العلاقة بين طلاء شفرات التّوربينات الريحيَّة والطّيور.

إنَّ المخاوف المتعلقة بحياة الطّيور تزداد ازديادًا كبيرًا مع الاعتماد المتزايد على العنفات الريحيَّة؛ مما يشكّل عائقًا أمامَ تقدم تكنولوجيا هذه العنفات، ويضع قيودًا كثيرةً أمام بناء مزارع ريحيَّة جديدة في الأماكن الّتي تشكّل مسارات للطّيور المهددة بالانقراض.

لطالما تفاجئنا من قدرة الطّيور على رؤية فرائسها من مسافات هائلة، وقدرتها العالية على المناورة في السّماء؛ الأمر الذي يثير الاستغراب كيف لهذه الطّيور أن تخطئ المسار، وتصطدم بشفرات (ريش) العنفات الريحيَّة الكبيرة؟! مما يودي بحياة العديد من هذه الكائنات ذات الأهميَّة البيئيَّة العالية.

اقترِحت عدة حلول لتقليل عدد الوفيات الناجمة عن اصطدام الطّيور بشفرات العنفات الريحيَّة، منها إيقاف العنفات كليًّا في فترات هجرة الطّيور، لكن هذه الطريقة تؤدي إلى انخفاض كمية الطَّاقة الكهربائيَّة المولَّدة في العنفات نتيجة الإيقاف الكامل، أمَّا الطريقة الثانية فهي حرث التربة في المناطق المحيطة بأبراج العنفات الريحيَّة؛ إذ يؤدي حرث التربة إلى تقليل الغطاء النباتي للأرض المحيطة، ومنه تقليل عدد الفرائس الموجودة في المنطقة؛ مما يدفع الطّيور إلى الابتعاد عن هذه المنطقة بحثًا عن الفرائس، وبتلك الطريقة يُمكن حماية حياة العديد من الطّيور سنويًّا، لكن ما يعيب هذه الطريقة أنّها بحاجةٍ إلى التكرار سنويًّا من أجل إدارة الأماكن التي يُمكن أن تعيش فيه الفرائس[2][3].

تظهر الدِّراسات أنَّه مع اقتراب العين من الشفرات تزداد سرعة صورة الشفرات في الشبكية (وهي الصُّورة الّتي تُنقل إلى الدماغ) حتى تتحرك بسرعة لا تستطيع عندها الشبكية من مواكبة حركة الشفرات، وهذا ما يعرف بتشوه الحركة Motion Smear، فيعتقد الطَّائر أنَّ المنطقة آمنة للطيران، كما أنَّ الطّيور لا تصادف عادةً عوائق في حالة الطيران في الأجواء ذات الفضاء المفتوح؛ مما يزيد من احتمالية التصادم مع العنفات الريحيَّة، ومنه إن توفير إشارات مرئيَّة في الاتجاه الذي تطير فيه الطّيور يُمكن أن يلفت انتباه الطّيور إلى العنفات، وبالتالي يساعدها على المراوغة لتجنب الاصطدام بشفرات العنفة، لذلك أُجريت بعض التجارب المخبريَّة لتحديد فعالية  العديد من أنماط الإشارات المرئيَّة الّتي يُمكن توفيرها لتنبيه الطّيور بوجود عائق في طريقها؛ إذ استعملت أنماط الشفرات الملونة، والشفرات المطلية بصورةٍ متعرجةٍ، والشفرات ذات الطلاء المخطط، وغيرها من الأنماط كما في الشكل الآتي: [1][2].

أظهرت النتائج المخبرية أنَّ النمط الأكثر فعالية هو النمط الذي تطلى فيه شفرة واحدة من العنفة باللون الأسود؛ إذ يظهر مؤشر ( PERG   (The Pattern Electroretinogram (المخطط الكهربائي الخاص بهذا النمط) أعلى قيمة للرؤية النسبية مقارنةً بالأنماط الأخرى، كما أنَّ مؤشر PERG يظهر أنَّ سعة الرؤية الإجمالية لهذا النمط تعادل تقريبًا ضعف سعة الرؤية الإجمالية لنمط العنفة ذات الشفرات البيضاء (الشفرة العادية)[2].

إنَّ النتائج المخبرية غير كافية لاعتماد هذه الطريقة، لذلك اختبرت هذه الطريقة لأول مرة في المحطة الريحيَّة  Smøla في النرويج، وذلك باستعمال طريقة الاختبار Before–After–Control–Impact أثر ما قبل وبعد المعالجة BACI استنادًا إلى عمليات البحث طويلة الأمد عن الطّيور الميتة، واستفيد من البيانات المسجلة سابقًا في هذه المحطة (معلومات ما قبل المعالجة).

تعدُّ المحطة الريحيَّة في  Smøla في النرويج مناسبة جدًّا لهذه الدِّراسة؛ إذ تحتوي على عددٍ كبيرٍ نسبيًا من عنفات الرياح (68 عنفة ريحيَّة)، كما أنَّها تحتوي على كثيرٍ من المعلومات المسجلة لفترة طويلة عن الطّيور الميتة (معلومات قبل المعالجة) إضافةً إلى أنَّ  Smøla  صُنفت منطقةً مهمةً للطيور IBA - Important Bird Area، وذلك لأنَّها غنية بحياة الطّيور، كما أنَّها لا تحتوي على الحيوانات البرية الّتي تأكل الطّيور النفقة؛ مما يلغي أي انحياز في عمليات الرصد [1].

إجراء التجربة:

اختيرت ثماني عنفات ريحيَّة ذات حالات مسجلة سابقًا لوفيات الطّيور بسبب الاصطدام مع ريَشِها، وطُليت ريشة واحدة فقط لأربع عنفات بطلاء أسود، أمَّا العنفات الأربع الأخرى لم تُطلَ بشيء، وسُميت بعنفات التَّحكم، والغاية من هذه العنفات هي المقارنة مع العنفات المُعالجة بالطلاء. 

استمرت التجربة لمدة 11 عامًا (سبع سنوات ونصف قبل المعالجة بالطلاء، وثلاث سنوات ونصف بعد المعالجة) واستخدمت الكلاب المدربة للبحث عن الطّيور الميتة، كما سُجِلت حالات الطّيور الميتة التي وجِدت من قِبل المارّة [1].

النتائج: 

في أثناء فترة التجربة أُجريت 1275 عملية بحث عن الطّيور النافقة بسبب الاصطدام بالعنفات، وكانت النتيجة 82 طيرًا (بما في ذلك 40 طائرًا من نوع willow ptarmigan الذي لم يدرج في الدِّراسة)، ويظهر الجدول النتائج الخاصة بالعنفات المطليَّة، وعنفات التَّحكم:

نلحظ أنَّ عدد الطّيور النافقة بعد المعالجة للعنفات المطلية انخفض إلى 6 طيور، في حين أن القيمة المتوقعة فيما لو لم تتم عملية الطلاء هي 28 طير، ومنه كان هناك انخفاض متوسط ​​بنسبة 71.9٪ في معدل الوفيات السنوي بعد الطلاء في التوربينات المطليَّة بالنسبة لتوربينات التَّحكم [1].

في الختام نجد أنَّ انخفاض نسبة الوفيات بنسبةٍ تتجاوز 70 % هي نتيجة جيدة؛ ولكن يوصي القائمون على التجربة بإعادة إجراء تجارب مماثلة في محطات ريحيَّة مختلفة، وأن تتم التجارب على عددٍ أكبر من العنفات على أن تشمل الدِّراسة أنواع أكثر من الطّيور.

هل تعرف طريقةً أخرى للمحافظة على حياة الطّيور؟

المصادر: