البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية
محاكاة مخبرية للمراحل الأولى من تطور الجنين البشري
خلَّق العلماء أنموذجًا ثلاثي الأبعاد يحاكي البنية الجنينية في مراحلها الأولى وذلك بالاستعانة بالخلايا الجذعية الجنينية البشرية بصفتها خطوةً أولى من نوعها بعد أن كانت التجارب المماثلة من قبلها تُنفذ كلها على خلايا جنينية فأرية.(1,2)
وهذا في محاولة للإجابة عن بعض التساؤلات التي ما تزال تعترض طريق علماء البيولوجيا فيما يتعلق بتشكُّل الجنين البشري وتطوره؛ أي بمعنى آخر كيف يمكن لبيضة ملقحة واحدة أن تنتج عدة أنواع مختلفة من الخلايا ولماذا تحدث بعض الأخطاء في أثناء عملية تطورها أحيانًا؛ ممَّا قد يسبب خسارة الجنين أو ولادته بعيوب خَلقية(5).
وبما أنَّ السبب وراء التقدم المحدود في هذا المجال يكمن في القيود الأخلاقية المرتبطة باستخدام الأجنة البشرية أساسًا، نرى بأنَّ الخلايا الجذعية الجنينية Embryonic Stem Cells أو ما يُدعى اختصارًا بــESCs تقدِّم إلينا نظامًا تجريبيًّا بديلًا (فهي خلايا جذعية مشتقة من الأجنة البشرية، ذات قدرات متعددة pluripotency؛ أي إنَّها قادرة على التجدد الذاتي والتمايز لإعطاء أنواع الخلايا كلها باستثناء النسج خارج المضغية).(6,5)
ففي هذه التجربة الحديثة التي أجراها العلماء عُمِل بالفعل على خلايا جذعية جنينية بشرية وحُوِّلت إلى بنية ثلاثية الأبعاد تُدعى بالمُعيدة أو الــGastrula، وعملية تشكُّل المُعيدة gastrulation عمليةٌ مهمة تحدث في الأسبوع الثالث من تطور الجنين؛ إذ يُحوَّل فيها التكوين الجنيني من طبقة واحدة من الخلايا الظهارية (الأريمة Brastula) إلى بنية متعددة الطبقات (المُعيدة) تُشتق منها الوريقات الجنينية الثلاث: الداخلية والوسطى والخارجية، فتكون كل وريقة مسؤولة عن تمايز أنواع معينة من الخلايا وظهور أنظمة محددة(3).
كيفية توليد المُعيدة البشرية:
بداية عُوملت معاملة الــESCs البشرية بمادة كيميائية تُدعى الكايرون chiron -(وهو مقلد أو ناهض-agonist لمجموعة من البروتينات تُدعى WNT)- مدة يوم واحد قبل بدء تنميتها ضمن أطباق الزرع، فلوحظ تشكُّل تكتلات كروية مضغوطة تتمدد لتشكِّل بُنى متطاولة في 72-96 ساعة إلى أقصى حد لتبدأ بعدها بالالتفاف والانكماش.
ووُجد أنَّ الخلايا التي عولجت بدايةً بالــChiron ترافقت مع زيادة في التعبير عن الجينات المميزة للوريقة الجنينية الوسطى، ومنه اقترحت هذه النتيجة أنَّ الخلايا الجذعية الجنينة ستميل إلى التمايز إلى خلايا الوريقة المتوسطة إذا ما استقبلت إشارات من نوع WNT كالChiron.
وبالإضافة إلى ما سبق تمكَّن العلماء من تحديد النهاية الرأسية من النهاية الذيلية للبنية الجنينية المتطاولة عن طريق إجراء تحليل جيني ومراقبة تغيير مواضعها مع الزمن استنادًا إلى معرفتهم السابقة بالمورثات التي تشغل النهايتين لدى أجنة الثدييات.
وراقبوا أيضًا بعض الجينات المميزة بكل وريقة من الوريقات الجينية الثلاث بعد وسمها؛ لاختبار قدرة المُعيدة البشرية المتشكِّلة على توليد الخلايا المشتقة من هذه الوريقات، وبعد مضي 72 ساعة من بدء التجربة أمكن رؤية انفصال واضح بين المناطق المعبرة عن كلٍّ من تلك المورثات(1)؛ ممَّا أكد على قدرتها على تطوير مكونات بدائية من القلب والجهاز العصبي؛ ولكن، تبيَّن أنَّها تفتقد للمكونات اللازمة لتشكيل الدماغ وأنواع خلوية أخرى ضرورية لتوليد جنين قابل للحياة.
بالطبع إنَّ تجارب كهذه ستدفع إلى طرح مزيد من الإشكاليات الأخلاقية؛ إذ يجب الحذر ألا ينتهي المطاف بمثل هذه التجارب إلى خلق كائن حي كامل، ولكنَّ الذي لا شك فيه أنَّها ستكشف الغطاء عن الآليات الكامنة وراء عديد من الأمراض وستفتح أبوابًا كثيرة في سبل علاجها(2).
هامش: الــWNTs عائلةٌ كبيرة من بروتينات سكرية تمكِّن الخلايا المتباعدة من التواصل فيما بينها عن طريق ارتباطها بمستقبلات موجودة على سطح الخلايا وإحداثها لشلال من الإشارات الداخل خلوية التي تنتج عنها تغيرات في نسخ الجينات وحدوث الاستجابة المناسبة(4).
الناهض: مادة كيميائية ترتبط بالمستقبل الهدف وتفعِّله محدثةً استجابةً بيولوجية(7).
المصادر:
- S et al. An in vitro model of early anteroposterior organization during human development. Nature. 2020;582(7812):410-415. هنا
- Cyranoski D. Lab-grown cells mimic crucial moment in embryo development. Nature. 2020;582(7812):325-325. هنا
- Muhr J, Ackerman KM. Embryology, Gastrulation. [Updated 2020 Jan 21]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2020 Jan-. هنا
- Mikels A, Nusse R. Wnts as ligands: processing, secretion and reception. Oncogene. 2006;25(57):7461-7468. هنا
- From Organoids to Gastruloids [Internet]. RSB. 2020 . هنا
- PMC E. Europe PMC [Internet]. Europepmc.org. 2020. هنا
- Pleuvry B. Receptors, agonists and antagonists. Anaesthesia & Intensive Care Medicine. 2004;5(10):350-352.