الهندسة والآليات > الالكترونيات
تكنولوجيا النانو والألوان
إن ذهبت في خيالك بعيدًا بعض الشيء فبإمكانك أن تتخيّل جنديًا يغيّر لون زي التمويه الخاص به ورسمته من ألوان الغابة الخضراء إلى تراب الصحراء، ولك أن تتخيّل عامل مكتب يفعل الأمر نفسه مع ربطة عنقه.
إليكِ سيناريو آخر؛ ما رأيكِ بتفادي الإحراج في المناسبات العامة وتغيير لون ثوبكِ إن تطابق مع إحدى الحاضرات؟ (1)
هذا الأمر لم يعد محض خيالٍ بفضل القفزة النوعية التي حقّقها مختبر جامعة "سنترال فلوريدا UCF" الذي جعل هذه السيناريوهات أقرب إلى الواقع؛ إذ طوّر فريق بقيادة البروفيسور "ديباشيس تشاندا /Debashis Chanda" من مركز تكنولوجيا علوم النانو التابع لـ UCF، وكلية البصريات والضوئيات (CREOL) تقنيةً لإنشاء أوّل شاشة رقيقة، ومرنة، وتضم كافة الألوان (1).
كما هو مفصّل في مقالة الغلاف في عدد حزيران (يونيو) من مجلة Nature Communications، تمكّن "تشاندا" من تغيير اللون على سطح بالغ الرقة، وذي بنية نانوية عبر تطبيق جهد كهربائي، ولا تحتاج الطريقة الجديدة إلى مصدر ضوء خاص بها، إنّما تعتمد على انعكاس الضوء المحيط (1).
حيث تحيط طبقة رقيقة من الكريستال السائل حول هيكل نانوي معدني على شكل كرتون البيض بالغ الصغر، يمتص بعض الأطوال الموجية للضوء، ويعكس بعضها الآخر، ويُمكن التحكّم في الألوان المنعكسة باستخدام الجهد الكهربائي المطبّق على طبقة الكريستال السائل.
فللتفاعل بين جزيئات الكريستال السائلة وموجات البلازمون (البلازمون هو عبارة عن إثارة جماعية للإلكترونات على سطح معدن تتفاعل بشدة مع الضوء (2)) الموجودة على السطح المعدني النانوي دور رئيس في توليد شاشة قابلة لضبط الألوان كاملة ومستقلة عن الاستقطاب (1).
مُوُّل بحث "شاندا" هذا من قِبل الجامعة، وتلقّى منحة من معهد فلوريدا للفضاء/ ناسا، وحصل على منحة قدرها 300000 دولار من مؤسسة العلوم الوطنية لمواصلة بحثه (1).
عُرفت هذه التكنولوجيا باسم شاشات الألوان البلازمونية، فهي تُظهر ألوانًا مختلفةً بناءً على الهياكل النانوية المعدنية العاكسة داخل الشاشات وشكلها وأنماطها، ومع ذلك كانت التكنولوجيا مقيّدة بمشكلات عرض اللون الصحيح من زوايا مختلفة، وتطبيقها على مساحات كبيرة إضافةً إلى مشكلة عرض اللون الأسود (3).
واصل "تشاندا" بحثه ليُكمل ما بدأه، واستطاع فريقه التغلّب على التحديات السابقة من خلال إيجاد طريقة لتحويل الهياكل النانوية إلى تصميمات دقيقة للتحكّم الكامل في تشتّت الضوء المستقل عن الزاوية، مما ينتج عنه ألوان لا تعتمد على زاوية الرؤية (3).
يقول "تشاندا" اكتشفوا تقنيةً تمكّن الجسيمات النانوية من تجميع نمط شبه عشوائي على مادة مصممة مسبقًا، ومن ثم يمكن تحسينها من خلال عملية مضبوطة للغاية لإنشاء لون معين، مثل الأصفر والأزرق والذهبي والأرجواني والأبيض وغيرهم…، وذلك بتغيير حجم الجسيمات النانوية فقط.
ومع ذلك، احتاج اللون الأسود إلى نهج مختلف اعتمده "تشاندا"؛ إذ يُحجَب الضوء المتناثر من السطح ذي البنية النانوية باستخدام طبقة بلورية سائلة بطريقة مضبوطة، وهكذا تنتج لدينا تدرّجات الألوان السوداء/ الرمادية (4).
هذه التقنية التي ذكرناها موجودة لدى العديد من الحشرات والحيوانات، مثل: الفراشات والأخطبوطات والببغاوات والخنافس، فكما يقول "تشاندا":إنّ جزيء البروتين الذي يعدُّ العنصر الأساسي في هذه العملية ليس له لونه الخاص، ولكن عند تجميعه بطريقة منظمة ومضبوطة، فإنه يخلق أنواع الألوان جميعها، وهذا ما تفعله الفراشة ببساطة؛ فألوانها المميزة هي نتيجة تشتت الضوء من المحيط وعكسه على أجسامها. ويختلف هذا النوع من إنتاج الضوء عن ألوان الصبغات، مثل تلك المستخدمة في الملابس أو الدهانات، التي تمتص بعض ألوان الضوء بشكل انتقائي وتعكس ألوانًا أخرى (4).
وما يجعل هذه التقنية مهمة جدًّا كون الألوان ذات مظهر أقرب للطبيعة، مما يجنّبنا التأثيرات التي يسبّبها التحديق في الشاشات العادية ذات السطوع العالي لفترات طويلة من الزمن، والذي يمكن أن يسبّب إجهاد العين والصداع ومشاكل صحية أخرى (3).
ومع ظهور هذا المجال المفيد والرائع وتطوره المرتقب مستقبلًا، يقول الباحث "تشاندا" إنه من المتوقع أن يستغرق انتشار هذه التقنية بعض الوقت قبل أن تصبح الشاشات والمنتجات الاستهلاكية التي تستخدم الهياكل النانوية البلازمية متاحة للعامة، إلا أنَّ نتائج هذه الدراسة تعدُّ خطوة في هذا الاتجاه، فما يزال البحث مستمرًا ومموّلًا من مؤسسة العلوم الوطنية من خلال المنحتين الدوريتين منذ عام 2014 (3،4).
المصادر:
2. [Internet]. 2020 [cited 20 October 2020]. Available from: هنا
3. UCF’s Butterfly-Inspired Nanotech Makes Natural-Looking Pictures on Digital Screens | University of Central Florida News [Internet]. University of Central Florida News | UCF Today. 2020 [cited 17 July 2020]. Available from: هنا
4. Butterfly-inspired nanotech makes natural-looking pictures on digital screens [Internet]. Phys.org. 2020 [cited 17 July 2020]. Available from: هنا