علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
التنمر والأطباء; مخاطر أكبر مما نتوقع!
أصبح من الواضح جلياً أنَّ فيروس كورونا المستجد، يُعدُّ خطراً مستداماً على الأشخاص، وبالتحديد على الطواقم الطبية، من النواحي الجسدية والنفسية العديدة والخطيرة، والتي بدورها تترك آثاراً سلبيةً على المدى الطويل، إذ أصبح الخطر -من الجانب النفسي- على الكوادر الطبية جراء فيروس كورونا المستجد يتزايد على نحوٍ كبيرٍ في الآونة الأخيرة.
أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (EURO-MEDITERRANEAN HUMAN RIGHTS MONITOR) في شهر نيسان مذكرةً عاجلةً يرصد فيها تعرّض الطواقم الطبية -في العالم العربي على وجه التحديد- لحالات تنمرٍ وتمييزٍ سلبي، وافتقادٍ شديدٍ لأدوات الحماية في أثناء مجابهتها لخطر تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، ولم يقتصر الأمر على نقص وسائل الحماية من الأدوات الطبية، إلّا أنَّه وصل إلى الإيذاء النفسي للأطباء. إذ ذكر التقرير تَعرُض طبيبةٍ مصريةٍ للطرد من منزلها -من قبل جيرانها- بدعوى مخالطتها لمرضى فيروس كورونا، وشهدت قريةٌ مصريةٌ واقعة تنمرٍ مماثلةٍ ضدَّ طبيبةٍ متوفاةٍ بفيروس كورونا، إذ احتشد الأهالي من أجل رفض دفن جثمانها في مقابر القرية.
وامتدت حالات التنمر ضدَّ الكوادر الطبية إلى خارج منطقة الشرق الأوسط، إذ تعرَض فريق المساعدة الطبية للكوارث في اليابان (DMAT(Disaster Medical Assistance Team والذي قدم المساعدة لليابانيين في ووهان الصينية، لما وصفته الجمعية اليابانية لطب الكوارث بالبلطجة، وجرى التعامل معهم بوصفهم جراثيم، وطُلب منع أطفالهم من الالتحاق بالحضانات ورياض الأطفال (1).
عُرِّفت البلطجة أو التنمر في مكان العمل (Workplace Bullying) على أنها: "ضررٌ جسديٌّ أو عاطفي، قد يؤثر سلباً على خدمات الرعاية الصحية، وهو سلوكٌ تخريبيٌّ قد يحدث لجميع ممارسي الخدمة الصحية".
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن البلطجة أو التنمر في مكان العمل هو حادثٌ يواجه خلاله الأفراد سوء معاملةٍ متكررة، وتضر بالصحة. وغالباً ما يتميّز باستمراره ومدته الطويلة الأجل، وينجم عن عوامل نفسيةٍ واجتماعيةٍ وثقافية، و/أو فردية، كذلك يتضمن الهجمات المباشرة مثل الضرب، والشتم، والسخرية، أو تلك غير المباشرة مثل نشر الشائعات.
أحد الأنواع الرئيسية للتنمر هو البلطجة الاجتماعية، أي "السلوك الهجومي"، الذي ينطوي على نكاتٍ غير مقبولةٍ تتعلق بنوع الجنس، والإهانة العامة، والنكات العملية، والاستغلال (2).
"لقد أثر ذلك على عائلتي، لقد فقدت النوم،
لقد فقدت ثقتي في سلوكي، وصنع قراري السريري". يقول طبيبٌ في أحد المراكز الصحية (3).
تُعد ظاهرة التنمر في مكان العمل ظاهرةً شائعةً بين ممارسي الرعاية الصحية، وتختلف أساليب التعامل معها على حسب ثقافة المنطقة التي تظهر بها، وهي تترك آثاراً عديدةً على المستوى الفردي للشخص في العمل.
كذلك فقد ذكر التقرير الذي صدر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، والذي عبرت فيه منسقة الإعلام الاجتماعي لدى المرصد "ندى نبیل"، عن أهمية التقدير للدور الكبير لجميع الطواقم الطبية، على دورھا الإنساني في التعامل مع ھذه الجائحة ومجابهتها رغم المخاطر الشديدة التي يتعرضون لھا، بما في ذلك فقدان العديد من أعضاء ھذه الطواقم، أو تعرضھا للإصابة.
ونبھت "نبیل" إلى تحمّل الطواقم الطبية ضغوط العمل المكثف والغياب أياماً طويلةً عن أسرھم، داعيةً السلطات والحكومات المختلفة إلى توفير أدوات الوقاية والحماية (1).
ولكن كيف يمكن مواجهة التنمر ومعالجته في ظروف العمل؟
يجب اتباع أساليب للحد من ظاهرة التنمر التي يتعرض لها ممارسو الخدمة الطبية. وهنا يوجد بعض الأساليب التي تساهم في الحل على المستوى الشخصي والعمومي للظاهرة (3):
إنهاء الصمت:
- الحديث عن سلوكيات التنمر، وتحسين فهم ما هو التنمر والمضايقات التي يمكن التعرض لها.
- التأكد من وجود شخصٍ معينٍ يمكن للناس الوثوق به ومناقشة البلطجة أو التحرش، مع عدم وجود مخاوف لديهم.
- تحسين الوعي دائماً، ومحاولة تحقيق حرية التحدث حيثما وجدوا.
- إعطاء الناس الأدوات والدعم النفسي الفعال لتحدي سلوك التنمر.
تحسين حل المشاكل:
- تحسين كيفية التعامل مع الشكاوى الرسمية في الممارسة العملية.
- تشجيع وتمكين التدخل المبكّر لمعالجة السلوك متدني المستوى وغير المهني، قبل أن يتصاعد إلى البلطجة أو التحرش.
- تخفيف ضغوط نظام العمل واتخاذ خطواتٍ إيجابيةٍ لدعم تطويره.
علاقات العمل:
- اعتماد مبدأ القيادة الرحيمة من أعلى سلطةٍ إلى أدناها، وتطويرها في جميع نظم الخدمات الصحية.
- فهم العوامل البشرية عند اختيار الطاقم الطبيِّ والتعليمي، والتدريب الدائم على التعامل مع ظروف العمل غير المريحة.
- توفير المزيد من التدريب والدعم، والتشجيع على إظهار ردود فعلٍ فعالة.
- تحسين الدعم المقدم للأطباء وطلاب الطب لمواجهة الظروف الصحية الصعبة على المدى الطويل.
وفيما يختصُّ في التعامل مع التنمر في ظل أزمة كورونا بالتحديد، فقد ذكر التقرير الذي أصدره المرصد الأورومتوسطي، ضرورة حث وسائل التواصل الاجتماعي على تسليط الضوء على الجھد الكبير للطواقم الطبية في ھذه المرحلة، وتقدير دورها.
وضرورة إطلاق حملات توعيةٍ للجمهور عن طبيعة جائحة فيروس كورونا، وآليات التعامل معھا، وتصحيح التصورات الخاطئة، بما يقضي على أنماط التنمر والتمييز وأشكال الكراھیة الحاصلة.
أيضاً، إنصاف الطواقم الطبية وتأمين تعویضاتٍ وبدل مخاطر مناسبٍ لھا، وإعادة النظر في توزيع الموازنات الحكومية بأن يُرَكز على القطاع الصحيّ والتعليميّ والبحثي.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي أنَّ "العھد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافية" ینص على واجب الحكومات في تھیئة ظروفٍ من شأنھا "تأمین الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض"
وأكد المرصد الحقوقي الدولي أنَّ السلطات والحكومات المختلفة مدعوةٌ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى إلى تفعیل أدوات القانون لوقف حالات التعدي على الطواقم الطبیة، دون المساس بمبدأ الحقِّ في حریة الرأي والتعبیر (1).
في النهاية نرى ضرورة الوقوف إلى جانب الكوادر الطبية ودعمها في جميع أشكال الدعم، لمنع تعرضها للإساءة ضمن هذه الظروف الاستثنائية والصعبة.
المصادر:
2- Al Omar M, Al-Surimi K. Workplace bullying and its impact on the quality of healthcare and patient safety. Human Resources for Health [Internet]. 2019 [cited 1 June 2020];(89 (2019). Available from: هنا
3- Mowat A. Bullying and harassment: how to address it and create a supportive and inclusive culture [Internet]. British Medical Association; 2019 [cited 1 June 2020]. Available from: هنا