الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية - 2020
أُعلنت جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية عام 2020 لتكون من نصيب كل من الأميركيين Paul R. Milgrom وRobert B. Wilson بالتساوي، لإسهامهما في تطوير نظرية العطاءات "auction theory" وابتكار صيغ جديدة في تنظيم العطاءات، مما عاد بالنفع على البائعين والمشترين ودافعي الضرائب في أنحاء العالم (1).
كانت البداية عندما وُجِدت العطاءات (المزادات أو المناقصات) منذ القدم لتنظيم بيع الأسماك والماشية وممتلكات المقترضين المتعثرين أو حتى القطع الأثرية والتحف الفنية النادرة والعقارات وغيرها، وصولًا إلى شكلها الحالي؛ إذ تعقدت السلع والخدمات محل العطاءات وآلية تسعيرها وكذلك أنواع العطاءات، ومع هذا التعقيد برزت المشكلة في صعوبة تحليل سلوك المشاركين في العطاءات (المُزايدين)، وكذلك صعوبة تحديد تصميم العطاء الأمثل في تحقيق أعلى منفعة ممكنة.
وهنا تكمن إسهامات نظرية العطاءات في تفسير سلوك المشاركين في العطاءات بالاعتماد على العوامل الآتية (2):
- كيف يُقيّم المُزايدون الآخرون الشيء نفسه محل العطاء؟ وهل تختلف قيمته بين المُزايدين؟
- عدم اليقين وعدم تماثل المعلومات بين المُزايدين عن الشيء محل العطاء.
- اختلاف صيغ العطاءات؛ كأن تكون صيغة العطاء إنكليزية؛ فيرسو العطاء على صاحب أعلى ثمن أو بالعكس في حالة العطاء الهولندي، أو يكون عطاء مفتوح؛ إذ يستطيع المُزايدين معرفة الأسعار المعروضة لكل مُزايد آخر أو أن يكون عطاء مُغلقًا؛ عندما يطلب الراغب بالشراء عروضًا للحصول على سلعة أو خدمة معينة بأقل ثمن ممكن عند مستوى جودة معين ويُقدم كل مُشارك في العطاء عرضه دون علم باقي المُشاركين (كالمناقصات الحكومية). إضافةً إلى عدد المرات التي يمكن للمُزايد المشاركة في العطاء وما السعر الذي سيدفعه الفائز بالعطاء، هل هو السعر الذي عرضه، أم ثاني أفضل سعر؟
وتفسر نظرية العطاءات -على ضوء تلك العوامل- سلوك المُزايدين في العطاءات وعليه تُفسر مخرجات العطاءات، إضافةً إلى أن هذه النظرية تستطيع تقديم تصميم لعطاء ما -خصوصًا في حال الأشياء محل العطاءات صعبة التسعير- فيخلق أعلى قيمة ممكنة للمُشارك وأعلى منفعة عامة ممكنة، لكن ما هذه القيمة التي يحصل عليها المُشارك؟
- قيمة خاصة: وهي قيمة الشيء محل العطاء التي يعطيها المُشارك على نحو مُستقل عن تقييم باقي المشاركين، وقد تختلف بين مشارك وآخر بحسب كيفية استفادة كل مُشارك من ذلك الشيء وتقديره له، ومثال ذلك عندما يُقدر المُشتري القيمة الخاصة للعقار بناءً على حالة العقار ومساحته وموقعه أو بحسب أي عامل آخر يغير من تقييم المُشتري لذلك العقار. (2)
- القيمة المُشتركة: وهي الجزء من قيمة الشيء محل العطاء التي تتساوى غالبًا بين المُشاركين في العطاء في ظل المعلومات المتوافرة نفسها، وهي تمثل المنفعة من استخدام ذلك الشيء، كقيمة العقار موضع العطاء مستقبلًا (2).
وقد غدت هذه المشكلة صعبة الحل لأن هذه النطاقات تتمتع بقيمة خاصة ومشتركة، إضافة إلى أن قيمة نطاق معين في منطقة معينة يعتمد على النطاقات الأخرى المملوكة من قبل مشغلين محددين، فلنفترض أن مشغل معين يريد بناء شبكة محلية وأن الحكومة السويدية تريد بيع نطاقات تردد من الشمال إلى الجنوب، والآن قيمة حقوق النطاق في الشمال تعتمد على احتمالية نجاح المشغل في الجولات القادمة من العطاء بشراء حقوق نطاق التردد في الجنوب؛ لذا لن يتمكن المشغل من معرفة قيمة حقوق النطاق المستقبلية، إضافة إلى أن المضاربين قد يشترون حقوق التردد التي يحتاجها، ومن ثَم سيتمكنون من بيعها له بسعر أعلى في السوق الثانوية.
بسبب هذه الظروف من عدم التأكد سيبقى المشغل على رهان منخفض أو قد ينسحب بالكامل وينتظر فرصة مناسبة في السوق الثانوية، لتجنب هذه المشكلة ابتكر الفائزان بالجائزة صيغة عطاءات تسمى "عطاءات الجولات المتتالية دفعة واحدة" “Simultaneous Multiple Round Auction” تتيح هذه العطاءات جميع نطاقات التردد في مناطق جغرافية مختلفة دفعة واحدة، فخفض نموذج المزاد مشكلة عدم التأكد والمبالغ الزائدة التي قد يدفعها الفائز في العطاء فوق القيمة الحقيقية للشيء محل العطاء (وتُسمى لعنة الرابح)، عن طريق البدء بأسعار منخفضة والسماح بعدة عروض.
تمكنت الحكومة عام 1994 من بيع 10 حقوق عن طريق 47 جولة عرض بمبلغ قدره 617 مليون دولار وهو ما كانت الحكومة تمنحه مسبقاً بالمجان، وعُدَّ هذا النموذج نجاحًا كبيرًا واستخدمته عديد من الدول (فنلندا، الهند، كندا..) وتمكن من جني 120 مليار دولار بين عامي 1994-2014 في أمريكا و120 مليار دولار في أنحاء العالم، واستُخدم في عطاءات أخرى كالكهرباء والغاز الطبيعي (2).
وتلخيصًا لما سبق: تأتي أهمية تلك الإسهامات من كونها تعود بالفائدة على كل من البائعين والمشترين ودافعي الضرائب في جميع أنحاء العالم؛ فإنها تُعدُّ ركيزة أساسية في تصميم وتحليل صيغ العطاءات سواء التقليدية منها للسلع الاستهلاكية والعادية كالتبغ وصولًا إلى الجديدة والمعقدة لتنظيم صيغ العطاءات للسلع النادرة أو صعبة التسعير، كتنظيم عطاءات بيع النطاقات الترددية وكذلك عطاءات الأصول المالية كسندات الخزينة مثلًا (1,4).
فيما تستند نظرية العطاءات إلى عدة مداخل في التحليل؛ سواء من منظور نظرية الألعاب، نظرية العقود وغيرها، إضافة إلى النماذج الرياضية (1,3).
المصادر:
2. The Royal Swedish Academy of Sciences. The Prize in Economic Sciences 2020. 2020; Available from: هنا
3. J. Levin. Auction Theory. Jonathan Levin Teach Lecture Notes. 2004; Available from: هنا
4. Krishna V, editor. Auction Theory. Academic Press; 2003. Available from: هنا