التغذية والمناعة؛ الفيتامين D ليس للعظام فقط!

أصبحنا في هذا الوقت بأمسِّ الحاجة إلى دعم مناعتنا بالمغذيات التي تساعدها على مقاومة الأمراض الجديدة المُحطيةِ بنا من كل جانب، وقد لا يكون داء (COVID-19) آخرها!

لكنَّ تقويةَ الجهاز المناعي ليست عملية لحظية تحدث بمجرد تزويد الجسم بكمياتٍ إضافيةٍ من المغذيات؛ بل هي عمليةٌ تراكميةٌ طويلة الأمد، ولا يمكن دعم صحة الجسم ومناعته إلا بالتغذية الصحيحة والمتوازنة. 

ويعد الفيتامين D أكثر الفيتامينات شهرةً فيما يخص صحة العظام؛ فهو يعمل على دعم الهيكل العظمي عن طريق دوره الإيجابي في توازن الكالسيوم وتحسين امتصاصه في الأمعاء الدقيقة، فضلًا عن تحفيز تمايز ناقضات العظم (Osteoclasts) وإعادة امتصاص الكالسيوم من العظام. ومع مرور الوقت؛ تبين أن كثيرًا من النسج تستطيع التعبير عن مستقبلات الفيتامين D إلى جانب العظام والأمعاء، نذكر منها: نقي العظام والدماغ والقولون والخلايا المناعية؛ مما يقترح وجود أدوارٍ أخرى لهذا الفيتامين إضافة إلى عمله في اتزان الكالسيوم والعظام، وبذلك أصبحت تأثيرات عَوَز الفيتامين D في المناعة أكثر وضوحًا من ذي قبل (1).

وقد بينت الدراسات تأثيرَ المستويات المنخفضة من الفيتامين D في زيادة احتمال التعرض للعدوى في المجاري التنفسية العليا مقارنةً بمَن يتمتعون بمستويات كافية (2,3). كذلك بيّن الباحثون أن إعطاء جرعات علاجية من الفيتامين D لأطفال المدارس في فترة الشتاء قد أدى إلى انخفاض معنوي في معدل حالات الإنفلونزا لديهم (4). وتعود التأثيرات الإيجابية للفيتامين D في المناعة إلى تأثيره في تكاثر الخلايا المناعية (البائية والتائية)، مما يخفض السايتوكينات الالتهابية ويزيد إنتاج السايتوكينات المضادة للالتهاب (1,10).

العلاقة بين الفيتامين D وداء (COVID-19):

نذكر أولًا أن الباحثين لم يتوصلوا إلى علاجٍ لداء (COVID-19) بعد؛ لكنّم يدرسون تأثير بعض المواد في تقوية دفاعات الجسم ومساعدته على مقاومة هذا المرض ذاتيًّا، وقد بينت الدراسات السابقة احتمال وجود علاقة بين انخفاض مستويات الشكل الفعال من الفيتامين D إلى حدود منخفضة وبين تزايد حالات الإنفلونزا والزكام في الشتاء الذي يتصف بظروف إضاءة ضعيفة (5-7)، وهو ما يوضح التأثير الواقي للفيتامين D ضد الالتهابات الفيروسية التنفسية؛ وهذا بدوره شجَّع على النظر إلى الفيتامين D بوصفه جزءًا من دفاعات الجسم لمقاومة فيروس (SARS-CoV-2)، خصوصًا وأن شكله الفعال يتوسط مسار رينين-أنجيوتينسين فيخفض التعبير عن الأنزيم المحول للأنجيوتينسين -2 الذي يعمل مُستقبِلًا على الخلية المضيفة ووسيطًا للعدوى بفيروس (SARS-VoC-2) المسبب لداء (COVID-19)، وهذا ما يمكن أن يخفض خطر العدوى (5,8,9).

هل نحتاج إلى مُكمِّلات الفيتامين D؟

وفيما يخص الكميات اللازمة لصحة الجهاز المناعي؛ ما زالت الكميات المَصْلية المثالية من الشكل الفعال من الفيتامين D غير محددةٍ بدقة حتى اليوم، لكن؛ يبدو أن الشخص يحتاجُ إلى تناول 4000-6000 وحدة دولية يوميًّا من الفيتامين D إن كان في منطقة ذات ظروف إضاءة سيئة أو في فترة الشتاء، وذلك كي يحافظ على مستويات مصلية بين 50 و100 نانومول/ ليتر، في حين يمكن أن تكون كميات 1000-4000 وحدة دولية يوميًّا كافيةً لمعظم الأشخاص في الظروف الطبيعية (5,10).

يتشكل الفيتامين D -في الحالة الطبيعية- في الجلد نتيجة التعرض لأشعة الشمس، وتعد الأغذية التي تحتوي عليه قليلةً نسبيًّا، ومنها الأسماك الدهنية والبيض وبعض حبوب الفطور المدعمة، لذا؛ يلجأ عديدٌ من الأشخاص إلى تناول المكملات الغذائية لهذا الفيتامين (11,12).

أخيرًا، نذكِّر بأن الجهاز المناعي -كغيره من أجهزة الجسم- يُعزَّز تدريجيًّا وتراكميًّا عن طريق التغذية السليمة والمتوازنة وممارسة الرياضة المنتظمة، إضافة إلى دور الأمراض التي يصاب بها الجسم في اكتساب مناعة ضدها، والمكملات الغذائية ليست حلًّا سحريًّا، ولا يمكن أن تحلَّ محل النظام الغذائي الصحي بل قد تؤدي إلى تجاوز المدخول اليومي الموصى به من عنصرٍ ما بكل سهولة، وهو أمرٌ قد يعود علينا بالضرر أكثر من النفع!