العمارة والتشييد > التصميم المعماري
الأوتاد؛ تجاوز حدود التربة
تتنوَّع اختصاصات المهندسين القائمين على تنفيذ أيِّ مشروعٍ إنشائي، ويقع على عاتق المهندس المدني اختيار النِّظام الإنشائي. والنِّظام الإنشائي هو طريقة تجميع العناصر الإنشائية (أعمدة – بلاطات - جسور…) لتنقل الحمولات إلى التربة، وتختلف العناصر الإنشائية شكلًا وحجمًا، ولكنَّها تشترك بمهمَّة نقل الحمولات وإيصالها إلى التربة بما لا يتجاوز قدرة تحمُّل هذه التربة؛ فلكلِّ تربةٍ قدرة تحمُّلٍ تنهار بعدها، وعادةً ما تكون الأساسات آخر عنصرٍ في النِّظام، ولذلك عند البناء على تربةٍ ضعيفةٍ لا بُدَّ من استخدام أساساتٍ مناسبةٍ لضمان توزيع الحمولة مهما عظُمت على أكبر مجالٍ ممكنٍ من التربة لتجنُّب انهيارها، وتُعَدُّ الأوتاد من أشهر أساسات التُّرب الضعيفة (1).
تُغرس العناصر الوتدية التي تُصنع من الخشب أو الفولاذ أو الخرسانة في التربة لتدعيم المنشآت وخاصَّةً في التُّرب غير المستقرَّة حيث لا يُستغنى عن الأوتاد بسبب ضعف قدرة تحمُّل التربة، ويلجأ المهندسون إلى استخدامها في التُّرب المستقرَّة عند وجود أحمالٍ تصميميةٍ كبيرة (2).
ومن أشهر الحالات التي تتطلَّب استخدام الأساسات الوتدية:
- عندما تكون التربة السطحية قابلةً للانضغاط وضعيفةً جدًّا؛ إذ تعمل الأوتاد على نقل الحمولات إلى طبقةٍ صخريةٍ أو طبقة تربةٍ أقوى (الشكل a)، فإذا كان عمق الطبقة الصخرية كبيرًا تعمل الأوتاد على نقل الحمولات إلى التربة المجاورة بالاحتكاك (الشكل b).
- في المنشآت التي تتعرَّض لحمولاتٍ أفقيةٍ كالرياح والزلازل؛ إذ تقاوم الأوتاد هذه الحمولات الأفقية بقوى الانعطاف مع استمرارها بوظيفتها في نقل الحمولات الشاقولية (الشكل c).
- عندما تكون تربة الموقع قابلةً للانتفاخ والانكماش -الذي يحدث عند تغير نسبة الرطوبة في بعض أنواع التُّرب كالغضار- إذ تُستخدم الأوتاد لتحييد هذا الأثر الضار على المنشأة وتخفيض أضراره قدر الإمكان (الشكل d).
- لمقاومة قوى الرَّفع التي تتعرَّض لها بعض المنشآت كأبراج شبكات نقل التيار الكهربائي والمنصَّات البحرية والأساسات الحصيرية في التُّرب المغمورة (الشكل e).
- في الحالات التي تكون التربة السطحية عرضةً لعوامل التعرية؛ مثل التُّربة تحت ركائز الجسور (الشكل f) (3).
وتُقسم الأوتاد بحسب مادَّة صنعها إلى خشبيةٍ وخرسانيةٍ وفولاذية.
الأوتاد الخشبية:
تُصنع الأوتاد الخشبية من جذوع الأشجار المستقيمة السليمة بعد إزالة الأغصان واللحاء، بطولٍ لا يتجاوز 10-20 مترًا، وبقطرٍ لا يقلُّ عن 15 سم، ويُستَعان عادةً بقاعدةٍ وغطاءٍ معدنيَّين لحماية الوتد في أثناء عملية التركيب؛ إذ تُركَّب الأوتاد الخشبية بالطرق بواسطة آليَّاتٍ خاصَّة.
وتتميَّز الأوتاد الخشبية عن غيرها بمرونتها ومقاومتها للصَّدمات، وتتَّصف بالديمومة أيضًا بشرط بقاء شروط الوسط حولها ثابتةً من ناحية الرُّطوبة أو الجفاف والاختيار المناسب لنوع الخشب المستخدم والمعالجة لضمان عدم تعرُّضه لأيِّ نوعٍ من الفطريات أو الحشرات أو غيرها (4,3).
الأوتاد البيتونية:
تُصنَّف الأوتاد البيتونية شأنها شأن العناصر الخطية البيتونية الأخرى إلى مسبقة صنعٍ ومصبوبةٍ في المكان، وتُقسم الأوتاد مسبقة الصُّنع إلى عاديَّةٍ ومسبقة الإجهاد:
1.الأوتاد مسبقة الصُّنع العادية:
تُحضَّر باستخدام تسليحٍ عاديٍّ وبمقطعٍ عرضيٍّ مربَّعٍ أو مثمَّن، ويساعد التسليح الوتد على مقاومة القوى الشاقولية وقوى الانعطاف التي قد تنتج عن الحمولات الأفقية، إذ تُصَبُّ الأوتاد إلى الطول المطلوب وتُعالَج قبل نقلها إلى موقع العمل، وتتراوح أطوال هذا النوع غالبًا بين 10-15 مترًا، والحمولات التي يتحمَّلها 30-300 طنًّا، وتمتاز بمقاومتها للتآكل، وسهولة وصلها بباقي عناصر المنشأة البيتونية، ولكن يصعب نقلها وتحقيق مقطعٍ مناسب.
2.الأوتاد مسبقة الصُّنع مسبقة الإجهاد:
تتلخَّص عملية الإجهاد بوضع الكابلات في القالب المُستخدم لصبِّ الوتد وشده بآليَّاتٍ خاصة، ثمَّ صبِّ البيتون، لتُحرَّر الكابلات بعد تصلُّبه ضاغطةً المقطع الخرساني، ممَّا يرفع خواصه الميكانيكية، وقد يصل طول الوتد المسبق الصُّنع الواحد إلى 60 مترًا لكنَّه لا يتجاوز 10-45 مترًا غالبًا بحمولةٍ تبلغ 750-850 طن، ويماثل الأوتاد مسبقة الصُّنع العاديَّة بالمميزات والمساوئ.
3.الأوتاد المصبوبة في الموقع:
تُنفَّذ بحفر حفرةٍ في الأرض وتعبئتها بالبيتون، وتُقسم وفق طريقة تنفيذها إلى نوعين؛ الأول دون قالب وتُصبُّ الخرسانة فيه مباشرةً في الحفرة المجهَّزة، أمَّا الثاني فيعتمد على قالبٍ فولاذي خاص يُغرَس بالأرض بواسطة آليَّاتٍ خاصَّةٍ، لتُصبَّ بعدها الخرسانة فيه.
يبلغ أقصى طولٍ لهذا النوع من الأوتاد 30-40 مترًا، ويتراوح طوله عادةً بين 5-15 مترًا، وحمولاته 20-50 طنًّا، ولا تتجاوز 80 طنًّا تقريبًا.
وعلى الرُّغم من الانخفاض النِّسبي في قدرة تحمُّل هذا النوع، لكنَّه يتميَّز بكلفته المنخفضة نسبيًّا، أمَّا أبرز مساوئه -إلى جانب قدرة تحمُّله المنخفضة- صعوبة ربطه بباقي عناصر المنشأة، إضافةً إلى إمكانية تضرُّر القالب في أثناء عملية الغرس (3).
الأوتاد المعدنية:
تشابه الأوتادُ المعدنية الأوتادَ الخشبية من ناحية تركيبها بالطرق، وتتميز عنها بتنوُّع المقاطع العرضية التي يمكن أن يتَّخذها الوتد، ومن أشهرها وأكثرها استخدامًا المقطع ذو الشكل (H)، إضافةً إلى الأوتاد الصندوقية والأنبوبية التي يمكن تركيبها مفتوحةً أو مغلقةً من نهايتها، وتُصَبُّ الخرسانة فيها عادةً بعد التَّركيب.
تُستَعمل الأوتاد الفولاذية غالبًا في الأعمال المؤقَّتة والجدران الاستنادية والمنشآت البحرية، مع الانتباه إلى ضرورة حماية الفولاذ من أيِّ تآكلٍ مستقبلًا عن طريق طلي الفولاذ بطبقة حمايةٍ مناسبة والانتباه إلى عدم خسارة هذه الطبقة في أثناء التركيب، أمَّا الأطوال المعتادة للأوتاد الفولاذية فتتراوح بين 15-60 مترًا بحمولة 30-120 طنًّا، وتتميَّز عن غيرها من الأوتاد بقدرتها على اختراق طبقات التربة الصلبة وبقدرة تحملها العالية مقارنةً مع غيرها، لكنَّ هذا ينعكس على كلفتها العالية نسبيًّا (4,3).
ما تزال آلية عمل الأوتاد غير مفهومةٍ حتَّى اليوم على نحوٍ كامل وقد لا تُفهم أبدًا نتيجة عدم اليقين المرتبط بظروف التربة الجوفية، وهذا ما يجعل دراسة وتصميم الأوتاد فنًّا يعتمد على الخبرة وحسن التقدير (3).
المصادر:
2.The Editors of Encyclopaedia Britannica and Tikkanen, A., 1998. Pile | Construction. [online] Encyclopedia Britannica. Available at: هنا
3.M. DAS B. Principles of Foundation Engineering, SI. 7th ed. Australia • Brazil • Japan • Korea • Mexico • Singapore • Spain • United Kingdom • United States: Christopher M. Shortt; 2011
هنا Pages (535-545)
4.Curtin W, Shaw G, arkinson G, Golding J, Seward N. structural foundation designer manual. 2nd ed. UK, USA, Australia,: Blackwell Publishing; 2006 هنا Page (156)