البيولوجيا والتطوّر > أبحاث السرطان
كيف تطور الخلايا السرطانية مقاومة للعلاج الكيميائي
يُعدُّ مرض السرطان Cancer بمختلف أنواعه من الأمراض ديناميكية التطور والتي تُشكِّل تحديًا كبيرًا أمام الأبحاث البيولوجية التي تسعى سعيًا مستمرًا إلى مواكبته وتطوير آليات علاجية جديدة له (1).
وعلى الرغم من التطور الذي يشهده مجال المعالجة السرطانية، ولكنَّ غالبية المرضى الذين وصلوا إلى مراحل مرضية متقدمة -مرحلة النقائل Metastasis- قد بدؤوا بتطوير مقاومة للعلاج الكيميائي chemotherapy resistance على نحو متزايد؛ نتيجةً لتفعيل آليات تؤثر -على سبيل المثال- في امتصاص الدواء واستقلابه ونقله على المستوى الخلوي، والذي كان سببًا رئيسًا لارتفاع مستوى المراضة morbidity والوفيات mortality (1)(2).
وقد أظهرت دراسات عديدة أنَّ مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج الكيميائي قد تُعزى إلى:
1- التغيرات في الخصائص الجينية genetic وما فوق الجينية epigenetic للخلايا السرطانية (2)، ويمكن عدُّ هذه التغيرات العاملَ المسبب لعدم التجانس الورمي tumor heterogeneity.
- عدم التجانس الورمي: هو مصطلح يعبر عن وجود أنماط جزيئية مختلفة من الخلايا ضمن الورم، ويعدُّ من العوامل الرئيسة في اختلاف حساسية الورم للعلاج ومقاومته له، ويُعدُّ التقييم الدقيق له أمرًا ضروريًّا في عملية تطوير علاجات فعالة، وله نوعان:
عدم التجانس المكاني spatial heterogeneity: ويقصد به التوزع غير المنتظم للأنماط الخلوية السرطانية ضمن الورم.
عدم التجانس الزمني temporal heterogeneity: ويقصد به وجود اختلافات زمنية -مرحلية- في التركيب الجزيئي للخلايا السرطانية.
-ويمكن الكشف عن هذا التغاير عن طريق عدة تقنيات تمكِّننا من تحليل البنية التركيبية للسلالات السرطانية المتنوعة، و من أهم هذه التقنيات:
السلسلة متعددة المناطق Multiregion sequencing، والسلسلة على مستوى خلية واحدة single-cell sequencing، وتحليل عينات الخزعة الورمية analysis of autopsy samples، والتحليل الطولاني لعينات الخزعة السائلة longitudinal analysis of liquid biopsy (3).*
2- تكيفية النمط الظاهري المعتمدة على البيئة الدقيقة للورم tumor microenvironment (TME) -dependent phenotypic plasticity:
على الرغم من أنَّه ولفترة طويلة استُبعِد أن تُعزى مقاومة العلاج الكيميائي إلى عوامل غير جينية، ولكنَّ الأدلة المتعددة أشارت التي إليها أبحاث عديدة في مجال علم الأورام السريري clinical oncology، والتي تشير إلى مساهمة (TME) في مقاومة العلاج وإعادة نمو الورم وتطوره تبيَّن أنَّ دراسة تركيب (TME) والتغيرات التي تطرأ عليه لا يقل أهمية عن دراسة الخلايا الورمية (1).
إنَّ الورم يحتاج إلى الدعم من البيئة المحيطة به لينمو؛ واستنادًا إلى ذلك، فإنَّ الاستراتيجيات العلاجية الجديدة التي تثبط مثل هذا الدعم من شأنها أن تقلل من المقاومة للعلاج الكيميائي وانتكاس الورم، وقد ساهم التطور الكبير في الأساليب التكنولوجية والتحليلية وخاصةً تقنيات "omics"** في تحديد أهداف معينة داخل بيئة الورم الدقيقة؛ بهدف إضعاف هذا الورم وتحسين استجابته للعلاج.
ويمكن أن تستهدف هذه الاستراتيجيات الخلايا السدوية stromal cells، والبروتينات التي تطلقها الخلايا السدوية، والمكونات غير الخلوية مثل؛ المطرس خارج الخلية (ECM) داخل البيئة الدقيقة للورم (2).
-وتستخدم الخلايا السرطانية المستقبلات على سطح الخلية للتواصل ديناميكيًّا داخل (TME)، وتتحكم هذه المستقبلات بعديدٍ من طرق الإشارة التي تضبط عمل الخلية؛ لذا، فإنَّ التغير في طرق الإشارة هذه قد يكون السبب وراء مقاومة بعض الأنماط السرطانية للعلاج في المراحل المتقدمة، وقد يحدث الخلل نتيجة نقص التعبير البروتيني لبعض بروتينات الإشارة في الخلايا أو ضمن (TME) أو زيادته؛ ممَّا يغير من مستوى تفعيل طريق الإشارة هذا، ومنه تغيُّر استجابة الخلية السرطانية للعلاج (1).
-وتُطوَّر نماذج ورمية في المختبر، والتي تحاكي البيئة الدقيقة للأورام في الجسم الحي؛ الأمر الذي يزيد من فهمنا للتأثر بين الخلايا السرطانية والبيئة الدقيقة المحيطة بالورم؛ ممَّا يساعد الأبحاث الجارية في تطوير علاجات جديدة ناجعة (2).
وكما نرى، فإنَّ فَهْم طبيعة الورم الجينية والبيئة الدقيقة المحيطة به يُعدُّ من العوامل الأساسية في التوجه إلى العلاج المناسب والحصول على أفضل النتائج وتقليل نسبة الأعراض الجانبية المحتملة، وهذا ينتج عنه تحسين استجابة المرضى وإنقاذ حياتهم، وما زال هناك كثير من الجوانب المبهمة في آلية تطور الورم وانتكاسه، وتُعدُّ إماطة اللثام عنها أحد أهم الأهداف التي يسعى إليها الباحثون، والتي نأمل عن طريق الفهم الأعمق لها أن نتوصل إلى حل جذري لمرض السرطان؛ هذا العدو اللدود الذي كان تحديًا كبيرًا بانتظار التغلب عليه وما يزال.
_____
حاشية:
* يشير مصطلح " التحليل الطولاني لعينات الخزعة السائلة longitudinal analysis of liquid biopsy" إلى إجراء دراسة تحليلية للخزعات السائلة المأخوذة خلال فترات زمنية متعددة بهدف دراسة تطور الورم (المتغير الوحيد الذي لدينا في هذه الدراسة هو الزمن).
الخزعات السائلة liquid biopsy: يقصد بها عينات الدم المأخوذة من مرضى مصابين بأورام معينة أو بغرض الكشف المبكر عن احتمالية وجود الورم, و ذلك عن طريق تحري وجود خلايا ورمية في الدوران circulating tumor cells (CTCs) أو بقايا الدنا الخاص بها circulating tumor DNA (ctDNA) أو الحويصلات خارج الخلية المشتقة من الورم tumor-derived extracellular vesicles. (4)
** يشير مصطلح "omics" إلى إجراء دراسة للعلوم البيولوجية التي تنتهي باللاحقة -omics؛ مثل دراسة الجينوم genomics أو دراسة الرنا بأنواعه transcriptomics أو دراسة البروتينات proteomics أو دراسة العمليات الاستقلابية metabolomics لدى الكائن الحي. (5)
المصادر:
- Moyano‐Galceran L, Pietilä E, Turunen S, Corvigno S, Hjerpe E, Bulanova D et al. Adaptive RSK‐EphA2‐GPRC5A signaling switch triggers chemotherapy resistance in ovarian cancer. EMBO Molecular Medicine. 2020;12(4). هنا
- Senthebane D, Rowe A, Thomford N, Shipanga H, Munro D, Mazeedi M et al. The Role of Tumor Microenvironment in Chemoresistance: To Survive, Keep Your Enemies Closer. International Journal of Molecular Sciences. 2017;18(7):1586. هنا
- Dagogo-Jack I, Shaw A. Tumour heterogeneity and resistance to cancer therapies. Nature Reviews Clinical Oncology. 2017;15(2):81-94. هنا
- Ulz P, Heitzer E, Geigl J, Speicher M. Patient monitoring through liquid biopsies using circulating tumor DNA. International Journal of Cancer. 2017;141(5):887-896. هنا;
- Vailati-Riboni M, Palombo V, Loor J. What Are Omics Sciences?. Periparturient Diseases of Dairy Cows. 2017;:1-7. هنا.