الفنون البصرية > أيقونات فنية خالدة
جماجم زاهية؛ آندي وارهول وهوس الموت
لمحة عن حياة وارهول Warhol:
آندي وارهول (Andy Warhol) أحدُ أنجح رسامي المجلّات والإعلانات، وأصبح في ستينات القرن العشرين رائدًا لحركةِ فنِّ البوب (Pop art)، وقد جرّب العديد من الأشكال الفنّيّة، مثل، فنون الأداء، وصناعة الأفلام، وتجهيز الفيديوهات والكتابة، وأثار الجدل بدمجه الحدود بين الفنون الجميلة والنَّظريّات. [1]
وُلِدَ أندرو وارهول (Andrew Warhola) بتاريخ 6/آب/1928 في حي أوكلاند (Oakland) في مدينة بيتسبورغ (Pittsburgh)، في بنسلفانيا (Pennsylvania) لأبوين مهاجرين من أصول سلوفاكية، والده يعمل في البناء، ووالدته تعمل في التطريز، في الثامنة من عمره أُصيب وارهول بمرض عصبي خطير جعله طريح الفراش لعدّة أشهر، وخلال هذه الفترة أعطته والدته دروسه الأولى في الرسم، والذي أصبح فيما بعد هواية الطفولة المفضّلة لـ وارهول، وكان من أشد هواة الأفلام، وبدأ بالتصوير في سن التاسعة بكاميرا اشترتها له والدته، وأنشأ غرفة لإظهار الصور في قبو المنزل. [1]
في سن الرابعة عشر توفّي والده بيرقان الكبد، وكان قد أدرك قبل وفاته موهبة ابنه الفنيّة، فأملى في وصيّته أنْ تذهب مدَّخراته إلى التعليم الجامعي لـ وارهول، وفي عام 1945م التحقَ وارهول بمعهد كارنيجي للتكنولوجيا (the Carnegie Institute for Technology) لدراسة التصميم التصويري. [1]
بعد تخرّجه في الجامعة بشهادة جامعيّة بالفنون الجميلة عام 1949م انتقل وارهول إلى نيويورك ليمارس مهنته بوصفه فنانًا مصممًا للإعلانات، ثمّ حصل على عملٍ لدى مجلة جلامور (Glamour) وأصبح أحد أكثر الفنانين نجاحًا في خمسينات القرن العشرين، وحصدَ العديد من الجوائز على أسلوبه -غريب الأطوار- المتفرّد باستخدام الخطوط النقطيّة والقوالب المطاطيّة لإنشاء رسومه. [1]
في عام 1961م، طرحَ وارهول مصطلحَ فنِّ البوب (pop art) الذي يركّز على العلامات والسّلع التّجاريّة ذات الإنتاجِ الضّخمِ، وفي 1962م عرضَ لوحات لما يُعرف بعلبِ حساء كامبل، أحدثتْ هذه اللوحات الصّغيرة ضجّة كبيرةً في عالمِ الفنّ، وجعلتْ كل من البوب أرت ووارهول تحتَ الأضواءِ للمرّةِ الأولى، وفي عامِ 1964م افتتحَ وارهول الأستوديو الفني الخاص به، والذي كان مستودعًا كبيرًا مطليًّا بالفضّةِ، وعُرف باسم المصنع "The Factory" والذي أصبح أهم المراكز الثقافية في نيويورك، وشهِدَ العديد من الحفلات الضّخمة التي حضرها أثرياءُ ومشاهير نيويورك. [1]
أطلقتْ فاليري سولاناس (Valerie Solanas) النارَ على وارهول عام 1968؛ وسولانس كاتبةٌ طموحةٌ وناشطةٌ نسويّة متطرّفة كانت قد ظهرتْ في أحد أفلام وارهول وطلبتْ منه استخدامَ النص الذي قدّمته له عدّة مرات ورفضه أيضًا على نحوٍ متكرر. أُصيب بجروحٍ خطيرةٍ وخضعَ لعدّة عمليّات جراحيّة، ممّا أثّرعلى نحوٍ دائمٍ على صحّته واضطرّه لارتداء المشدّ الجراحيّ طيلة حياته بعد ذلك.
وصف الفنّان البريطانيّ ريتشارد هاميلتون فنَّّ البوب بأنّه "شعبيٌّ، ومؤقّت، قابلٌ للاستهلاك، ومنخفضُ التكلفة، إنتاجه ضخم، حديثٌ، وفكاهي، جذّاب، جاذب للانتباه وساحر"، وقال وارهول بنفسه: "بمجرّد أنْ ترى فنَّ البوب، لن تستطع أن تشاهد اللافتات الإعلانية بنفس الأسلوب مجددًا، وبمجرّد أن تفكّر بفنّ البوب لن تستطيع أن ترى أمريكا بنفس الشكل مجددًا" [1]
ما هو النمط الفني الذي اتبعه الفنان؟
يُعرفُ فنّ البوب أنّه الفنّ الذي يُستخدم فيه الأشياءَ الشّائعة، مثل، الرّسوم الهزليّة وعبواتِ الحساء وعلاماتِ الطّريق، وتُدمجُ في العمل الفنّيّ. كانتْ حركةُ فنّ البوب ظاهرةً ثقافيّةً فنيّة بريطانيّة وأمريكيّة في أواخرِ الخمسينات والستينات من القرنِ العشرين، وتميّز الفنّانون مثل آندي وارهول (Andy Warhol)وتوم ويسلمان (Tom Wesselman)وكليس اولدنبورغ (Claes Oldenburg) بتصوريهم لأيّ شيءٍ وكلّ شيء من الحياةِ الشعبيّةِ والّثقافيّة العامّة، والتي كان لها تأثيرٌ قويٌّ على الحياة المعاصرة.
تفرّدَ وارهول بالنّمط شديدِ الدّقّة الذي كانَ يمثّل فيه معلبّات الشّوربة المكرّرة وعُلَبِ الصّابون وأواني المشروبات الغازية (2) مثل الكوكا كولا، ورسمِ المكانس الكهربائيّة ووجباتِ الهامبرغر، ورسمَ صور المشاهير بألوانٍ زاهيةٍ وصارخة، من أشهرها كان لوحة (لمارلين مونرو، وإليزابيث تايلور، وميك جاغر، وماو تسي تونغ)، وعندما اكتسبتْ هذه اللوحات الشّهرة، تلقّى وارهول مئاتِ الطّلبات لرسمِ شخصيّاتٍ اجتماعيّة ومشاهير.(1) كانَ وارهول من أهمّ الأسماء التي استخدمتْ فنَّ الطّباعة على الشّاشة الحريريّة في ذلك الوقت، وبذلك استطاعَ إنتاج طبعاتٍ مكرّرة مِنْ نفسِ العنصرِ الذي يريد إنتاجه، وهذا ما امتاز به.(2)
شكّلَ فنُّ البوب حدثًا ثقافيًا بسبب انعكاسه المباشر عن جوانب اجتماعية معيّنة، وسهولة فهم لوحاته، التي استُخدِمت من قِبلِ وسائل الإعلام، ووصفه النقاد بأنّه فنٌ مبتذل، مثيرٌ، لا يتّسم بالجّمال المباشر ولا يهتمّ به بكونه موضوعًا أساسيًّا في أعماله، وهو فنٌّ فكاهيٌّ ناقدٌ للواقع، إلّا أنَّ أنصارَ هذا الفنِّ رأوا فيه فنًّا ديمقراطيًّا يخلو من التمييز، ويزيل الحدود بين الخبراء والمشاهدين ممّا يمكن اعتباره فنًّا شعبيًّا. [2]
تحليل اللوحة:
رسمَ الفنان هذه اللوحة عام 1976، وتتألّف لوحة الجماجم من ستّة لوحات، تُعرض جميعها في شبكة عمودية تتألّف من ثلاثة صفوفٍ وعمودين، تتكرر في كلّ لوحة نفس الصورة لجمجمة بشريّة تستريح على سطحٍ مستوٍ وتُرى من زاويةٍ مرتفعةٍ قليلًا، التُقطت الصورة من قِبل أحد مساعدي وارهول، التُقطت بالأبيض والأسود على قطعةٍ من الخشبِ فوقَ منضدةٍ مغطّاةٍ بورقٍ أبيض أمام جدار الأستوديو. استخدم وارهول تقنيّة الطّباعة على شاشة حريريّة (Silkscreen Printing) وألوان الأكريليك على قماش، وركّز وارهول على التقاط العديد من الصّور في أثناء تغيير موضع مصدر الضّوء، وكان مهتمًا بأشكال الظّلال التي تبرز في هذه الصورة الجبهة وعظام الوجه بوضوح، بينما تكون تجاويفُ العين وغيرها من تجاويف الوجه على نحوٍ غائرٍ وعميق. [3]
استُخدم طلاءُ البوليمر -بديل سريعُ الجفاف عن الألوان الزّيتية- كخلفيّة مطبوعة عليها صورة الجّمجمة على الشّاشة الحريريّة، واستخدم الألوان (الأحمر والأزرق والأصفر والأرجوانيّ) بدرجاتٍ زاهية، بصورة تتعارضُ مع فكرة الجّمجمة المروّعة، وقد ربطَ بعضُ مؤرخي الفنّ استخدام وارهول الجمجمة كعنصر متكرر في أعماله بهذه الفترة، بتعرّضه لإطلاقِ النّار الذي كادَ يودي بحياته عام 1968م، فبعدَ إطلاق النّار عليه وإصابته بجروحٍ خطيرةٍ في عام 1968م، أصبحَ وارهول أكثر هوسًا بموضوع الموت ممّا كان عليه مِنْ قبل، بينما اقترح آخرون سبب اهتمامِ وارهول بالجّمجمة هو استحضارُ الوجود البشريّ في لوحاته. لربّما يحاول وارهول هنا الاعترافَ بأنَّ الموتَ ليس شيئًا يُخشى منه، ولكن بدلًا من ذلك، يجبُ قبوله جزءًا من هذه الحياة.[3]
المصادر:
2. Article Title: Pop Art, The Editors of Encyclopaedia Britannica, [Original Published Date: Jul 20, 1998, last edited: Alicja Zelazko, Jun 01, 2020], [sited: 24, 10, 2020], Available from: هنا
3. TATE website: Andy Warhol, Skulls, 1976, Oliver Lurz, [Original Published Date: February 2012], [Cited: 24, 10, 2020], Available from: هنا
4. Moma Website:Andy Warhol, Available from: هنا