونه تعقيدًا- غير دقيق لفن أُنشئ داخل ضوابط تقليدية (2)، وامتازت الأعمال الفطرية بالتفصيل الدقيق، وهناك ميل نحو استخدام الألوان المُشبعة اللامعة بدلًا من خلط الألوان، يُلاحظ أيضًا غياب المنظور في أغلب الأعمال (3).
أحدُ أشهر فنّاني هذا الفن هو الفنان هنري روسو، والمعروف باسم لو دوانييه (Le douanier) (رجل الجمارك) (2,3).
بدأ روسو الرسم بجدّية في الأربعينات من عمره، وبحلول سن الـ 49 تقاعد من وظيفته محصّلًا للضرائب ليسخّر نفسه بعدها بالعمل على فنّه. ادّعى الفنَّان أنّه ليس لديه "معلم آخر غير الطبيعة" (1).
يشتهر برسم لوحات مشهد الغابة، استلهم من كتب الأطفال والحدائق النباتية في باريس؛ إذ يصفُ بأنّه ابتكر نمطًا جديدًا من "رسم المناظر الطبيعية"؛ إذ كان يرسم مشهدًا أولًا ثم يُصور شخصًا أو حيوانًا في المقدمة، ونتيجة لذلك غالبًا ما كانت لوحاته تبدو مسطّحة وطفولية (1).
أثَّر في العديد من الرسامين الطليعيين بما في ذلك بابلو بيكاسو (Pablo Picasso)، وفرناند ليجر (Fernand Légerr)، والسرياليين الذين اعتمدوا إحساس الفنان بالحرية والنهج الغريزي للتكوين عندما يتعلق الأمر بخلق العمل (1).
وهناك فنانون فطريون آخرون مثل أنطونيو ليجابو (Antonio Ligabue)، وهو فنَّانٌ إيطاليٌّ حصل على تقدير لعمله خلال أواخر الأربعينات، ونيكيفور (Nikifor)، رسامٌ روسيٌّ أنشأ أكثر من 40.000 عمل، أثبت بعمله أنَّ التعليم الرسمي لم يكن مقدمة لإبداع الفنّ الذي أفتن الجمهور.
مهّد هؤلاء الفنانون الطريق لنهجٍ متجدّدٍ للفنّ بالطريقة التي جُوهلت بها الاتجاهات والشكل المناسب.
ومع بداياته المتواضعة أصبح الفنّ الفطري (Naïve art) الآن نوعًا فنِّيًّا معتَرفًا به تمامًا، يُعرض في المعارض في جميع أنحاء العالم، وتبنّاه العديد من الفنانين التشكيليين والرسامين في جميع أنحاء العالم (1).
*الفن الشعبي (Folk art): هو التعبيرُ الإبداعيُّ للنضال الإنساني من أجل حضارة في بيئة معينة من خلال العمارة وإنتاج الأشياء المفيدة، محققة الغاية الجمالية أيضًا (4).
*الفن البدائي (Primitivism): يُستخدم مصطلح البدائية لوصف افتتان الفنانين الأوروبيين الحديثين بما أُطلق عليه آنذاك الفن البدائي؛ بما في ذلك الفن القَبَلي القادم من أفريقيا وجنوب المحيط الهادئ وإندونيسيا، إضافةً إلى الفن الأوروبي ما قبل التاريخ والمبكّر للغاية، والفن الشعبي الأوروبي (5).
* الفن الخارجي (Outsider art): كان مرادف وحتى الثمانينات للفن الوحشي، وهو يصف أي عمل فني من إنتاج فنان غير مدروس أو غير مدرب لا يرتبط عادة بعالم الفن التقليدي (6).
*الفن المتوحش (Art brut): هو مصطلح فرنسي يُترجم على أنّه "الفن الخام" الذي اخترعه الفنان الفرنسي جان دوبوفيه لوصف الفن، مثل، الكتابة على الجدران أو الفن الفطريّ المصنوع خارج حدود الفن الأكاديمي (7).
المصادر: