البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
كيف تزيد قلة النوم خطرَ الإصابة بتصلبِ الشرايين؟
يُعدُّ النوم المتقطّع أو غير الكافي إحدى المشكلات الصحية ذات الأهمية المتزايدة، إذ تزيد قلة النوم خطرَ الإصابة بالسمنة والسكري والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، إلا أنّ الآلياتِ الرئيسة التي تربط النومَ بهذه الأمراض لا تزال غيرَ معروفةٍ حتى الآن (1). سنتناول في هذا المقال العلاقةَ بين اضطراباتِ النوم وزيادة خطر الإصابة بالتصلب العصيدي أو تصلب الشرايين (Atherosclerosis).
يتطور تصلب الشرايين نتيجةَ تشكل اللويحات العصيدية (Atherosclerotic Plaques) في جدران الشرايين الكبيرة مما يعيق الجريانَ الدمويَّ ويزيد خطرَ الإصابة باحتشاء العضلة القلبية. يُعَدُّ ارتشاح كريات الدم البيضاء إلى داخل جدران الأوعية الدموية القوةَ المحركةَ لنمو هذه اللويحات، إذ تدخل الكريات البيضاء جدرانَ الشريان حيث يتراكم البروتين الدهني المنخفضُ الكثافة مما يؤدي إلى تطويرِ استجابةٍ التهابيّةٍ مزمنة (2).
ووجدت مجموعةٌ من الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية عند دراسة الفئران التي تعاني اضطراباتٍ في النوم أنّ الدماغَ يرسلُ إشاراتٍ إلى نقي العظام ليحفز إنتاجَ كريات الدم البيضاء مما يزيد أعدادَ الوحيدات والعدلات في الدم ومن ثم يزيد خطرَ الإصابة بتصلب الشرايين. ولاحظوا أيضاً وجودَ انخفاضٍ في التعبير عن بروتين الهيبوكريتين (Hypocretin) من منطقة ما تحت المهاد الوحشي؛ وهو ببتيدٌ عصبي مسؤولٌ عن الحفاظ على حالة اليقظة، إضافةً إلى أنه ينظم الاستقلابَ والنومَ والشهية. تؤدّي المستويات المنخفضة من الهيبوكريتين إلى اضطرابٍ نادرٍ يسمى النومَ القهري (1) (Narcolepsy) -وهو اضطرابٌ يؤدي إلى صعوبةٍ في الحفاظ على حالة اليقظة فترةً طويلةً من الزمن في خلالِ النهار (3)- ويولد حالةً مناعيةً محرِّضةً للالتهاب.
وعندَ دراسةِ الفئران المعدَّلة وراثياً غيرَ القادرةِ على التعبير عن الهيبوكريتين؛ وجد الباحثون أنّ هذه الفئرانَ تمتلك عدداً أكبرَ من كرياتِ الدم البيضاء وأنّ تصلبَ الشرايين لديها أكثرُ شدةً مقارنةً مع الفئران القادرةِ على التعبير عن الهيبوكريتين. وأدى إعطاءُ هذا الببتيد للفئران التي تعاني اضطراباتِ النوم أيضاً إلى تقليل إنتاج كريات الدم البيضاء وتقليل شدةِ تصلب الشرايين، مما يشير إلى أنّ انخفاضَ مستوى الهيبوكريتين له دور رئيس في تصلبِ الشرايين الناتجِ عن نقصِ النوم (1).
يملك الهيبوكريتين نوعين من المستقبلات، يُعبَّر عن أحدهما على نحوٍ كبيرٍ في خلايا نقي العظام التي تولد العدلات. تستجيب هذه الخلايا المولدةُ للعدلات للمستوياتِ المنخفضة من الهيبوكريتين عن طريقِ زيادة إنتاج البروتين (CSF1 - Colony Stimulating Factor 1) الذي يعزّز إنتاجَ كرياتِ الدم من الخلايا الجذعية في نقي العظام (1)، إضافةً إلى تأثيره المباشر في جدرانِ الشرايين؛ إذ يحفز نضجَ الوحيداتِ إلى الخلايا البالعة (4).
ونظراً إلى أدوار الهيبوكريتين الفيزيولوجية المهمة؛ طوّرت شركاتٌ دوائيةٌ عديدةٌ عقاقيرَ تستهدف مستقبلاتِ الهيبوكريتين لعلاجِ اضطرابات دورة النوم واليقظة مثل الأرق أو النوم القهري، فقد تحققتِ الموافقةُ على العقار (Suvorexant) في أواخرِ عام 2014 من قبل إدارةِ الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج الأرق، وهو حاصرٌ لمستقبلاتِ الهيبوكريتين، ويعدُّ الدواءَ الأول من نوعِه في السوق، وقد أظهر فعاليةً في تحسينِ نوعية النوم إضافةً إلى تخفيفه من حدةِ القلق والاكتئاب (5).
قد تكشف الدراساتُ المستقبليّة المزيدَ من الآلياتِ التي تربط بينَ اضطرابات النوم ومخاطرِ تطور أمراض القلب، مما قد يقود إلى تطويرِ إستراتيجياتٍ علاجيةٍ جديدةٍ لعلاج هذه الاضطراباتِ المنتشرة على نحوٍ كبير.
المصادر:
2. Döring Y, Drechsler M, Soehnlein O, Weber C. Neutrophils in atherosclerosis: from mice to man. Arteriosclerosis, thrombosis, and vascular biology. 2015 Feb;35(2):288-95. هنا
3. Guilleminault C. Narcolepsy. InSleep Disorders Medicine 1994 Jan 1 (pp. 241-254). Butterworth-Heinemann. /B9780750690027500239'>هنا" target="_blank" rel="noopener noreferrer">هنا
4. Rajavashisth T, Qiao JH, Tripathi S, Tripathi J, Mishra N, Hua M, Wang XP, Loussararian A, Clinton S, Libby P, Lusis A. Heterozygous osteopetrotic (op) mutation reduces atherosclerosis in LDL receptor-deficient mice. The Journal of clinical investigation. 1998 Jun 15;101(12):2702-10. هنا
5. Nakamura M, Nagamine T. Neuroendocrine, autonomic, and metabolic responses to an orexin antagonist, suvorexant, in psychiatric patients with insomnia. Innovations in Clinical Neuroscience. 2017 Mar;14(3-4):30. هنا