العمارة والتشييد > مواد البناء
الأبنية المضادَّة للبكتيريا والتلوث
اكتُشِفت قدرة ثاني أوكسيد التيتانيوم (TiO2) على تحليل الملوِّثات بالتحفيز الضوئي عند تعريضه للأشعَّة فوق البنفسجية منذ أكثر من مئة عام، وبعد نصف قرن اكتُشِفت قدرته على تحليل الملوِّثات في المياه بالتحليل الكهربائي عند تعريضه للضوء (Honda-Fujishima effect)، لينتشر في عام 1980 م استخدامه في تنقية المياه من الملوِّثات العضوية، وفي عام 1997 م اخترع الكيميائي الإيطالي لويجي كاسار (Luigi Cassar) الإسمنت المحفَّز ضوئيًّا (Photocatalytic Cement) والذي امتلك خواص واسعة تبدأ من قدرته على البقاء نظيفًا وتنتهي بقدرته على تنظيف الهواء حوله، إضافةً إلى خواصِّه المضادَّة للبكتيريا، لتدخل هذه المادة في مرحلة التطوير التجاري وينتشر استعمالها في العديد من الدُّول الصناعية كالولايات المتَّحدة واليابان وفرنسا وغيرها (1).
المكوِّن الأساسي للخرسانة الآكلة للضَّباب (الخرسانة المحفَّزة ضوئيًّا) هو ثاني أوكسيد التيتانيوم، وهي مادة ذات لونٍ أبيض تنشط بفعل طاقة أشعَّة الشمس التي تسبِّب فصلًا للشِّحنات فتتبعثر الإلكترونات على سطح الإسمنت وتتفاعل مع الوسط الخارجي مؤكسدةً المركَّبات العضوية في الهواء (2)، والتي تترسَّب بدورها على سطح المادة، ويمكن أن تزول عن السطح بالأمطار أوبالغسيل بالماء (1).
تتميز هذه الخرسانة بأنها تعكس كميةً ملحوظةً من حرارة الشمس، ممَّا يؤدي إلى خفض الحرارة المُمتصَّة من الأبنية، ويقلِّل الحرارة في المناطق الحضرية فيسبِّب ضبابًا أقل، وقد دلَّت التجارب أنَّ إضافة ثاني أوكسيد التيتانيوم لأسطح الأبنية أو الأرصفة من شأنه تقليل التلوث بنسبة قد تبلغ 60% (2).
تُعَدُّ كنيسة ميزاريكورديا (Misericordia Church) في روما والتي صمَّمها المعماري ريتشارد ماير (Richard Meier) أولَ مشروعٍ استُعمِلت فيه الخرسانة المحفَّزة ضوئيًّا في العام 1996.
اتَّخذ تصميم الكنيسة شكل ثلاثة أشرعة، وكان من المُخَطَّطِ صنعها من الخرسانة مسبقة الصنع قبل اقتراح الخرسانة المحفَّزة ضوئيًّا، ونظرًا لأهمية الشكل الخارجي في خلق صرحٍ ذي رمزية، اتُّفق على استعمال الخرسانة المحفَّزة بسبب لونها الأبيض وقدرتها على التَّنظيف الذاتي، إضافةً إلى قوة تحمُّلها وديمومتها (3).
حافظت العديد من المشاريع المعمارية الرائعة على جمالها عبر السنين بفضل خاصية التنظيف الذاتي؛ كمشفى مدينة مكسيكو التي تجاوزت فيها نسب الملوِّثات حدودها العظمى وفقًا لتقريرٍ للأمم المتحدة في تلك الفترة، ممَّا شجَّع الشركة الألمانية المُصمِّمة على اعتماد الخرسانة المحفَّزة لصنع واجهة المشفى التي يتجاوز طولها 90 مترًا، ممَّا أعطى المشروع شكلًا مميَّزًا وخصائص مهمَّة كالقدرة على التنظيف الذاتي وخفض نسب الملوِّثات حول المشفى؛ إذ تؤكِّد الشَّركة قدرةَ هذه الواجهة على عكس الأثر التلويثيّ لـ 8750 سيارةً في اليوم (1).
ومن المشاريع الأخرى الجديرة بالذكر والتي استُعمِلت الخرسانة المحفَّزة في تصميمها (Expo milan 2015 italian pavilion) في إيطاليا (2).
ويُعَدُّ تعبيد الطرقات والأرصفة من الاستخدامات الشائعة أيضًا لخلطات ثاني أوكسيد التيتانيوم، ومن أشهر الشوارع التي استُعمِل فيها؛ شارع بورغو بالازو (Borgo Palazzo street) في بيرغامو في إيطاليا، فقد عُبِّد 500 م من الشارع مع رصيفه بالمادَّة المحفَّزة لتُغطِّي هذه المادة 7000 م2، وبعد مراقبة مستويات التلوث ومقارنتها مع الإسفلت العادي في الطريق نفسه أظهرت النتائج أنَّ التلوث انخفض بين 30 و40%، ومع الأخذ بالحسبان عبور 400 سيارة في الشارع كلَّ ساعة؛ قارب انخفاض التلوث في هذا الطريق تحييد الأثر التلويثي لـ 150 سيارة كل ساعة (3).
نلاحظ في الجدول معدَّل تركيز (NOx) المسجَّل خلال خمسة أيام للطريق المحفَّز ومقارنته مع الطريق الإسفلتي (3).
تعاني مدنٌ عديدة من التلوث الناتج عن أدخنة عوادم السيارات والمصانع، ممَّا جعل البحث عن سبلٍ للحفاظ على الأجواء نظيفةً قضيَّةً جوهريَّة، فبات سنُّ الدول للتَّشريعات التي تحدُّ من دخول المواصلات إلى بعض المناطق ذات الكثافة والتلوث الكبيرين أمرًا اعتياديًّا (4)، ممَّا يشير إلى أهمية العمل على تطوير مواد قادرة على خفض التلوث قدر الإمكان، فهل نحتاج في دولنا إلى استخدام الخرسانة المحفَّزة ضوئيًّا؟ شاركونا بآرائكم.
المصادر:
1. Shukla, A., Faraz Waris, R., Arhab, M., Arhab, M. and Sajid Husain, S., 2018. A Review On Pollution Eating And Selfcleaning Properties Of Cementitious Materials. [online] Ijirset.com. Available at: هنا
2. A. Toplicic-Curcic, G., ljubomir Jevtic, D., Grdic, D. and Ristic, N., 2017. Photocatalytic Concrete – Enviroment Friendly Material. [online] ResearchGate. Available at: هنا
3. italcement, i., 2008. The Photocatalytic Active Principle. [online] Fotocatalisis.org. Available at: هنا
4. Atash, F., 2007. The deterioration of urban environments in developing countries: Mitigating the air pollution crisis in Tehran, Iran. Cities, [online] 24(6), pp.399-409. Available at: هنا