المعلوماتية > الذكاء الصنعي
Loihi؛ رقاقة حاسوبية تحاكي حاسة الشم
تخيّل أنك في فصل الربيع حين يعجُّ الجو برائحة الفاكهة والورود، يجول بخاطرك ها هنا أن تلتقط زهرة وتستنشق عبيرها، وما إن تفعل حتى تبدأ جزيئات العطر بالتغلغل في أنفك محفّزةً الخلايا الشمية، فترسل سيالة عصبية إلى مركز الشم في الدماغ الذي يولد بدوره نبضات عصبية تسبب إحساسًا بالشم. يتكرر هذا السيناريو كلما استشعرت رائحةً قريبة منك؛ سواءً أكانت عطرة أم لا، إنها في الواقع آلية عمل حاسة الشم.
انطلاقًا مما سبق، أوجد العلماء أنظمة الأنف الإلكتروني Electronic Nose التي تحاكي الآلية السابقة.
مفهوم الأنف الإلكتروني
هي دارة إلكترونية تعرّف الروائح عن طريق تحديد البصمة الكيميائية للمركب الذي يميز رائحةً عن أخرى، وذلك باستخدام حسّاسات تُديرها برمجيات خاصة للتعرف إلى الأنماط.
تأتي الأنف الإلكتروني عادةً في مجموعة متنوعة من البنى، ومن أشهر هذه البنى نظام TruffleBot الذي أوجده مجموعة من الباحثين في جامعة براون Brown عام 2018، يتكون هذا النظام من دارة بأبعاد
3.5×2.5 إنش تتوضع على الجهة العلوية للوح الحوسبة Raspberry Pi، وهي مزودة بثمانية أزواج من الحساسات التي يحتوي كل منها على مستشعر كيميائي للكشف عن الأبخرة، ومستشعر ميكانيكي (مقياس رقمي) لقياس ضغط الهواء ودرجة الحرارة؛ إذ يقيس هذا النظام التغيرات الصغيرة في ضغط الهواء ودرجة الحرارة، ثم يستخدم هذه الخصائص الفيزيائية في التعرف إلى الروائح (4).
دارة نظام TruffleBot (4).
في عام 2020، اقترح مجموعة من العلماء من شركة إنتل Intel تطويرَ رقاقة صغرية (Chip) بوصفها امتدادًا لمفهوم الأنف الإلكتروني (3-1)، وقد نشرت شركة Intel مؤخرًا في دورية (Nature) أنموذجًا أوليًّا لرقاقة إلكترونية تحاكي بنية الباحة الشمية (Olfactory Bulbs) في الدماغ وقدراتها (1،2)، وتطبّق العمليات الموجودة في أدمغة الكائنات الحية على بيانات الحاسب (2،3).
رقاقة Loihi (1).
مراحل بناء الأنموذج الأولي لرقاقة Loihi
بدأت العملية بتصميم دارة كهربائية كاملة حساسة للروائح، وذلك على رقاقة الحوسبة العصبية السيليكونية Loihi، ثم دُرِّبت هذه الرقاقة على اكتشاف الروائح المميزة في الخلائط المعقدة باستخدام خوارزمية تعكس سلوك الإشارات الكهربائية التي تنبض عبر الدارة عند تنشطها، وقد التُقِط في أثناء ذلك بياناتٍ نجمت عن نشاط 72 جهاز استشعار كيميائي استجابةً لـ 10 روائح مختلفة.
بعد ذلك، أجرت الدارة السيليكونية محاكاةً لمركز الشم في الدماغ، ووضعت تمثيلات عصبية لكل من الروائح العشر، وذلك على الرغم من وجود تداخلات قوية للروائح المختلفة، وكانت النتيجة إصدارَ الأنموذج الأولي (3-1).
التحديات
يعد الضجيج والتداخل أهمَّ التحديات التي تقف عائقًا أمام هذه المنظومة، فقد يصعب في بعض الأحيان التمييز بين رائحتين متشابهتين في مزيج من الروائح، على سبيل المثال؛ قد تثير رائحتا التوت والفراولة أنماطًا متشابهة من النشاط العصبي في الدماغ، ومن ثم يصعب تحديد تمثيل فريد لكل منهما (2)، ولذلك؛ عمل العلماء على تعزيز مقاومة الضجيج باستخدام التعديل العصبي (Neuromodulation) والتحضير السياقي (Contextual Priming)
(3).
التعديل العصبي:
عملية تنظيم النشاط العصبي عن طريق التحكم بمستوياته الفيزيولوجية بإثارة المناطق العصبية، وذلك باستخدام محفز كهربائي أو محفز كيميائي (5،7).
التحضير السياقي:
عملية نمذجة العلاقة بين السياق وخصائص الكائن، ومن ثم التصرف بناءً على ذلك؛ انطلاقًا من فكرة أنّ المؤثرات والقواعد التي تحكم أيَّ نظام كوني هي نفسها المؤثرات والقواعد التي تتحكم بكل عنصر داخل هذا النظام؛ إذ يوجد إجماع على أن السياق قد يكون مصدرًا غنيًّا بالمعلومات عن هوية كل كائن داخل النظام، وكذلك موقعه وحجمه (6).
الرؤية المستقبلية
يتطلع القائمون على البحث إلى تطوير معالجة حسية أكثر ذكاءً وموثوقية وذات سرعة أعلى في الاستجابة (2)، بحيث يمكن توظيف الروبوتات المزوّدة بهذه الرقاقة في المجالات المختلفة؛ كالمجالات الطبية والبيئية وفي المصانع وغيرها (3-1).
كذلك يسعى العلماء إلى تعميم مفهوم "أنظمة الأنف الإلكتروني" ليشمل الحواس كلّها، يقول نبيل إمام Nabil Imam؛ كبير الباحثين في مجموعة الحوسبة العصبية في Intel Labs والحاصل على دكتوراه في الحوسبة العصبية: "إنّ خطوتنا المستقبلية هي إضافة المزيد من الحواس لتعميم هذا النهج على نطاق أوسع من المشكلات؛ من تحليل المشهد الحسي إلى المشكلات المجرّدة مثل التخطيط واتخاذ القرار، إنّ فهم كيفية حل الدوائر العصبية للدماغ لهذه المشكلات الحسابية المعقدة سيوفر أدلةً مهمة لتصميم ذكاء آلي فعال وقوي" (1،2).
المصادر:
2- How a Computer Chip Can Smell without a Nose [Internet]. intel. 2020 [cited 16 March 2020]. Available from: هنا;
3- Rapid online learning and robust recall in a neuromorphic olfactory circuit [Internet]. nature. 2020 [cited 16 March 2020]. Available from: هنا
4- هنا [Internet]. ieee spectrum. 2018 [cited 26 October 2018]. Available from: هنا;
5- Neuromodulation Explained [Internet]. polar medical. Available from: هنا;
6- Contextual Priming for Object Detection [Internet]. springer link. 2003 [cited 18 July 2003]. Available from: هنا;
7- Neuromodulation: present and emerging methods [Internet]. NCBI. [cited 18 June 2020]. Available from: هنا