البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي
أوراقٌ بحثية تواجه خطرَ العلوم الزائفة
يُعرَّف العلم الزائف بمجموعةٍ من المعتقدات ذات الصلة في العالم، التي يُنظر إليها عن طريق الخطأ على أنها تستند إلى المنهج العلمي، أو على أنها تتمتع بالمكانة التي تتمتع بها الحقائق العلمية.
ويفترض عديدُ من المؤلِّفين أن كل علم زائف يحقِّق المعيارين الآتيين:
- أنه ليس علميًّا.
- يعدُّ جزءًا من عقيدة يحاول مؤيدوها الرئيسون خلقَ انطباعٍ بأنها تمثل المعرفة الأكثر وثوقية في موضوعها (1).
ومع ظهور المجلات ذات التأثير المنخفض والمجلات المفترسة، أصبح التنقل بينها أكثر صعوبة على القارئ غير المختصّ، لا سيّما عندما بدأت بعض المجموعات بترويج العلم الزائف عن طريق المجلات العلمية. وبذلك؛ باتَ من المهم أكثر من أي وقتٍ مضى أن يكون الباحث والقارئ قادرين على فرز الغث عن الثمين، والتعامل مع الأوراق البحثية المنشورة بعينٍ مشكِّكة.
إذ يستخدمُ أنصار العلوم الزائفة حيلًا شائعة عدة؛ لجعل أوراقهم البحثية تبدو أكثر مصداقية عما هي عليه في الواقع، وتختلف هذه الحيل مع اختلاف أقسام الورقة البحثية الرئيسة (2)، منها:
في الملخّص (Abstract):
يُعدُّ ملخص الورقة البحثية الأصيلة خلاصةً لكل قسم رئيس من المقال، وغالبًا ما يتيح للباحثين التعرف إلى الأساليب والاستنتاجات الرئيسة دون قراءة النص الكامل أحيانًا؛ إذ يعكس الملخص محتوى الورقة بدقة غالبًا.
ومع ذلك؛ يمكن لمؤيدي العلم الزائف تشويه الملخص عن طريق ذكرهم مجموعة من النقاط والادعاءات غير الموجودة في نص الورقة البحثية، وصياغتهم نتائج لا تبررها البيانات، أو عند اختيارهم النتيجة الأكثر إثارةً للإعجاب وتجاهل الباقي أو التقليل من شأنها بطريقة مخادعة؛ مستغلين عدم قدرة بعض الباحثين على الحصول على نص الورقة الكامل، أي عدم تمكنهم من تفنيده نقديًّا، والاكتفاء بالملخصات فقط في كثير من الأحيان؛ الأمر الذي يعطي تصورًا مضللًا عن محتوى الورقة، فتُنشر قوائم طويلة من الملخصات والروابط لمقالاتٍ زائفة عبر الإنترنت (2).
في منهجية البحث وطرائقه (Methods):
تصف الأوراق البحثية في هذا القسم منهجية البحث من المواد المختلفة المستخدَمة في الدراسة (الخلايا، والكائنات الحية الأنموذجية، والتجمعات البشرية وغيرها)، والاختبارات والقياسات المختلفة والمعالجات التي أُجريت، إضافةً إلى تحديد المعايير والضوابط المستخدَمة وطريقة التحليل الإحصائي للنتائج.
في حين تتميز الأوراق العلمية الزائفة بعديد من العيوب المنهجية التي تتلخص بعيِّنات غير ممثّلة للمجتمع غالبًا، وغير كافية عشوائيًّا، واستخدام كائن غير ملائم للتجربة والبحث، ومثال ذلك ورقة Séralini التي سُحبت مؤخرًا؛ إذ استخدم الباحثون فيها سلالة الفئران التي تطور الأورام تلقائيًّا من أجل اختبار ما إذا كانت الأطعمة المعدَّلة وراثيًّا تجعل الفئران تصاب بأورام، إضافةً إلى مشكلة رئيسة تتمثل في الافتقار إلى الضوابط المناسبة والمعالجات الإحصائية المضللة أو غير المناسبة للبيانات، مثل استخدام اختبار الدلالة الإحصائية الخاطئ (2).
في نتائج البحث (Results):
يضم قسم النتائج عادةً جداول ومخططات ورسوم بيانية تعرض نتائج البحث الرئيسة - متضمنة أحجام التأثير ونسبة الخطأ - ونتائج الاختبارات الإحصائية، ويصف الاستنتاجات التي توفرها الجداول والرسوم البيانية ويلخِّصها، فيمكن الحصول على جوهر النتائج؛ إما عن طريق التحقق من الرسوم البيانية وقراءة نصوص الرسم البياني وإمّا عن طريق النص الأساس.
قد يتكوّن في الأوراق الزائفة انطباعٌ مضلل عن الاختلافات الكبيرة بين المجموعات بطريقة متعمَّدة، ولذلك من الضروري التحقق من مكان بدء كل محور ومدى بُعد كل خطوة على المحور. إضافةً إلى مشكلة شائعة وهي فقدان الانحراف المعياري أو درجات الثقة أو عدم تحديدهما؛ ما يعني أن الاختلافات غير قابلة للتفسير لعدم معرفة الاختلاف داخل المجموعة.
ويُستخدَم حجم عينة غير محدَّد أو مشوه غالبًا؛ مما يؤثر سلبًا في تفسير أي اختلافٍ في النتائج، إضافةً إلى الاختيار الانتقائي لتجربةٍ واحدة أحيانًا لإظهارها على أنها "ممثلة" لمجموعة التجارب كُلََّها.
وتبقى النقطة الأهم التي يمكن ملاحظتها بعد قراءة قسم النتائج؛ التناقض بين هدف البحث ونتيجته (2).
في المناقشة (Discussion):
تُناقش الأوراق البحثية عادةً نتائج البحث وتضعها في السياق الأوسع، وتحرص الأوراق العالية الجودة على التأكد من تناسُب الاستنتاجات مع النتائج، وتجنّب الادعاء، وتُوفّر مناقشةً شفافة لنقاط الدراسة المحدَّدة.
ولكن غالبًا ما يُضخِّم مؤيدو العلم الزائف الأهمية العملية لنتائجهم، في حين يقللون من أهمية النقاط المحدِّدة لدراستهم؛ مستخدمين على أقل تقدير ثلاث طرائق شائعة للإفراط في تفسير نتائج البحث، وهي:
- الخلط بين الأهمية الإحصائية والعملية: فقد تُحقِّق النتائج دلالة إحصائية، ولكنها أصغر من أن تكون ذات صلة أو تُعمّم في السياق العلمي.
- استنتاج السببية من علاقات الارتباط: إذ لا يعني مجرد اختلاف عاملين أن أحدهما تسبَّب في حدوث الآخر، فقد يكون العكس هو الصحيح (السببية العكسية)، أو يمكن أن يكون كلاهما سببًا لحدوث الآخر (السببية ثنائية الاتجاه)، أو أن شيئًا آخر قد سبّب كليهما (وجود المتغيِّر الثالث).
- تجاهل النقاط المحدِّدة للدراسة: نادرًا ما يكتب مؤيدو العلم الزائف أوراقًا تتضمن مناقشةً مناسبة وكافية للنقاط المدرَجة في أبحاثهم؛ مما يسبِّب تضليلًا للقارئ، وقد ينبع ذلك أحيانًا من جهلهم بالعلوم الأساسية ومنهجية البحث المناسبة (2).
ونظرًا لتفاقُم حجم الأزمة وانتشار المعلومات المضللة وغير المنطقيّة في ظل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي المساعِدة على ذلك، والاستغلال العلمي من قبل الجهات الفاعلة وتضخيمها رسائل العلوم الزائفة؛ يتعيّن على الباحثين الدفاع عن جودة المعلومات عمومًا والصحية خصوصًا، وعدم التسامح في المعلومات الزائفة وإضفاء الشرعية عليها، وعلى وجه الخصوص في الجامعات ومؤسسات الرعاية الصحية.
إذ من غير المناسب للباحثين أن يتركوا المعلومات المضللة تمر دون ملاحظة؛ خصوصًا في أثناء الكوارث.
ويجب مشاركة أصحاب الاختصاصات ذات الصلة بتقديم محتوىً دقيق وبسيط وقابل للمشاركة يشرح - ويدحض في آن معًا - سبب عدم دقة المعلومات الزائفة وعدم صحتها علميًّا.
وتبقى المصداقية العلمية والشفافية العامل الرئيس لدحض ادعاءات مروّجي نظريات المؤامرة وتعزيز ثقة القارئ في العلم (3).
المصادر: