الفيزياء والفلك > علم الفلك
أقمار ستارلينك؛ نجاحٌ تكنولوجي ومشكلاتٌ للفلكيين
يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:
يعد التلوث الضوئي أحد أبرز عوائق عملية الرصد الفلكي في عصرنا؛ إذ يشوش الضوء المنبعث من المدن على أدوات الرصد؛ ولهذا السبب بُنيت المراصد الفلكية العملاقة في مناطق نائية، حيث السماء مظلمة قدر الإمكان، ولكن مع وجود كوكبةٍ من الأقمار الصناعية ومنها أقمار ستارلنك التابعة لشركة سبيس إكس "Space X" لم يعد الابتعاد مجديًا وحلًا لهذه المشكلة (1).
أقمار ستارلنك؛ قصة النجاح الكبير
عام 2015 أعلن الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس( إيلون ماسك "Elon Musk") عن اقتراحٍ لإنشاء شبكة من الأقمار الصناعية لتوفير خدمة الإنترنت بكلفة منخفضة للمناطق النائية دون أن يعلن لها اسمًا آنذاك، إلا انه أعلن عن نية الشركة بإرسال نحو 4,000 قمرٍ صناعي إلى مدار الأرض المنخفض. تغير الرقم التخميني الأولي ليصبح 12,000 وسمّي المشروع: ستارلنك. أُطلقت تلك الاقمار إلى المدار على دفعات متلاحقة، وأُطلق أول ستين قمرًا منها في الثاني والعشرين من أيار (مايو) عام 2019، ليصل إلى المدار المخطط له على ارتفاع 550 مترًا؛ وهو البعد الكافي لتتمكن الأرض من سحبه بعد عدة سنوات تجنبًا لزيادة النفايات الفضائية (2).
أين المشكلة؟!
مع إطلاق شركة سبيس إكس أول أقمارها راقب علماء الفلك بقلق احتمالية تأثير تلك الأجسام الساطعة بأعدادها المتزايدة وضوئها الصناعي في عمليات الرصد الكونية في السنوات القادمة؛ وأتت البيانات لاحقًا مؤكدة جزءًا من تلك المخاوف (3).
تُظهر الصورة مجرة "NGC 5353/4" التي التقطها مقراب في مرصد (لويل). الخطوط القطرية التي تظهر في الصورة هي مسارات للأضواء المُنعكسة التي خلّفها 25 قمرًا من أقمار ستارلنك لدى مرورها بمجال رؤية المقراب. الصورة التقطت بعد إطلاق الأقمار؛ إذ يقل هذا السطوع مع استقرار تلك الأقمار في مدارها حول الأرض (4).
أوضح فريق بحثي من جامعة ميشيغن أن قمرًا صناعيًا واحدًا من سلسلة أقمار يصل عددها إلى الآلاف قد يؤثر في عمليات رصد بعض الأجرام السماوية الكبيرة: كسحابة ماجلان الكبرى.
وجد الفريق أن كل ثلاثين ثانيةً من التعريض الضوئي تشهد مرور أثر لقمر صناعي من تلك الأقمار، ما يعني تحدّيًا كبيرًا لعملية الرصد. تحدث تلك التغيرات بسرعة كبيرةٍ لدرجةٍ يعتقد فيها بعض علماء الفلك أن الحصول على الصور الليلية بدون قمر صناعي ضمنها لن يكون القاعدة السائدة (1).
قد تتأثر أيضًا بعض أنواع الرصد الفلكي: كرصد الأجسام البعيدة الباهتة التي توجد خلف مدار نبتون بما فيها رصد الكوكب التاسع الغامض عند اكتمال مشروع ستارلنك. هنالك أيضًا مشكلة ظهور الأقمار مرئيًا عند ساعات الشفق أو الساعات الأولى من الليل؛ ما يسبب مشكلة بالنسبة لعمليات رصد الكويكبات المتجهة نحو الأرض (3).
يزداد الأمر تعقيدًا عند معرفة أن هناك بعض المراصد صُمّمت لإجراء مسحٍ واسع للسماء وتتطلب مجالًا واسعًا للرؤية وقدرة على رصد أجرام عابرة وقاتمة الإضاءة ذات أهمية لعلماء الفلك، ولهذا من المتوقع أن تتأثر المراصد الضوئية ومراصد الأشعة تحت الحمراء تأثرًا ما بوجود التلوث الضوئي الجديد (1).
ماذا عن الحلول؟
لمعالجة هذه المشكلة عقدت مؤسسة العلوم الأمريكية ورشة عمل ضمت كثيرًا من علماء الفلك والتقنيين ومصورين فلكيين فضلًا عن شركة سبيس إكس. وصِفت الورشة بأنها جهد تعاوني بين الصناعة وعلم الفلك، أما نتائجها فخلصت إلى صعوبة عمل إجراءات من شأنها الحد من تأثير مجموعة الأقمار الصناعية الجديدة في علم الفلك، ولكن من الممكن عمل بعض الخطوات المفيدة: منها تعتيم الأقمار الصناعية، وهو ما حدث بالفعل؛ إذا صنعت شركة سبيس اكس قمر دارك سات "DarkSat التابع لمجموعة ستارلنك بمواصفات أقل انعكاسًا، وعند رصده من الأرض لوحظ أنهُ ساطع بنسبة 40% مقارنةً مع بقية أقمار ستارلنك، وهذا مؤشر جيد (1).
لذلك يعد تصميم الأقمار التي تخلو من وجود الأسطح اللامعة وتقلل الانعكاس أحد الحلول المهمة، فضلًا عن تصميمها بما يضمن تقليل عددها قدر الإمكان ، والتحكم في مواقعها وعدم إطلاقها إلى مدار عالٍ؛ إذ أوصى تقرير الورشة ألا يزيد ارتفاع التحليق عن 600 كيلو متر، فضلاً عن إنشاء تطبيق يخبر العلماء بظهور أحد تلك الاقمار أو مجموعة منها ضمن مدى رؤيتهم بالتعاون مع الشركات المصنعة (1).
المصادر:
2_Mann A. Starlink: SpaceX's satellite internet project [Internet]. Space.com. 2020 [cited 18 September 2020]. Available from: هنا
3_Grush L. Starlink: SpaceX's satellite internet project [Internet]. The Verge. 2020 [cited 18 September 2020]. Available from: هنا
4_Lowell Observatory. Trails made by Starlink satellites [Internet]. 2020 [cited 18 September 2020]. Available from: هنا