العمارة والتشييد > التشييد
تكنولوجيا الـ (Drones) في عالم الهندسة المدنية
على مدى العقود الماضية، ظهرت تقنيات رقمية جديدة لتحسين إنتاجية البناء وتقليل الزمن اللازم لإنهاء المشروع والتكلفة الإجمالية لإنجاز مهمَّاته. فقد أُدخلت الطائرات المسيَّرة دون طيار (Unmanned Aerial Vehicle) في صناعة البناء مؤخرًا، وأصبحت أنظمة هذه المركبات ذات صلةٍ مباشرةٍ أيضًا في مجال التشييد.
فعلى الرغم من استعمالاتها المتكرِّرة في مجالات الصناعة المختلفة والزراعة والأغراض العسكرية والعلوم، لكنَّها أصبحت في السنوات الأخيرة من أكثر التقنيات المرغوبة في صناعة التشييد؛ إذ شهدت هذه التقنية زيادةً في استعمالها في مجال البناء بما يقارب 240%، وهي أعلى نسبة استعمال مقارنةً بأي قطَّاعٍ تجاريٍّ آخر (1).
تقدِّم الطائرات المسيَّرة دون طيار مزايا متنوعة؛ فهي توفِّر مساعدةً لا تُقدَّر بثمن عن طريق تسهيل القيام بعمليات البناء، كرسم خرائط مواقع التشييد، والمراقبة والإشراف على الموقع، وإجراء مسح للمباني. ويمكننا باستعمالها الحصول على مناظر واسعة للأماكن التي يتعذَّر الوصول إليها في الموقع والتي يصعب التنقل فيها، وتمكِّننا الطائرات المسيَّرة دون طيار من الوصول إلى أفضل منظورٍ علويٍّ وعرضٍ بانورامي بزاوية 360 درجة استنادًا إلى سيناريو واقعي (1).
يمكننا باستعمال هذه التقنية مشاركة المشاهد والصور مع إدارة المشروع في الشركة أو الطاقم الموجود في الموقع أو المقاولين الثانويين خارجه، ويمكننا استخدام البيانات المتعلِّقة بصور الطائرات المسيَّرة دون طيار من مواقع متعدِّدة، والبيانات المأخوذة من المسح ثلاثي الأبعاد لموقع البناء وذلك لإنشاء أنموذج ثلاثي الأبعاد باستخدام تقنيات القياس؛ إذ يُقارَن الأنموذج المصوَّر من الطائرة مع أنموذج الـ (BIM) بهدف مراقبة تقدُّم مراحل البناء المختلفة. وفي الوقت الحاضر، تقدِّم الطائرات المسيَّرة دون طيار مستوىً مرتفعًا من التشغيل الآلي الذي يسمح بالوصول إلى المناطق التي كان يتعذَّر الوصول إليها سابقًا، مع إمكانية التقاط كميةٍ كبيرةٍ من البيانات بسرعةٍ عالية (1).
تصنيف الطائرات المسيَّرة دون طيار:
تُصنَّف الطائرات المسيَّرة دون طيار وفق أسس مختلفة؛ مثل الطائرات المسيَّرة دون طيار للتصوير، والطائرات المسيَّرة دون طيار لرسم الخرائط الجوية، والطائرات المسيَّرة دون طيار للأغراض العسكرية والمراقبة، ولكنَّ أفضل تصنيف للطائرات المسيَّرة دون طيار هو المعتمد على أساس المنصَّات الجوية؛ إذ يمكن تصنيف الطائرات المسيَّرة دون طيار بالاعتماد على نوع المنصة الجوية المستخدمة إلى 4 أنواع رئيسية؛ طائرات ثابتة الأجنحة (Fixed Wings Drones)، وطائرات متعددة المروحيات (Multi Rotors Drones)، وطائرات أحادية المروحة (Single Rotor Drones)، وطائرات هجينة ثابتة الجناحين (Fixed Wing Hybrid VTOL) (1).
أنواع مختلفة من الطائرات المسيَّرة دون طيار
- الطائرات المسيَّرة دون طيار ذات الأجنحة الثابتة: لها مبدأ عمل طائرات الركَّاب نفسه؛ إذ تحتاج هذه الأنواع من الطائرات إلى الطاقة ليس لإبقائها في الهواء ثابتةً في مكانٍ واحد ولكن للمضي قُدُمًا، لذلك تُعَدُّ البديل الأكثر فعالية لرسم الخرائط الطبوغرافية للمناطق الكبيرة، وهي قادرةٌ على تغطية مسافات أطول من الطائرات المسيَّرة دون طيار متعددة المروحيات. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ العيب الرئيسي للطائرات المسيَّرة دون طيار ذات الأجنحة الثابتة هو عدم قدرتها على البقاء في الهواء في مكان واحد، ممَّا يمنعها من إنشاء خرائط جوية مفصَّلة (1).
- الطائرات دون طيار متعدِّدة المروحيات: تُعدُّ من أكثر أنواع الطائرات المسيَّرة دون طيار استخدامًا؛ إذ تُستخدم لرسم الخرائط الجوية الاحترافية، أمَّا تطبيقاتها الشائعة فهي التصوير الجوي وتسجيل الفيديو والمسح الجوي، ويمكن تصنيف هذا النوع من الطائرات تبعًا لعدد المروحيات الموجودة (ثلاثية المروحيات أو رباعية المروحيات أو سداسية المروحيات...)، لكنَّ عيب هذا النوع من الطائرات المسيَّرة دون طيار هو محدودية سرعتها وقدرتها على التحمل (1).
- طائرات أحادية المروحية: يعمل محرِّك هذا النوع من الطائرات باستخدام البنزين؛ لذلك تدوم فترةً أطول من سابقاتها في السماء، وتجمع أيضًا بين التحمُّل الطويل للرحلة والتحليق المستمر إلى الأمام، وتُعَدُّ الطائرة أحادية المروحية (هيلكوبتر) خيارًا جيدًا لرسم الخرائط الجوية. لكنَّ عيب هذا النوع من الطائرات المسيَّرة دون طيار هو زيادة التكلفة والاهتزاز في أثناء الطيران، وتتطلَّب أيضًا المزيد من الصيانة الميكانيكية نظرًا لتعقيدها التقني عمومًا (1).
- طائرات هجينة ثابتة الجناحين: من المعروف أنَّ الطائرات المسيَّرة دون طيار ذات الأجنحة الثابتة ذات كفاءة أكثر بما يتعلَّق باستخدام الطاقة، لذلك يمكنها تغطية مسافات طويلة على نحوٍ أسرع؛ إذ تحلِّق الطائرة الهجينة المسيَّرة دون طيار على مسار طيران محدَّد مسبقًا وعلى ارتفاع يحدِّده المستخدم وتجمع البيانات عن طريق أجهزة الاستشعار متعدِّدة الأطياف (1).
تمتلك تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة دون طيار مجموعةً واسعةً جدًّا من التطبيقات في صناعة البناء مثل:
- تخطيط موقع البناء: يمكن برمجة الطائرة المسيَّرة دون طيار لتنفيذ عملية التقاط الصور المطلوبة للموقع في بضع دقائق وبتكلفةٍ بسيطة، ويمكن لهذا النوع من المركبات إرسال البيانات المناسبة مباشرةً إلى البرنامج المناسب على الكمبيوتر لتُحلَّل وتُجمَّع لإيجاد نماذج تضاريس رقمية ونماذج ثلاثية الأبعاد للموقع، يمكن عن طريقها متابعة التنفيذ على نحو متواصل (1).
- مسح الأبنية: في عملية إجراء مسح للمباني، يكون الوصول إلى السطح الأخير خطيرًا وصعبًا غالبًا، ويمكن للطائرات المسيَّرة دون طيار الوصول إلى المواقع التي يتعذَّر الوصول إليها لأسباب لوجستية أو أمنية، ممَّا يجعل من هذه العمليات أكثر أمانًا وسهولةً، ويحقِّق اختصارًا للوقت وسرعةً في معالجة المواقف، وتسمح للمسَّاح بتقييم السطح بحثًا عن الأعطال دون أن يصعد إليه فعليًّا (2).
- مراقبة وفحص موقع البناء: يمكن تقليل مخاطر الصحة والسلامة التي يتعرَّض لها الموظفون كثيرًا عن طريق السماح للطائرات دون طيار بتنفيذ معظم أعمال الفحص والمراقبة، في الوقت الذي يشاهد فيه المدراء اللقطات والصور من مكاتبهم الآمنة، سواء كانت في الوقت الفعلي أو مسجلة. على سبيل المثال، اكتشفت شركات فحص الجسور أن استخدام الطائرات دون طيار هو أفضل طريقة لإتمام عمليات مراقبة وفحص الهياكل القريبة من الماء؛ إذ تمتلك القدرة على الطيران إلى مواقع بعيدة (3).
- الحصول على تقارير مراقبة تقدُّم عملية البناء عن بعد: ربما تكون أفضل ميزة للطائرات المسيَّرة دون طيار في صناعة التشييد ما توفِّره للعملاء من رؤية جوية للموقع؛ إذ تمثِّل طريقةً سريعةً لرسم خرائط تقدُّم العمل في المشروع، خاصةً عندما لا يستطيع العملاء الوجود فعليًّا في الموقع. وبفضل الصور الجوية المتعدِّدة عالية الدقة ومقاطع الفيديو عالية الجودة، يمكن لمطوِّري المشروع الحصول على نظرة عامة أفضل عن تقدُّم المشروع في فترات يومية أو أسبوعية أو شهرية (1).
تُعَدُّ الطائرات المسيَّرة دون طيار من أبرز ما وصلت إليه التكنولوجيا في مجال الهندسة المدنية. وسيزداد استخدامها بمرور الوقت في صناعة البناء والتشييد لكفاءتها في جمع بيانات دقيقة، إضافةً إلى التقليل إلى حد كبير من المخاطر على سلامة فريق عمل المشروع، الأمر الذي يقود المهندسين والمقاولين والمستثمرين تلقائيًّا إلى مزيد من الثقة في العمل والاستثمار في مشاريع التشييد.
المصادر:
2_Drone Use in the Construction Industry Leads to Integration into the Current Civil and Construction Engineering [Internet]. Webcache.googleusercontent.com. 2020 [cited 14 August2020].Available from: هنا
3_Tatum MC, Liu J. Unmanned Aircraft System Applications in Construction. Procedia Engineering. 2017 Jan 1;196:167–75. [cited 2020 Sep 18]. Available from: هنا