العمارة والتشييد > عمارة سورية المعاصرة
متحف دمشق الوطني رحلة في التاريخ السوري
بعد أن كانت الآثار المكتشفة في سورية في العهد العثماني تجد طريقها إلى خارج البلاد؛ إمَّا عن طريق نقلها إلى متاحف إسطنبول أو وقوعها في أيدي التجَّار الأجانب -إذ لم يكن في سورية أي متحف حتى نهاية الحرب العالمية الأولى- استُحدِث المتحف الوطني في دمشق عام 1919م بعد خروج العثمانيين (1, 2).
وكان مقرُّ المتحف مع المجمع العلمي العربي في بناء يعود إلى الفترة الأيوبية وهو المدرسة العادلية التي تقع في في باب البريد (1)، أخذ المتحف ينمو رويدًا رويدًا حتى ضاق به البناء القديم وشعر الجميع بضرورة إنشاء بناءٍ جديدٍ للمتحف، فتنازلت مديرية أوقاف دمشق عن أرضٍ في المرج الأخضر قرب التكية السليمانية، ليُبنى عليها مبنى المتحف الجديد الذي افتُتح القسم الأول منه عام 1936م (1, 2, 3).
المدرسة العادلية؛ المقر القديم للمتحف الوطني
كانت دراسة وتنفيذ مبنى المتحف الجديد من مسؤولية المهندس المعماري الفرنسي ميشيل إيكوشار (Michael Ecochard) بالتعاون مع هنري بيرسون (Henry Pearson (2, 3. وقد تميَّز المتحف بجرأة التصميم دون نوافذ واعتماد نظام توزيع الضوء على نحوٍ غير مباشر (3)، وبقابليته للتوسع؛ إذ اقتصر المتحف في البداية على بهو ورواقين وأربع قاعات وجناح للمكاتب وطابق علوي يضم ثلاث قاعات أخرى (1, 2)، وكان المتحف مخصَّصًا للآثار الكلاسيكية مع تخصيص قاعتين فقط لآثار الفن الإسلامي (1)، وبرز بتصميمه وامتداده الأفقي بتناقض واضح وصارخ مع الامتداد الشاقولي للتكية السليمانية بالقرب منه. وقد اعتمدت الفكرة التصميمية الأساسية لإيكوشار على إعادة تجميع قبر يرحاي من تدمر وكنيس دورا أوروبوس كما كانا في الأصل (3).
واجهة توضح الامتداد الأفقي للمتحف مقارنةً مع التكية السليمانية
الامتداد الأفقي للمتحف مقارنةً مع التكية السليمانية
صورة عامة
وبدأت أعمال البناء لدمج واجهة قصر الحير الغربي في تصميم المتحف منذ عام 1939م ولكن لم تنتهِ حتى العام 1950م (1, 3). إذ التُقطت في أثناء عمليات التنقيب عنه أكثر من 50 ألف قطعة من الجص المحفور، وأجزاء عديدة من صور جدارية تمثِّل مشاهد حية تُعَدُّ من أهم الوثائق المكتشفة للتعريف بفن التصوير في القرن الثامن الميلادي، إضافةً إلى بعض الكتابات الكوفية المنقوشة على ألواح حجرية.
ودفعت هذه الاكتشافات مديرية الآثار إلى التفكير بإنشاء جناح خاص في متحف دمشق لعرض هذه المكتشفات، وبسبب عدم كفاية المتحف لعرض هذه المعروضات وخصوصًا الواجهة الشهيرة للقصر والتي تحتاج تكلفة مرتفعة لإنشاء قاعة كبيرة مخصصة لها؛ قرَّر إيكوشار بناء جزءٍ جديدٍ للمتحف لتوسيعه وتثبيت واجهة القصر وعرضها في الخارج (4)، وأعيد تشييد القسم الشرقي الأوسط من واجهة القصر (1).
تفصيلة إنشاء واجهة قصر الحير الغربي في المتحف الوطني
تفاصيل من الواجهة
وفي العام 1953م أنشئ في الجهة الغربية من القصر جناح جديد مؤلف من 3 طوابق وقبو، وبين عامي 1956-1961م وُضِع حجر الأساس لتوسيع الجناح الغربي وأضيف إليه رواق وثلاث قاعات مزدوجة وقاعة محاضرات ومكتبة واسعة (1).
المسقط الأرضي للمتحف
يُقسَم المتحف الوطني في دمشق اليوم إلى خمسة أقسام أُسِّست على مراحل وهي:
- قسم آثار عصور ما قبل التاريخ: أضيف القسم الأول عام 1974م إلى آثار العصر الحجري القديم وفي عام 2004م أُضيف قسم آثار العصر الحجري الحديث (2, 5).
- قسم الآثار السورية القديمة: أُسِّس في العام 1952م ويتضمَّن الآثار التي تعود إلى فجر التاريخ من الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الرابع قبل الميلاد، ويتضمن قاعات رأس شمرا (أوغاريت) وقاعة حضارة سورية الداخلية وقاعة حضارة سورية الساحلية وقاعة ماري (تل الحريري).
- قسم الآثار السورية من العهود الكلاسيكية (اليوناني والروماني والبيزنطي): أُسِّس في العام 1936م، ومن قاعاته جناح آثار حوران وجبل العرب وجناح آثار تدمر ودورا أوروبوس ومدفن يرحاي التدمري وكنيس دورا أوروبوس وقاعة الفن البيزنطي.
- قسم الآثار العربية والإسلامية: أُسِّس في العام 1950م ومن قاعاته قصر الحير الغربي وقاعة الرقة وقاعات الفخار والخزف والحجر والمعدن والزجاج والقاعة الشامية وقاعة حماة.
- قسم الفن الحديث: أُسِّس في العام 1956م (1, 2).
كنيس دورا أوروبوس: يتألَّف البناء من ثلاثة أقسام؛ باحة تحيط بها ثلاثة أروقة وقسم لرجال الدين وقاعة العبادة التي تضمُّ بابين أحدهما رئيسي للمصلين الرجال وآخر ثانوي للنساء، وقد فُتِحت نوافذ علوية في الجدارين الشرقي والغربي، وزُيِّنت السطوح الداخلية للجدران برسوم جدارية تمثِّل مشاهد مقتبسة من العهد القديم (1).
قاعة كنيس دورا أوروبوس
مدفن يرحاي: نُقل من وادي القبور في تدمر وأعيد بناء معظمه في المتحف الوطني عام 1935م، ويتألَّف بابه الحجري من درفتين نُحِتَ سطحهما الخارجي وفق طراز الأبواب الخشبية، وعند نزول الدرجات توجد واجهةٌ مؤلفةٌ من محرابين يعلو كلًّا منهما شكلٌ صدفي، وتتوضَّع تحتها لوحتان تمثِّلان مائدة موتى بين أفراد عائلتهم، وفي الجدارين الجانبيين فتحات جنائزية مغطاة بلوحات عليها صور نافرة للموتى (1).
مسقط ومقطع في المدفن
مدفن يرحاي
القاعة الشامية: تعود إلى عام 1150هـ - 1737م، وأهديت لمديرية الآثار عام 1958م فارتأت المديرية إدخال أجزائها الزخرفية في بناء قاعة المحاضرات لتجميلها وتخليد الفن الشامي على مر العصور، وتمثِّل الاتجاهات الفنية في القرن الثامن عشر الميلادي (1). وانتهى العمل لإعادة بناء القاعة في عام 1962م (4).
القاعة الشامية
ولم يكن من الممكن إعادة إنشاء القاعة كما هي لأنَّ مخططها الأصلي يختلف كليًّا عن مخطَّط قاعة المحاضرات، فهو مؤلَّفٌ من أربعة أقسام تتضمَّن العتبة والطزرَين الجانبيين والقاعة الداخلية في صدر العتبة. وبسبب عدم كفاية العناصر الزخرفية إلا لقسمٍ بسيط من القاعة، أُكمِل تزيين القاعة بعناصر جديدة مماثلة للقديمة أو معاصرة لها (1)، وسنسلِّط الضوء على نحوٍ أوسع على هذه القاعة في مقال قادم.
جمع هذا المتحف حضارات عديدة وشهدت محتوياته الكثير من الأحداث، وساعدت تقسيماته الفرعية في تحويل جولة الزوار في المتحف إلى رحلةٍ حقيقيةٍ لاستكشاف التاريخ السوري.
فهل زرته من قبل؟ وما رأيك في تاريخ هذا البناء ووظيفته؟
المصادر:
1. ابو فرج العش م، الجندي ع، زهدي ب. متحف دمشق الوطني- دليل مختصر. دمشق. المديرية العامة للآثار والمتاحف. 1969.
2. المتحف الوطني بدمشق [Internet]. Dgam.gov.sy. 2012 [cited 24 August 2020]. Available from: هنا
3. Mathaf al-Watani (Damascus) | Qasr al-Hayr al-Gharbi reconstitution. Plan, axonometric perspective/glass neg | Archnet [Internet]. Archnet.org. [cited 24 August 2020]. Available from: هنا