الغذاء والتغذية > الفوائد الصحية للأغذية
مكملات الكركم؛ فوائدُ حقيقيةٌ أم صيحةٌ مبالغٌ بها؟!
اكتُشِف مركب الكركمين (Curcumin) قبل قرنَيْن من الزمن على يد أحد العلماء في مختبرات هارفارد في ريزومات نبات الكركم (Turmeric)، الذي يُعرف في اللاتينية باسم (Curcuma longa). ويعد الكركمين من المركبات البولي فينولية (Polyphenolic compounds) التي تتمتع عمومًا بخصائصَ مضادة للجراثيم والالتهابات والأكسدة، وتمنع ارتفاع سكر الدم وتعزز شفاء الجروح (1-3). وقد تكون إضافة الكركم كنوعٍ من التوابل أكثر استخداماته شيوعًا، إذ يستخدم وحده أو مع غيره من التوابل في تحضير خلطات مثل الكاري وذلك بسبب نكهته ولونه المميزين، ويدخل أيضًا في الصناعات الغذائية والدوائية والتجميلية، عابرًا البلاد والثقافات بفضل ما يُشاع عنه من فوائد؛ الأمر الذي دفع الناس مؤخرًا إلى التفكير بتعاطي كمياتٍ مركزةٍ منه على شكل مكملات دوائية، علمًا أن إدارة الغذاء والدواء (FDA) منحت مكملات الكركمين تصنيف (GRAS) الذي يعني أنها آمنة عمومًا للاستهلاك البشري.
وقد انتشرت أقاويل كثيرة عن فوائد مكملات الكركم هذه حتى بدأ كثير من الأشخاص بتناولها لتقوية جهاز المناعة -لا سيما في ظل جائحة الكورونا الحالية- أو لأغراض صحية أخرى، فهل يعود تناول مكملات الكركم بمنفعةٍ حقيقية؟ وما الحالات التي تستدعي استخدامها؟
الكركم وجائحة (COVID-19):
ما من أدلةٍ قويةٍ تشير إلى فعالية الكركم في الوقاية من داء (COVID-19) أو علاجه، ثم إن التوصيات باتباع النظام الصحي المتوازن وتطبيق تعليمات الوقاية والنظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي هي الوسيلة الأساسية في الوقاية من المرض (4).
أُجريت أعدادٌ كبيرةٌ من البحوث على مركب الكركمين وما زال بعضها قيد الدراسة حتى الآن، ونستعرض فيما يلي أهم الحالات الصحية التي دُرس تأثيره فيها:
1- السرطانات: يُعالج السرطان عادةً إما بالجمع بين عدة أدويةٍ أحادية الهدف (Monotargeted therapies)، أو باستخدام أدوية متعددة الأهداف (Multiple targets). ويعود أول عمل استهدف تحري فعالية الكركمين ضد السرطان إلى العام 1987 م، وقد تبين أنه يمتلك فعاليةً شبيهةً بالأدوية المتعددة الأهداف، مما أظهر فوائد كبيرة حين تطبيقه على عدة أنواع من أمراض السرطان في الأبحاث السريرية المُجراة على البشر.
وقد تراوحت الجرعات المدروسة بين 440-2200 ملغ يوميًّا لسرطان القولون والمستقيم دون ظهور آثار جانبية أو أعراض سمية (5). وتراوحت بين 0.45-3.6 غ يوميًّا في دراسة أخرى، وعمومًا؛ أشارت تلك التجارب إضافةً إلى عدة دراساتٍ أخرى إلى فعالية الكركمين وكونه آمنًا على مرضى سرطان القولون والمستقيم، مع الحاجة إلى إجراء مزيد من للأبحاث الأوسع للجزم بالنتائج (1).
كذلك تبين في دراسة مجراة في الهند أن الجمع بين الكركمين والبيبيرين (Piperine)؛ وهو من المواد الفعالة الموجودة في الفلفل، يساعد على خفض الألم والمؤشرات المرتبطة بالتهاب الكبد الإستوائي الذي يعد من أكثر الأمراض التي تؤهب إلى تطور سرطان البنكرياس، وكانت الجرعة 500 ملغ من الكركمين و5 ملغ من البيبيرين، ويُعزى ذلك إلى ارتباط هذا المرض بالجهد التأكسدي والفعالية العالية المضادة للأكسدة التي يتمتع بها الكركمين (6).
كذلك دُرس تأثيره على سرطان البروستات ومستويات المستضد النوعي PSA، وسرطان الثدي وخطر تطور سرطان الرئة لدى المدخنين، وقد بينت النتائج إشاراتٍ واعدةً في مجال تطبيق الكركمين لعلاج مرضى السرطانات (1).
2- متلازمة القولون العصبي (IBS): على الرغم من أن آلية المرض غير معروفة بعد؛ لكن يبدو أنها ترتبط بالسيتوكينات الالتهابية، ويعاني مرضى القولون العصبي ارتفاعَ احتمال الإصابة بسرطان القولون مقارنةً بغيرهم (1). وقد بينت التجارب أن تناول الكركمين يساعد على خفض الألم والأعراض، إلا أن أعداد المشاركين في الدراسات كان قليلًا نسبيًّا، لهذا ما زال الأمر بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الأبحاث (7)، وتشير الدراسات إلى نتائج واعدة في طريق البحث عن حل لتلك المتلازمة الشائعة (1).
3- القرحات الهضمية: يساعد تناول مكملات الكركم الفموية على تحسين القرحات المعدية والمعوية، وتبين أنها كانت أكثر فعاليةً في تقليل التقرحات متفوقةً في ذلك على الأدوية المضادة للحموضة، وساهمت في تخفيف الآلام والأعراض المصاحبة للقرحة (8,9).
4- تصلب الشرايين: يعد من الأمراض المزمنة التي تبقى فترةً طويلةً دون ظهور أعراض واضحة تشير إليها، ويقترح بعض الباحثين وجود أثر إيجابي للكركمين بمثابة عامل وقاية كيميائي ضد مرض تصلُّب الشرايين، وذلك من خلال خفض الكولسترول الكلي وبيروكسيدات الدهون، فضلًا عن زيادة الكولسترول الجيد في الدم، وتقليل الشحوم الثلاثية (1,4,10).
5- حالات صحية أخرى: دُرس تأثير مكملات الكركم أيضًا في خفض أعراض التهاب المفاصل وتحسين حركة المرضى، إضافةً إلى التهاب الأنف التحسسي وآلزهايمر وعديد من الاضطرابات الهضمية مثل داء كرون وعسر الهضم وبعض الأمراض الكبدية والاكتئاب وغيرها (1,4,11)، علمًا أن معظم تلك التجارب ما زال في مراحله المخبرية الأولى ولم تنتقل الدراسات إلى المرحلة السريرية المجراة على البشر بعد، لذا فإنها وعلى الرغم من نتائجها الواعدة ما زالت قيد الدراسة وبانتظار النتائج الدقيقة.
تبدو مُستحضَرات الكركم منتجاتٍ متوفرة وفعالة؛ فهل يمكننا اقتناؤها دومًا للعلاج أو الوقاية؟!
قد لا يكون الأمر بتلك البساطة بعد؛ فقد أظهرت دراسةٌ على مجموعة من المتطوعين الأصحاء الذين تناولوا جرعات متصاعدة تدريجيًّا تراوحت بين 500 و12000 ملغ على مدى 72 ساعة (3 أيام) أن عددًا منهم قد طور أعراض تسممٍ طفيفة بعد مضي تلك المدة، وكانت نسبة المشاركين الذين ظهرت لديهم تلك الأعراض أقل من الثُلث؛ لكنّ أعراضَ السمية لم تكن مرتبطةً بالجرعة، وشملت الإسهال والصداع والطفح الجلدي واصفرار البراز. وفي دراسة أخرى، تسبَّب تناول 0,45-3,6 غ يوميًّا مدةً تتراوح بين شهرٍ و4 أشهر شعورًا بالغثيان والإسهال وارتفاعًا في أنزيم الفوسفاتاز القلوي وأنزيم نازع هيدروجين اللاكتات في مصل الدم، وعمومًا يمكن القول إن تناول جرعات تبلغ 8 غ يوميًّا مدة شهرين، أو 3 غ يوميًّا مدة 3 أشهر تبدو آمنة ولا تشكل أية مخاطر صحية، وأن الجرعات العالية هي التي ترتبط عادةً بالأعراض الجانبية السابقة الذكر، لذا؛ يُنصح دائمًا باستشارة الطبيب قبل البدء بتناول أية مكملات من الصيدليات، خاصةً أن الكركم قد يتعارض مع بعض الأدوية والعلاجات أيضًا (1,4).
التداخلات والمحاذير (4,11):
يجب أن تكون بعض الحالات الصحية أو الفئات الخاصة أكثرَ حذرًا فيما يخص استهلاك مكملات الكركم، ونذكر منها:
1- الحمل والإرضاع؛ يمكن تناوله ضمن الأطعمة المعتادة، لكن تناول المكملات الدوائية (الكبسولات) يحفز حدوث تقلصات الرحم مما يهدد استمرار الحمل، ولا توجد دراساتٌ كافيةٌ عن تأثيره في فترة الإرضاع أو في صحة الأطفال الرضع.
2- النزف؛ قد يبطئ الكركم تخثر الدم؛ مما يزيد فرصة التعرُّض للنزوف والكدمات لدى الأشخاص المصابين باضطرابات نزفية أو الخاضعين لعمل جراحي، لذا يُنصَح باستبعاد مكملات الكركم قبل موعد الجراحة المقررة بأسبوعين على الأقل، وعدم جمعها مع مميعات الدم مثل الأسبرين والإيبوبروفين.
3- السكري؛ قد تخفض مادة الكركمين الموجودة في الكركم سكر الدم أكثر من اللازم لدى مرضى السكري، لذا يجب الحذر عند تناولها.
4- الارتجاع المعدي المريئي (GERD)؛ تسبب مكملات الكركم ألمًا معديًّا لبعض الأشخاص، وخصوصًا مرضى (GERD)، لذا لا بد من مراقبة الأعراض المرافقة لاستخدامها وتحديد استجابة الجسم لها.
5- بعض الاضطرابات الحساسة للهرمونات؛ قد يؤدي الكركمين دور مشابه لهرمون الإستروجين مما قد يزيد الأثر السلبي في بعض الحالات الحساسة للهرمونات؛ مثل: سرطانات الثدي والرحم والمبيض وغيرها.
6- العقم؛ قد تقلل مكملات الكركم مستوى هرمون التستوستيرون ويُضعِف حركة النطاف؛ مما يمكن أن يؤثر في الخصوبة عند الذكور.
8- فقر الدم؛ قد يعيق تناول الكميات الكبيرة من مكملات الكركم امتصاصَ الحديد.
9- القرحة؛ قد تحرض الكميات المُبالَغ بها من مكملات الكركم الإصابة بالقرحات؛ على عكس الكميات المعتدلة.
10- الأمراض الكلوية والمناعية؛ على مرضى الكلى والمناعة استشارةَ الطبيب قبل تناول مكملات الكركم.
11- تداخلات دوائية؛ من الضروري أخذ موافقة الطبيب المُعالِج في حال تناول أدوية دائمة قبل مزجها مع أي نوع من المكملات سواء أكانت مكملات الكركم أم غيره؛ إذ يمكن للأخيرة أن تتداخل مع بعض أدوية الضغط والسكري ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية وخافضات الكولسترول، فضلًا عن المكملات المضادة لتخثر الدم مثل الجينكو والجينسينغ والثوم.
وإن كنت تتساءل بعد قراءتك لهذا المقال عن إمكانية الاستفادة من مكملات الكركم، فما عليك إلا استشارة طبيبك أولًا لأخذ حالتك الصحية بالحسبان قبل البدء بتناولها، ولا بأس بالاستمتاع بنكهة الكركم اللذيذة من وقتٍ لآخر وفق الكميات المعتدلة في الطهي في حال كانت تعليمات الطبيب تشير إلى وجوب الامتناع عن تناول مكملات الكركم!
المصادر:
2. Vogel A, Pelletier J. Examen chimique de la racine de Curcuma. J Pharm. 1815;1:289-300.
3. Aggarwal B, Sung B. Pharmacological basis for the role of curcumin in chronic diseases: an age-old spice with modern targets. Trends in Pharmacological Sciences [Internet]. 2009 [cited 9 September 2020];30(2):85-94. Available from: هنا
4. Turmeric: Uses, Side Effects, Interactions, Dosage, And Warning. [online] Webmd.com. Available at: هنا [Accessed 9 April 2020].
5. Sharma R, McLelland H, Hill K, Ireson C, Euden S, Manson M. et al. Pharmacodynamic and pharmacokinetic study of oral Curcuma extract in patients with colorectal cancer. Clinical Cancer Research [Internet]. 2020 [cited 9 September 2020];7(7):1894-900. Available from: هنا
6. Durgaprasad S, Pai CG, Vasanthkumar, Alvres JF, Namitha S. A pilot study of the antioxidant effect of curcumin in tropical pancreatitis. Indian J Med Res. [Internet]. 2005 [cited 9 September 2020];122(4):315–318. Available from: هنا
7. Bundy R, Walker AF, Middleton RW, Booth J. Turmeric extract may improve irritable bowel syndrome symptomology in otherwise healthy adults: a pilot study. J Altern Complement Med.[Internet]. 2004 [cited 9 September 2020];10(6):1015–1018. Available from: هنا
8. Kositchaiwat C, Kositchaiwat S, Havanondha J. Curcuma longa Linn. in the treatment of gastric ulcer comparison to liquid antacid: a controlled clinical trial. J Med Assoc Thail. [Internet] 1993 [cited 9 September 2020];76(11):601–605. Available from: هنا
9. Prucksunand C, Indrasukhsri B, Leethochawalit M, Hungspreugs K. Phase II clinical trial on effect of the long turmeric (Curcuma longa Linn) on healing of peptic ulcer. Southeast Asian J Trop Med Public Health. [Internet] 2001 [cited 9 September 2020];32(1):208–215. Available from: هنا
10. Soni KB, Kuttan R. Effect of oral curcumin administration on serum peroxides and cholesterol levels in human volunteers. Indian J Physiol Pharmacol. [Internet] 1992 [cited 9 September 2020];36(4):273–275. Available from: هنا
11. Turmeric And Curcumin. [online] WebMD. Available at: هنا [Accessed 9 April 2020].