المكتب الإعلامي > حملة تنمية الطفولة المبكِّرة
الفروق الفردية; تمايز القدرات بين الأطفال
لا يعي كثيرٌ من الآباء أنَّ كلَّ شخصية منفردة ومتفردة عن غيرها (1)، فقد يتساءل أحدُهم على نحو: ابني ممتاز في مادة الرياضيات وجيد في مادة العلوم، أما في مواد اللغات فأداؤه متدنٍ، ومقارنة بأصدقائه هو ممتاز في رسم المخططات المنطقية، ولكنه لا يعرف كيف يعبِّر لفظيًّا عن ذلك، وعلى عكس صديقه -ذي المهارات اللغوية والموسيقية العالية-؛ فهو يبتعد عن الحوارات والنقاشات إلى حلِّ المسائل الرياضية، أي لماذا يحقق تفوقًا في بعض المجالات فحسب؟
وكانت الإجابة عند أفلاطون في كتابه الجمهورية؛ إذ يقول: "إن كلَّ اثنين مختلفان، وكلُّ واحد يختلف عن غيره موهبةً، ففي الواحد من الناس استعداد خاص لنوع من الأعمال، وفي غيره استعداد لعمل آخر" (2).
وهذا ما يُطلَق عليه "الفروق الفردية"؛ وهي الفروق بين الأفراد في أية صفة من صفات الشخصية (3)، فهم يختلفون في قدراتهم على التعلم وحل المشكلات واكتساب اللغات والعادات السلوكية وفي طريقة استجابتهم للمواقف فضلًا عن اختلافاتهم الفيزيولوجية أيضًا، ومن ثمَّ فهي الفروق الجسمية والعقلية والنفسية التي تميّز فردًا عن آخر (1)، ونميّز بين مظهرين للفروق الفردية:
- فروق داخل الفرد نفسه: فالفرد لا تتساوى فيه جميع القدرات والصفات، قد يكون متوسطًا في القدرة اللغوية، وممتازًا في القدرة الحركية، وضعيفًا في القدرة الحسابية، فضلًا عن التغيّرات التي تطرأ على الفرد مع مرور الوقت؛ مما يجعله يختلف عن نفسه من مرحلة إلى أخرى، والأمر ذاته ينطبق على السمات الانفعالية (3)، مثلًا: قد يحقق طفلٌ مستوى متوسطًا في اللغة في سن الخامسة، ويصل إلى مستوى أفضلَ في سن الثامنة نتيجة التدريب والنضج.
- فروق بين الأفراد: أي الاختلافات التي نلاحظها بين الأفراد في مختلف الصفات الانفعالية والعقلية والجسدية، وهي فروق في درجة الصفة لا نوعها (3)، مثلًا: طفلك أذكى من صديقه في الشطرنج، ولكن صديقه أبرع منه في العزف على آلة الكمان، فالاختلاف هنا في درجات الأطفال في صفات معينة.
تخضع هذه الفروق للتغيّر في أثناء مرحلة النمو، إلا أن مقدار التغيُّر ليس على درجة واحدة في جميع الصفات؛ إذ تشير الأبحاث إلى أن معدل ثبات الفروق في القدرات العقلية أكبر منه في السمات الانفعالية؛ لأنه من المحتمل أن تكون الصفات الانفعالية أكثر تأثرًا بالعوامل البيئية (الخارجية) من الصفات العقلية (3).
ويبقى أن نشير إلى أن فكرة الفروق الفردية لا تعني تجزئة الصفات الشخصية وتفككها؛ إذ تشير الدراسات في مجال الذكاء إلى أن الأفراد الذين يحققون أداءً عاليًا في مَهمَّة عقلية محددة قد يميلون إلى تحقيق أداءٍ عالٍ في المَهام العقلية الأخرى أيضًا (4)؛ أي إن الصفات تتفاعل وتؤثر في بعضها، ولكن الفروق الفردية تسمح لنا بتحديد درجة هذه الصفات ومستوياتها.
لذا ينبغي على الوالدين مراعاة الفروق الفردية لدى الطفل نفسه، بما يظهر لديه من أنماط مختلفة من السلوك حسب المواقف التي يتعرض لها، وحسب مرحلة النمو التي يمر بها، وكذلك الإيمان بقدراته وبما لديه من فروق فردية تميّزه عن أقرانه، وعدِّ كل طفل عالمًا قائمًا بذاته، وعدم الضغط عليه ليجاري شخصيات غيره من الأطفال (5)، فانظر إلى طفلك على أنه نجمة لها شعاعها وموقعها المتميز في السماء عن الآخرين.
وأخيرًا لعلك بدأت تتساءل بماذا يتميّز طفلك عن أقرانه؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال ستكون مثيرة للاهتمام.
المصادر:
1. الامارة، أسعد. (2014). سيكولوجية الفروق الفردية - علم النفس الفارقي. الطبعة الأولى. دار صفاء للنشر. عمان. ص15,21,26
2. أفلاطون. (2017). جمهورية أفلاطون. ترجمة: خباز، حنا. الطبعة الأولى .مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. القاهرة. ص63
3. الشيخ، سليمان.(1990). الفروق الفردية في الذكاء. دار الثقافة للطباعة والنشر. القاهرة. ص19-22