الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية
الاستحواذ والاندماج - الجزء الأول
عن طريق سبعِ موجاتٍ ضخمة؛ شكلَّت عمليات الاستحواذ والاندماج ظاهرةً جديرةً بالاهتمام في عالم الأعمال على المستوى الدولي عمومًا والأميركي خصوصًا. كانت أولُها في أواخر القرن التاسع عشر، وآخرها بدأت بالعام 2014.
يتحدثُ المقال بإيجازٍ عن تعريف عمليات الاستحواذ والاندماج وأنواعها، والفرق بينها وبين عمليات الاستيلاء، وكيف لها أن تجري، وبعض العملياتِ المُشابهة لها في سياق تجميع الأعمال.
1- الاستحواذ - Acquisition
يحدث عن طريقِ شراء شركةٍ ما لشركةٍ أُخرى بالكامل أو شراء حصَّةٍ مُسيطرةٍ فيها على الأقل (أي شراء أكثر من 50% من أسهم الشركة) بغرض التحكم بها. وتجري عمليات الاستحواذ إما بموافقة الشركة المُستهدفة بالاستحواذ، أو حتى دون علمها عن طريق شراء أسهمها مباشرة من السوق، لتتحوّلَ العملية إلى أحد أنواع ما يُسمى بالاستيلاء (1).
2- الاندماج - Merger
وفيه ببساطة، تتّحدُ شركتان لتختفي إحداهما عن الوجود (الشركة المُندمجة)، وتتحكم الأُخرى بأُصول الشركة المُندمجة "statutory merger" ومطاليبها، أو قد تُصبح شركةً تابعةً للأُخرى "subsidiary merger". وقد تندمج شركةٌ غير مُدرجة الأسهمِ في السوق مع شركةٍ مُدرجة أصلًا وذلك ما يسمى الاندماج العكسي "reverse merger" (2 pp7).
عادة ما تُصنف عمليات الاندماج إلى ثلاثِ فئاتٍ كالآتي:
- الاندماج الأُفقي يحدث باندماج شركتين مُتنافستين في الصناعة نفسها، ضمن السوق نفسه أو في سوقين مُختلفين؛ كاندماج بنك JPMorgan مع Chase Manhattan Bank ليُشكلا أضخم البنوك الأمريكية من ناحية إجمالي الأُصول JPMorgan Chase & Co (2 pp7).
- الاندماج العامودي يحدث باندماج شركتين تكون العلاقة بينهما علاقة مورِّدٍ وزبون؛ إذ تكونان ضمن سلسلة التوريد لخدمة أو سلعة معينة. من أشهر تلك الاندماجات هو اندماج شركة الاتصالات AT&T مع تكتل الإعلام والترفيه Time Warner (2 pp8).
- الاندماجات التكتلية تحدث باندماج الشركات التي لا تكون ضمن الصناعة نفسها، ولا تكون مُترابطة ضمن سلاسل التوريد نفسها أو حتى تقع في أسواق ومناطق مُختلفة، أي لا يوجد شيء مُشترك بينها وتُسمى الاندماجات التكتلية البحتة، وفي حال كان هناك شيء من الشبه ضمن الشركات تُسمى بالاندماجات التكتلية المُختلطة، والتي هي أكثر شيوعًا من البحتة. مثال ذلك؛ الاندماج المختلط لعملاق التجزئة Amazon مع سلسلة متاجر الأغذية الصحية Whole Foods في مسعى من Amazon للتوسع في سوق المواد الغذائية (2 pp8).
3- الاستيلاء - Takeover
ذكرنا أعلاه بأنه يُمكن لشركةٍ ما شراء حصة مُسيطرة في شركة أخرى من السوق مباشرة دون علم الشركة المُستهدفة. يجري ذلك بغرض فرض الاستحواذ أو الاندماج وذلك ما يسمى "بالاستيلاء" "takeover"، أو "الاستيلاء العدائي hostile takeover"، لأنه يحدث في العديد من الأحيان بغرض التنازع مع الإدارة (مجلس الإدارة) الحالي للشركة على عضوية في مجلس الإدارة، أو لأسبابٍ تتعلق بالمنافسة (3).
يُفرَضُ الاستحواذ أو الاندماج على شركةٍ ما - في حال لم توجد تشريعاتٌ تحولُ دون ذلك - عن طريق إحدى الطرائق الآتية:
- الشراء المباشر من السوق” open market purchase “ والوصول إلى حصّةٍ تُمكِّنُ الراغب بالاستيلاء من التأثير في قراراتِ الشركة وإدارتها (2 pp261). لكن في حالة الشركات ذات قاعدة المساهمين الكبيرة والمتشتّتة - على امتداد الولايات المتحدة أو العالم مثلًا - قد لا تكون تلك الحصة مسيطرةً بالضرورة على نحوٍ كبير؛ إذ يمكن لصاحب حصةٍ من 10% أو 20% من أسهم الشركة أن يؤثر على نحوٍ فعالٍ وجوهري في الإدارة وقراراتها ليسهل عملية الاستيلاء، أو من أجل تحويل العلاقة بين الشركتين إلى علاقة شركة قابضة وتابعة. وذلك الإجراء أقل تعقيدًا (2 pp18).
- التقدم بعرض شراء “tender offer” لإدارة الشركة المُستهدفة؛ إذ تَعرض شركةٌ ما (وفق مُهلة محددة أحيانًا) على الشركة المُستهدفة شراء الحصة المطلوبة من أسهمها من المُساهمين مُقابل سعر ثمن مُعين للسهم الواحد هو غالبًا أعلى مما هو عليه في السوق، أو المبادلة بعددٍ مُعين من أسهم الشركة الأولى بوصفه بديلا غير نقدي لتمويل العملية. وفي حال قبلت الشركة المُستهدفة العرض تُسمى العملية بالاستيلاء الودي “friendly takeover”. لكن أحيانًا؛ وقبل تقديم ذلك العرض، تتواصل الشركة الراغبة بالاستيلاء مع إدارة الشركة المستهدفة لتعرض نواياها بالاستيلاء عن طريق التقدم بعروض شراء الأسهم مباشرة للمساهمين أو ترتيب اتفاق مع الإدارة بغرض الاستيلاء، وتُعرف تلك الاستراتيجية "بعناق الدب “bear hug strategy”، وفائدة تلك الاستراتيجية بأنها قد تمحي الطابع "العدائي" عن الاستيلاء من ذهن المُساهمين وكذلك الإدارة التنفيذية والموظفين، كيلا يتأثر ولاؤهم للشركة بعد الاستيلاء. وأحيانًا يشتري الراغب بالاستيلاء بعض أسهم الشركة من السوق كموطئِ قدمٍ “toe hold”، ذلك قبل لفت انتباه السوق والإدارة إلى وجود نية بالاستيلاء، وقد يكون الهدف من ذلك هو تجنب دفع علاوةٍ على سعر السهم السائد في السوق وتخفيض تكاليف الاستيلاء، إضافةً إلى ممارسة ضغطٍ أكبر على الشركة المستهدفة كون الراغب بالاستيلاء أصبح مساهمًا في الشركة، ذلك لأنه يتمتع بحقوق المُساهم العادي أمام إدارة الشركة (2،4).
- في حال فشل المفاوضات مع إدارة الشركة المُستهدفة وتعذُّرِ الوصول إلى حصةٍ مُسيطرة أو قادرة على التأثير جوهريًّا في إدارة الشركة؛ يُمكن للراغب بالاستيلاء إجراء ما يُسمى بحرب الوكالة "proxy fight"؛ إذ يسعى الراغب بالاستيلاء - على نحوٍ سياسيٍّ أشبه بالحملة الانتخابية - إلى ضم أصوات المساهمين إلى جانب صوته والتصويت في الجمعية العمومية للشركة المُستهدفة لصالح تغيير مجلس الإدارة الحالي (الرافض لعرض الشراء). وقد تُنفَّذُ تلك الاستراتيجية عن طريق التواصل مُباشرة بالبريد الالكتروني أو الهاتف مع عددٍ من المُساهمين وخاصة الكبار والمؤسساتيين منهم (شركات أُخرى)، فضلًا عن إجراء الحملات الإعلانية، وقد يُستعانُ باستشاريين لترتيب تلك العملية والتواصل مع المُساهمين من أجل تشكيل ما يسمى مجموعة متمردة من المساهمين (2،5).
إضافة للأساليب السابقة لتجميع الأعمال من استحواذ واندماج؛ توجد عدة أساليب أُخرى مشابهة لا تتضمن تغييراتٍ جوهرية على إدارة الشركة وملكيتها ومستقبل أعمالها، ونذكر منها:
4- المشاريع المشتركة - Joint Ventures
تدخلُ شركتان أو أكثر في اتفاقٍ لتحقيق هدفٍ مُشترك؛ إذ يؤمِّنُ كلٌّ من طرفي الاتفاقية جزءاً من الموارد المطلوبة، كالتمويل أو الموجودات الملموسة وغيرها. وقد يأخذ المشروع المشترك أشكالًا قانونيةً مُختلفة، وكأنه شركةٌ قائمة بحد ذاتها، فقد يكون المشروع المشترك هو عبارة عن شركةٍ محدودةِ المسؤولية مثلًا. مثال ذلك؛ المشروع المشترك السابق Caradigm بين Microsoft وGeneral Electric والذي قدمت فيه Microsoft المعطيات والأنظمة الذكية- عن طريق إحدى شركاتها التابعة- وقدمت General Electric العديد من التقنيات؛ وذلك في مسعىً لتقديم منتجاتٍ جديدةٍ مُتعلقة بالرعاية الصحية. ويمكن لأصحاب المشروع المشترك إما تصفيته وإما أن يبيع كل منهم حصته في المشروع (6،2 pp19).
5- التحالفات الاستراتيجية - Strategic Alliances
تشابه ترتيبَ المشاريع المُشتركة من ناحية الهدف من إقامتها، وهو تحقيقُ هدفٍ معين مُشترك بين شركتين أو أكثر بتقديم كل من أطراف التحالف بتقديم ما يلزم. لكن يتصف بأنه أقل كلفة؛ ذلك بأنه لا يحتاج غالبًا إلى إنشاء شركة أُخرى كما في المشاريع المُشتركة، إضافةً إلى أنه أكثر مرونة؛ فيمكن إنشاء التحالف وتفكيكه على نحو فوري غالبًا عند عدم الحاجة إليه. لكنه قد يعرض أطراف التحالف إلى سلوكيات انتهازية من أطراف التحالف الأُخرى، فأطراف التحالف قد تشارك معلومات واستراتيجيات سرية إضافةً لموجوداتٍ ملموسة ومعنوية ذات أهمية كبيرة. ومثال على ذلك هو التحالف الاستراتيجي بين شركةCisco الأميركية وبنك Softbank الياباني في العام 2001؛ إذ ساعد البنك Cisco على التغلغل في السوق اليابانية من خلال معرفته ببيئة الأعمال الرقمية في شرق آسيا، بينما ساعدت Cisco البنك على سد احتياجاته من السيولة النقدية آنذاك عبر مواردها المالية الضخمة (2 pp21،7).
في الختام؛ نُذكِّرُ بأنَّ عمليات تجميع الأعمال قد لا تجري تمامًا كما ذكرنا لعدة أسباب منها وجود تشريعاتٍ تحولُ دون إتمام عمليات الاستحواذ والاندماج والاستيلاء دون موافقة الهيئات الاشرافية، وذلك لأسباب قد تتعلق بتكريس المنافسة ومنع الاحتكار مثلًا، أو حتى لأسبابٍ سياسة. وقد تجري تلك العمليات عن طريق خليطٍ من الاستراتيجيات السابقة؛ فمثلًا يعرض الطرف الراغب بالاستيلاء عند إجراء المفاوضات مع إدارة الشركة المُستهدفة بالاستيلاء إما قبول عرض الشراء وديا أو القيام بحرب وكالةٍ للإطاحة بالإدارة الرافضة للاستيلاء. وغالبًا ما تُستخدَمُ مصطلحاتُ الاستحواذ والاندماج والاستيلاء على نحوٍ مُتبادل نظرًا لأوجه الشبه بينها فضلًا عن وجودِ أهدافٍ مشتركة فيما بينها. وقد يكون الراغب بالاستيلاء شخصًا طبيعيًا أو شركة.
المصادر:
2- Gaughan PA. Mergers، Acquisitions، and Corporate Restructurings. 3nd ed. Wiley; 2002. Available from: هنا
3- Chen J. Hostile Takeover [Internet]. 2020. Available from: هنا
4- A. Hayes. Tender Offer [Internet]. 2020. Available from: هنا
5- Chen J. Proxy Fight [Internet]. 2020. Available from: هنا
6- M. Hargrave. Joint Venture (JV) [Internet]. 2020. Available from: هنا
7- W. Kenton. Strategic Alliance [Internet]. 2020. Available from: هنا