منوعات علمية > منوعات
ثلاثي المرح: اللعب- الألعاب- الرياضة ٢. الألعاب: ما هي؟
تعدُّ الألعاب أنشطة مشتركة بين مختلف الثقافات البشرية، كما تشغل جزءًا كبيرًا من حياتنا، وغالبًا ما تساعدنا على إزالة عبء الحياة عن كاهلنا وتحمل ضغوطها والترويح عن النفس، كما أنها قد تستخدم كوسائل تعليمية. ولكن لماذا نطلق اسم لعبة على العديد من أشكال اللعب ولا نطلقه على أشكال أخرى؟ وهل نطلقه على النشاط بحد ذاته أم على البنية أو الصيغة التي يجري ضمنها؟ وهل كل من يلعب لعبة هو بالضرورة يلعب؟
قبل البَدء بما توقفنا عنده في المقال السابق؛ نستعرض وجهة نظر الفيلسوف لودفيغ فيتغنشتاين Ludwig Wittgenstein، إذ يقول: إذا أخذنا كل ما نعده ألعابًا (ألعاب الألواح والبطاقات والكرات والألعاب الأولمبية… إلى آخره)، ما المشترك بينها جميعًا؟ إذا نظرت إليها جميعًا جيدًا لن تجد ما هو مشترك بينها إلا بعض التشابهات، أي لا يمكننا القول مثلًا إن جميعها مسلية أو فيها ربح وخسارة أو هي منافسة بين عدة لاعبين، وكلما أخذنا عددًا أكبر من الألعاب نجد أن الصفات المشتركة بينها تختفي شيئًا فشيئًا. وأفضل طريقة لوصف التشابهات بينها هي بعدِّها كالتشابهات بين أفراد العائلة (1).
ومع ذلك، الفكرة هنا ليست أنه لا يمكن إعطاء تعريف للألعاب وإنما ألَّا نبحث عن الخصائص الجوهرية المشتركة للألعاب بل من الأفضل النظر إلى التشابه العائلي فيها وإيجاد الخصائص التي تربط بين مجموعات من الألعاب مع بعضها وليس بالضرورة جميعها. ومع ذلك يبقى هناك عدة آراء في فَهم مقاربة فيتغنشتاين (2).
وهناك من لا يتفق مع ذلك كبيرنارد سوتس Bernard Suits، إذ يرد على ذلك بأنه كان جديرًا ﺑ فيتغنشتاين البحث جيدًا عما هو مشترك بين الألعاب - والعثور على شيء - بدلًا من افتراض عدم وجوده (2).
وبالعودة إلى اللعب المعقد عند سوتس (تحدثنا عنه في المقال السابق)، نجد أنه يرى أن الألعاب قد تنتج عندما تصبح المهارة هي محط الاهتمام والمتعة (3). ويرى أن للقواعد دورًا في ذلك، لكن ليست أي قواعد بل تلك التي تضع عوائق بوجه الوصول إلى هدف اللعب عبر الطرائق السهلة لأجل جعل اللاعبين يستخدمون طرائق أصعب وأكثر تطلبًا للمهارة، وسمَّاها القواعد البنيوية أو الأساسية constitutive rules، وذلك لا ينفي وجود أنواع أخرى من القواعد، لكن وجودها ليس جوهريًّا بالألعاب (4). ويرى سوتس أن العلامة المميزة للألعاب ليست فقط القواعد، بل وسلوك اللعب أيضًا (5).
ويعني سلوك اللعب قبول اللاعبين بالقواعد والعوائق غير الضرورية فقط من أجل جعل اللعبة ممكنة (أي إننا لا نتقيد بها لأنها تجنبنا عواقب غير مرغوبة كما نفعل بالحياة العادية).(4)
ويعطي سوتس تعريفه المختصر للألعاب: أن تلعب لعبة يعني أن تحاول على نحو طوعي أن تتجاوز أو تتغلب على عوائق غير ضرورية من أجل الوصول إلى هدف اللعبة (4).
كما أن أغلب التعريفات (وليس جميعها) تتفق على وجود القواعد وأساسيتها في الألعاب، على سبيل المثال تعريف الفيلسوف ديفيد كيلي David Kelley بأن الألعاب هي أحد أشكال التسلية والاستجمام مبنية على مجموعة من قواعد تحدد هدف اللعب والطرائق المسموحة للوصول إليه، أي إن ما يميز الألعاب عن الاستجمام هو القواعد (5).
وفيما يخص النقاط الخلافية العديدة سنذكر أبرزها:
هل اللعبة هي النشاط بذاته أم البنية التي يجري ضمنها النشاط؟
يرى توماس هينريكس Thomas Henricks أن الألعاب هي (صيغ) ثقافية تساعد الناس على التفاعل بطرائق محددة وتضمن استمرارية اللعب عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة (6). ومثله عدة تعريفات وصفت الألعاب بأنها: بنية تفاعلية…، هي نظام ينخرط فيه...، هي نظام مبني على قواعد...، وغيرها (5). لكن يظن البعض الآخر ومنهم كلارك آبت Clark C. Abt أن اللعب (نشاط) بين اثنين أو أكثر من اللاعبين أو متخذي القرار، يتم فيه السعي إلى هدف بسياق محدد. ومثله عدة تعريفات تصف الألعاب بأنها أحد أشكال اللعب أو أحد أشكال الاستجمام… (5).
هل الألعاب بالضرورة غير منتجة وذاتية الغاية؟
يعدُّ روجيه كايوا Roger Caillois ويوهان هيزينغا Johan Huizinga أن اللعب غير منتج لكن يخالفهما الباحث غونزالو فراسكا Gonzalo Frasca ويعرف اللعبة على أنها أحد أشكال اللعب، إذ يتفق اللاعبون على إعطاء مكانة أو قيمة اجتماعية لأدائهم، أي إنها يجب أن تنتج شيئًا (كالمكانة أو التقدير أو التميز)، ويرى أن هذه المكانة لا تعطى للفوز والخسارة بل للأداء عمومًا وأنه لا يمكن ألا يكون للألعاب عواقب في الحياة. لكن معظم التعاريف لا تعد إنتاجية الألعاب (إن وجدت) صفة أساسية بل منتج ثانوي (5). ومع ذلك يصعب إنكار أو إهمال وجود ألعاب لها غاية خارجية كالألعاب التعليمية أو تلك التي تمنح جوائز للفائزين.
وفي النهاية نستعرض تعريفين؛ الأول هو من النوع من التعريفات التي تعتمد وضع مجموعة خصائص لا يشترط وجودها جميعًا في جميع الألعاب، لكن كلما حقق الشيء هذه الخصائص بصورة كبيرة، أمكن عدُّه لعبة، كتعريف نيكولا ويتون Nicola Whitton الذي يضع الخصائص الآتية: المنافسة والتحدي والاستكشاف والتخيلية والهدف والتفاعل والقواعد والنِتاج والأمان (5).
والثاني هو تعريف آخر ﻠ (آبت) وهو أن الألعاب هي منافسة (لعب) تُجرى بين متنافسين (لاعبين) ضمن تقييدات (قواعد) من أجل هدف (فوز، عائد ما). ولعله من أكثر التعريفات قبولًا.
وبالطبع هناك العديد والعديد من الأفكار والآراء الأخرى التي لا يسعنا استعراضها، لكن ما استعرضناه لحد الآن كافٍ لحد ما للإحاطة بمفهوم الألعاب من جوانب متعددة.. ونكمل معكم في المقال المقبل مفهوم الرياضة وتمييزها عن الألعاب.
المصادر: