العمارة والتشييد > العمارة والسينما
فيلم Inception عمارة عالم الأحلام
يُعَدُّ فيلم (Inception) الذي كُتِبَ وأُخرِج من قبل كريستوفر نولان (Christopher Nolan) من أفلام الخيال العلمي والأكشن، من بطولة الممثل ليوناردو دي كابريو (Leonardo DiCaprio) بدور كوب (Cobb) المتخصص بسرقة المعلومات عن طريق الأحلام، وقد عُرِضَ أول مرَّة في العام 2010، واحتفلت شركة (Warner Bros) -إحدى الشركات المنتجة لهذا الفيلم- بمرور عشرة أعوام على عرضه في الواحد والثلاثين من شهر تموز (يوليو) من العام 2020 (1).
يتناول هذا الفيلم موضوع الأحلام الذي جاء من ملاحظة كاتب ومخرج العمل أنَّنا نخلق العالم الذي نستطيع إدراكه في أحلامنا، ونستطيع بناء عالمٍ كاملٍ وتخيُّل الحوارات التي تحدث بين الأشخاص، ولكن ماذا سيحدث لو كان بإمكاننا تشارك الحلم مع أشخاص آخرين ليتحوَّل هذا الحلم إلى واقعٍ بديل بعد أن يصبح وسيلتنا لتتواصل مع الآخرين (2)؟
يعرض الفيلم إمكانية استخراج الأفكار المخزَّنة في عقل الشخص المُستهدف، وزرع أفكار جديدة في عقله الباطن عن طريق الأحلام وهو ما يُدعى (Inception)، ونريد في مقالنا هذا استعراض الفكرة المبتكرة في الفيلم والمتعلقة بمقدرة المهندس المعماري على إنشاء مساحةٍ معماريةٍ في طبقات الأحلام عن طريق عقله فقط، وإنشاء بيئةٍ مبنيةٍ ممَّا يساعد على غرس الفكرة المطلوبة في لاوعي الشخص المستهدف بما يؤثر في عقله وسلوكه في العالم الحقيقي (3).
إذ صرَّح مخرج وكاتب العمل كريستوفر نولان (Christopher Nolan) في مقابلة أجريت معه عن اهتمامه بالهندسة المعمارية وأوجه التشابه بينها وبين صناعة الأفلام من ناحية التجربة ثلاثية الأبعاد التي نختبرها في البيئة المعمارية والتجربة ثلاثية الأبعاد التي يختبرها الجمهور في الأفلام. وهذا الفيلم عن المعماريين والبنَّائين والأشخاص الذين يمتلكون القدرة العقلية على بناء العوالم الكبيرة أو عالم الأحلام وقدرتهم على الإبداع (4)؛ إذ يمكن أن يتضمن عالم الأحلام "أشياء لا يمكن وجودها في العالم الحقيقي" (2)، كالحلقات غير المنتهية من الأدراج (Penrose staircase) درج بينروز (5)، والذي يُعرف أيضًا بالدرج المستحيل (impossible staircase)، ابتُكِر في الخمسينيات من القرن العشرين من قبل ليونيل وروجر بينروز (Lionel and Roger Penrose) ويمثِّل حلقةً غير منتهية ومستحيلة من الهبوط باتجاه عقارب الساعة (6)، وقد ظهر هذا الدرج في عدة مشاهد ضمن الفيلم.
ومن المشاهد الأخرى في الفيلم التي تضمنت عناصر غير واقعية أيضًا؛ مشهد المرآتين المتقابلتين اللتين أنشأتهما المعمارية في الحلم لتعرض سلسلةً متتاليةً وغير منتهية من الانعكاسات للمشهد العمراني التي تشكل بيئةً وعالمًا جديدًا تتمكن المعمارية من دخوله بعد تحطيمها لإحدى المرايا (5).
يعرض الفيلم أيضًا انفصالًا مثيرًا للاهتمام بين البيئة المبنية للحلم والبشر الذين يشغلون هذه البيئة؛ إذ تُصمَّم البيئة المبنية مسبقًا من قبل المهندس المعماري وتُعرَض ضمن أحلام الأشخاص المشتركين في الحلم وفق تقنية الحلم المشترك، أمَّا البشر الموجودون في هذه البيئة فهم من إسقاطات الشخص المستهدف في هذا الحلم (5)، وتُعَدُّ العناصر المعمارية القادرة على توليد الذاكرة مطلوبةً في عملية زرع الفكرة (inception)؛ لأنَّ العناصر المألوفة تؤدي إلى جعل السيناريو والمكان يبدوان مألوفين ممَّا يسهِّل عملية زرع الفكرة في الشخص المستهدف (3). ولتوليد هذه الألفة من المهم جدًّا في الفيلم أن يعكس عالم الأحلام القواعد نفسها التي يتَّبعها العالم الحقيقي وفق رأي كريستوفر نولان، وللتعبير عن هذه القواعد المشتركة بين عالم الأحلام والعالم الحقيقي عُرِضت مدينة مومباسا (Mombasa) في كينيا في إحدى المشاهد لتبدو بطرقها وهيكليتها كالمتاهة (4).
ولضمان نجاح عملية غرس الأفكار في المهمة التي أوكلت إلى كوب وفريقه المتخصص؛ صمَّمت معمارية الفريق البيئة المبنية في طبقات الأحلام المختلفة أو ما يمثِّل أمكنة سير أحداث الحلم وفق قواعد المتاهة لتتيح اختيار المسار الصحيح والقرار الصائب من قبل زوار الحلم، وهذا ما ظهر في البيئة العمرانية والمستودع الذي حدثت فيه عملية الاختطاف في الطبقة الأولى من الحلم، والفندق في الطبقة الثانية من الحلم وحصن الدفاع العسكري في الطبقة الثالثة من الحلم (3).
المهم في هذا الفيلم هو العملية العقلية والإبداع الخالص والنقي؛ على سبيل المثال هناك علاقة بين القصور الرملية التي بناها الطفلان على الشاطئ في المشهد في بداية الفيلم والمشهد الذي يعرض المباني التي تنهار في البحر في أثناء الحلم (4)، فعملية زرع الفكرة تتضمن ترجمة تجارب الشخص المستهدف والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بذكرياته (3).
فإلى أية درجةٍ يمكن أن يعكس عالم الأحلام انطباعاتنا عن المحيط الذي نعيش فيه في عالمنا الواقعي؟ وهل تعتقدون أن الأفكار والتصاميم المعمارية التي استُخدِمت في هذا الفيلم قد ساهمت في إيصال الفكرة المطلوبة منه؟
المصادر:
1.Celebrate 10 Years of Nolan's "Inception" [Internet]. Warnerbros.com. 2020 [cited 23 July 2020]. Available from: هنا
2. Nolan C, Nolan J. Inception: The Shooting Script. San Rafael, California: Insight Editions; 2010.
3. Arie Edytia M, Sahputra Z, Mirza M. Architectural Design Keywords of Inception Space. Malaysian Journal of Sustainable Environment [Internet]. 2019 [cited 23 July 2020];6(2):61-75. Available from: هنا
4. Capps R. Inception's director discusses the film's ending and creation [Internet]. WIRED UK. 2010 [cited 4 December 2020]. Available from: Capps R. Inception's director discusses the film's ending and creation [Internet]. WIRED UK. 2010 [cited 4 December 2020]. Available from:
5. Baum S, Thatcher J. Film review: Inception. Journal of Evolution and Technology [Internet]. 2010 [cited 23 July 2020];21(1):62-66. Available from: هنا
6. Neale T. Staircases, pyramids and poisons: the immunitary paradigm in the works of Noel Pearson and Peter Sutton. Continuum: Journal of Media & Cultural Studies [Internet]. 2013 [cited 23 July 2020];27(2):177-192. Available from: هنا