المدن الذكية؛ فرص وتحديات

لا يُعدُّ مفهوم المدن الذكية جديدًا؛ إذ تطور هذا المصطلح منذ ظهور حركة النمو الذكي في نهاية التسعينيات والتي حظيت باهتمام مخططي المدن لإدارة النمو الحضري. وتركِّز التعاريف التي تناولت مفهوم المدن الذكية على فكرة دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) مع الاستثمارات في الموارد البشرية والبنية التحتية الحضرية والخدمات لخلق نمو اقتصادي مستدام ومستوى حياة مرتفع للسكان. وتستجيب المدن الذكية للاحتياجات اليومية للسكان والاحتياجات البيئية والخدمات والأنشطة الصناعية والتجارية؛ إذ يشمل تطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إدارة المدينة والتعليم والرعاية الصحية والمرافق السكنية والنقل وغيرها عن طريق جمع البيانات باستعمال شبكة من أجهزة الاستشعار والأنظمة الذكية لتحليلها وتحسين وتطوير أداء الخدمات المختلفة على نحوٍ مستمر ومتزامن (1). 

ومن المشاريع التي أُعلن عنها لتكون مقترحًا لمدينة ذكية في الوطن العربي؛ مدينة نيوم (Neom) في الموقع الذي اقترح شمال غرب المملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر بوصفه موقعًا إستراتيجيًّا مهمًّا ويتمتع بمناخ مناسب وميزات طبيعية (2).

ولكن هل سنحتاج حقًّا إلى مدن ذكية لمعالجة مشكلات النمو العمراني والتضخُّم السكاني؟

يسبب التضخُّم السكاني العديد من المشكلات كالتلوث والفقر المتزايد (3)، ومن المتوقع وفق تقرير قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة للعام 2018 م أن يعيش قرابة 68% من السكان في المناطق الحضرية بحلول العام 2050 م (4).

وقد طُرِحت فكرة المدن الذكية بوصفها حلًّا فعَّالًا للمشكلات الناتجة عن التحضُّر والنمو العمراني (5)، لذلك تسعى العديد من البلدان إلى تطبيق المفاهيم الذكية لتحسين استعمال الموارد الطبيعية وشبكات توزيع الطاقة والبنى التحتية للنقل، إضافةً إلى تطوير الاستفادة من رؤوس الأموال والموارد البشرية، وهنا يبرز مفهوم المدن الذكية لبناء بيئة حضرية مستدامة وتحسين جودة الحياة (6)؛ إذ تُجمع البيانات عن طريق عدد من الأنظمة والمستشعرات الموزعة ضمن المدينة والتي توفر المعلومات لاستعمالها في إدارة الموارد المختلفة من أجل التحكم وإدارة العديد من الخدمات كأنظمة المرور والنقل وأنظمة التزويد بالمياه وعمليات إدارة النفايات (7).

وعلى الرغم من أن فكرة المدن الذكية تشكل تحولًا رئيسيًّا في تطور حركة التحسين العمراني في جميع أنحاء العالم، ولكن يتساءل منتقدو هذه الفكرة إن كان التركيز على التطور التكنولوجي وتطبيقاته في المدن سيساهم وحده في حل المشكلات التي تعاني منها المناطق الحضرية؛ إذ يُقَيَّم دور التقنيات الذكية وفقًا لقابليتها للاستعمال من قبل المواطنين وقدرتهم على التواصل والاندماج بالمجتمع عن طريقها. وقد يؤدي الاعتماد على هذه التقنيات المتطورة في البلدان النامية إلى خلق أنموذج يحدُّ احتياجات ومتطلبات السكان بسبب تركُّز الأنظمة التقنية في أيدي مجموعات محددة في المجتمع (8)، فتطبيق حلول المدن الذكية يمكن أن يكون معقَّدًا لاختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بين المدن واختلاف احتياجاتها، إضافةً إلى ما يتطلبه تطبيق هذه الفكرة من مواكبة التطورات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) والتي تحتاج اقتصادًا قويًّا (5).

فإلى أية درجة يمكن أن تصبح هذه الفكرة قابلةً للتطبيق في بلدان العالم الثالث؟ وهل سيؤدي الاعتماد عليها إلى حدِّ الزحف العمراني وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا الحضرية؟

المصادر: