الطب > سؤال طبي
هل يؤدّي التّوتّر إلى الإصابة بالأمراض المناعيّة الذاتيّة؟
يُعرَّف التّوتّر على أنّه حدثٌ يفوق قدرة الفرد على التأقلم مع واقِعِه (3)، ويظهر على هيئة ردّ فعلٍ ما، سواءٌ كان عاطفياً، أم جسدياً، أم نفسياً، ويُمكن القول: إنّ جميع الأشخاص قد تعرّضوا للتّوتّر في حياتهم، سواءٌ لسببٍ ماليٍّ، أم عائليٍّ، أم غير ذلك (1).
ومن أحد الآثار السّلبيّة للإجهاد النّفسيّ والجسديّ على الصحّة، تورّطه في تطوّر أمراض المناعة الذاتيّة؛ إذ أظهرت الدراسات أنّ نسبة 80% من المرضى أشاروا إلى تعرّضهم إلى توتّرٍ غير مسبوق قبل ظهور المرض لديهم. وفضلاً عن ذلك لا يتسبّب الإجهاد بالمرض فحسب؛ وإنّما قد تقود الإصابة بالمرض المناعيّ الذّاتيّ أيضاً إلى التّوتّر لدى عددٍ من المرضى؛ ممّا يُدخلهم في حلقةٍ مفرغةٍ (2).
ويُفترض أنّ الهرمونات العصبيّة الصّمّاويّة المُسبِّبة للتّوتّر تؤدّي إلى خللٍ في المناعة، ممّا يؤدّي في النهاية إلى الأمراض المناعيّة الذّاتيّة. ويُمكن القول إنّ مسبِّبات هذه الأمراض متعدّدة، وتتضمّن: (الأسباب الوراثيّة، والبيئيّة، والهرمونيّة)، وما يُقارب 50% من الأمراض المناعيّة الذّاتيّة مجهولة السّبب (2).
ويُعدُّ كلٌّ من الجهاز العصبيّ الذاتيّ (autonomic nervous system ANS) والمحور الوطائيّ النّخاميّ الكظريّ (hypothalamic-pituitary-adrenal (HPA) axis) المسارَين الرّئيسيّين لإطلاق إشارات التّوتّر. فعند مواجهة موقفٍ عصيبٍ، يتفعّل كلّ من محورَي الـ (HPA)، والمحور النّخاعيّ الكظريّ-الودي (sympathetic-adrenal medullary (SAM) axis)، وهذا ما يحفّز إطلاق عدّة هرموناتٍ محفّزةٍ للتّوتّر، ومُعدّلةٍ للوظيفة المناعيّة، ومنها الكورتيزول والأدرينالين والنورأدرينالين وغيرها..
وتُشكّل الخلايا اللّمفاويّة الحجر الأساس في الخلايا المناعيّة، بما فيها اللّمفاويات التّائيّة والبائيّة، وهي النّوع الأساسيّ من خلايا جهاز المناعة؛ إذ تُنظِّم الخلايا التّائيّة الاستجابة المناعيّة عن طريق إنتاج السيتوكينات (وهي بروتيناتٌ صغيرةٌ مسؤولةٌ عن التّحكّم في نموّ ونشاط خلايا الجهاز المناعيّ وخلايا الدم)، وبدورها تُنتِج الخلايا البائيّة الأضداد التي تهاجم المستضدات وتدمّرُها.
ويؤدّي الإجهاد المزمن إلى خللٍ أو إعاقةٍ في الاستجابة المناعيّة الفطريّة والتكيفيّة عن طريق تغيير التّوازن بين أنواع السيتوكينات (type 1/type 2 cytokine balance)؛ إذ تختلف مهمّة كلّ نوعٍ من النّاحية المناعيّة، وهذا بدوره يؤدّي إلى ارتفاع خطورة الإصابة بالعديد من الأمراض، ومنها الأمراض المناعيّة الذّاتيّة، وأمراض القلب والأوعية، وبعض أنواع السّرطانات. ومن أحد الأسباب المطروحة والمفسِّرة لتلك الآليّة أنه: نتيجة الضغوطات لفتراتٍ طويلةٍ تحدث مقاومةٌ بالمستقبلات القشرانية السّكريّة، وتضعِف استجابتها للمحفّزات، ممّا يُسبِّب خللاً في أداء وتنظيم محور (HPA)، ويُلحق الضّرر في الاستجابة الالتهابيّة، ويفتح المجال لعدّة أمراضٍ بالظهور (3,4).
وقد أظهرت النّتائج الحديثة للدراسات أنّ الأشخاص الذين تعرّضوا لاِضطراب الشّدّة ما بعد الرّضح ((posttraumatic stress disorder (PTSD) كانت لديهم أعداد الخلايا التّائيّة مرتفعة، ومستويات الكورتيزول منخفضة؛ ممّا يُشير إلى أنّهم أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض المناعيّة الذّاتيّة. وعلاوةً على ذلك يُعرف الإجهاد الآن كعامل خطرٍ مهمٍّ للإصابة بالداء الروماتوئيدي (rheumatic diseases)، والتهاب المفاصل الروماتوئيدي (2).
وفي الختام، نُذكّر بأنّنا جميعاً قد نعاني الإجهاد والتّوتّر؛ ولكن الاختلاف يكمُن في طريقة التّعامل مع هذه المشاعر للحفاظ على صحّةٍ جيّدةٍ، ومناعةٍ عاليةٍ.
المصادر: