الهندسة والآليات > الطاقة
تقنية البيروفسكايت في تصنيع الخلايا الشمسية - مقدمة
لا يخفى على أحد التطور الكبير الذي شهدته صناعة الخلايا الشّمسية في السّنوات الأخيرة، لكنّ الأبحاث أصبحت أكثر نشاطاً في العقد الأخير. واحدة من أهم التقنيات التي أحرزت تقدماً كبيراً من حيث الإنتاج والمردود هي خلايا البيروفسكايت (Persovskite) والتي سنتعرف إليها في هذه السّلسلة من المقالات والتي تبدأ بهذا المقال.
البيروفسكايت أو ما يعرف باسمها الأصلي باللغة الانكليزية Perovskite تُعدّ في يومنا هذا واحدة من أهم التقنيات الحديثة المتبعة في تصنيع الخلايا الشمسية.
إن تسمية البيروفسكايت أخذت في يومنا هذا منحى آخر يطلق على تلك التقنية المستخدمة في تصنيع الخلايا الشّمسية من البيروفسكايت، لكن السؤال المطروح قبل التطرّق في هذه السّلسلة إلى هذه التقنية في تصنيع الخلايا الشّمسية، وتطبيقاتها، وأنواعها وأهميتها هو : ما هي البيروفسكايت ومن أين أتت هذه التسمية؟
البيروفسكايت هو اسم أطلق على معدن اكتُشف حديثاً في جبال الأورال في عام 1839 وذلك تكريماً للكونت
(Lev Alekseevich Perovski (1792 - 1856 والذي كان جامعاً للمعادن وشخصية بارزة في مجال التعدين في روسيا تحت حكم القيصر(1).
البيروفسكايت بوصفه معدنًا يُعد نادر الوجود نسبياً على سطح الأرض ويتشكل عن طريق مرحلة لاحقة من تشكل الصخور القلوية النارية والتي لا تُعد شائعة الوجود عموما(1).
تُعرّف الصخور القلوية النارية بأنها الصخور التي تحتوي على نسبة مرتفعة من المعادن القلوية ونسبة منخفضة من السيليكون، ويجب التنويه هنا إلى أن المعدن وجد أيضاً على شكل *Skarns.
من أهم ما يميز البيروفسكايت هي أن المعادن المشكلة لبنيتها موجودة بوفرة في مستويات الأرض العميقة نسبياً، وخاصة في وشاح الأرض الذي يشكل الجزء الأكبر من الأرض، وتؤدي دوراً مهماً في التكنولوجيا الحديثة على سبيل المثال: تخزين النفايات النووية، والموصلات الفائقة أو الخلايا الشمسية وغيرها(1).
الشكل 1 : قطعة من نمط ثماني الوجوه من البيروفسكايت من مركب ال Gardiner في شرق غرينلاند
يبلغ ارتفاع الحافة لهذه القطعة 1 سم( التقط الصورة : Ole Johnsen).
بنية البيروفسكايت:
البيروفسكايت هو ليس إلا التيتانات المتكون من أكسيد التيتانيوم حسب الصيغة CaTiO3 وينتمي إلى زمرة المعادن الفائقة وهذا ما يطلق على مجموعة المعادن ذات التركيب المتنوع سواء كانت مركبات طبيعية أم صناعية(1).
كل بيروفسكايت يحمل الصيغة ABX3 (في الصيغة السابقة CaTiO3 تمثلA عنصر الكالسيوم Ca وتمثل B عنصر التيتانيوم Ti وتمثل X عنصر الأكسجين O ) , لكنّ B قد توجد في بعض الأحيان في موقعين مختلفين وهذا ما يُعرف بالبيروفسكايت المزدوج الذي يحمل البنية A2BB'X6 . على نحو عام فإن هيكل البيروفسكايت هو عبارة عن هيكل ثلاثي الأبعاد بثمانية أوجه (BX6) كما يوضح الشكل (2) وتتوزع الأيونات الموجبة ( الكاتيونات) A في اثني عشر موقعاً، في حين أنه تتوزع الكاتيونات B في ست ثنائيات ( الشكل 2)، وعمومًا فإن جميع مجموعات البيروفسكايت تحمل هذا الهيكل أو هيكلًا مشتقًا منه (1).
يظهر الشكل (2-a) هيكل البيروفسكايت المثالي، أمّا من الناحية العملية فإن ثماني الوجوده ينحرف بدرجات متفاوتة كما يظهر الشكل (2-b) مما يؤدي إلى خفض التناظر مقارنةً بالمكعب الأصلي:
يمكن تقسيم البيروفسكايت إلى نوعين: المتكافئ وغير المتكافئ.
الصيغة العامة هي نفسها المعروفة ب ABX3, إذ يمثل الجزء A بعناصر ك:Ca2+, Mg2+, Ba2+, Na+, K أو غيرها من العناصر، أما الجزء B فيمثل بعناصر ك:Nb5+, Ti4+, Fe2+, Fe3+, Mg2+, Ca2+, Na+ وغيرها من العناصر.
الجزء X قد يكون: F-, O-2,Cl او SO4-2
يشتمل النوع المتكافئ على سائل بريدجمانيت، ذي الصيغة Mg,Fe)SiO3)
و النوع غير المتكافئ على الصيغة A2BB′X.
ابتداء بالعقد الأخير وخاصة في عام 2015 ، ازداد عدد المقالات البحثية المنشورة عن خلايا البيروفسكايت الشّمسية (PSC- Perovskite Solar Cells) ، مما يشير إلى الإمكانيات الكامنة في هذه المادة (2).
تُعد الخلايا الشّمسية القائمة على البيروفسكايت اليوم واحدة من أبرز الحلول الممكنة في صناعة الخلايا الكهروضوئية (**Photovoltaik) لاستخدام الخلايا الشّمسية غير المكلفة القابلة للمعالجة( غير مكلفة لسببين: الأول توفر المواد الأولية بسهولة في الطبيعة والثاني المردود المرتفع مما يجعل الإنتاج منها أكثر اقتصادية وهذا ما يعول عليه أكثر في السنوات القادمة). تتميز البيروفسكايت الهجينة بمزيج خاص من الكثافات السائبة المنخفضة وخصائص نقل الشحنة ثنائية القطب ومجالات أطوال جيدة لانتشار حوامل الشحنة (الإلكترونات) إضافة إلى خصائص الامتصاص الجيدة للأشعة الشمسية، مما يجعلها مناسبة للتطبيقات الكهروضوئية؛ إذ تعتمد الخلايا الكهروضوئية على مبدأ الامتصاص الأكبر للإشعاع الشمسي(2).
ما دفع الباحثين والعاملين في مجال الخلايا الكهروضوئية إلى زيادة الاهتمام بخلايا البيروفسكايت، مما أدى إلى التقدم السريع ومستويات المردود العالية نسبياً لهذا النوع من الخلايا؛ إذ تظهر التقارير ارتفاعاً في المردود من ٣% في عام ٢٠٠٦ إلى أكثر من ٢٥% في عام ٢٠٢٠، لكنّ هذه التقنية ما زالت تواجه بعض التحديات لتكون تقنية منافسة على المستوى التجاري(3).
ومع ذلك، فإن ضعف التصنيع من هذا النوع من الخلايا وعدم الثبات في أداء PSC يمثلان تحديًا كبيرًا في تحقيق أجهزة PSC عالية الكفاءة على نطاق واسع(2).
تلقى هذه التقنية اليوم انتشاراً أوسع من ذي قبل وتُستخدم في مجالات عدة. غالباً ما تُقارن تقنية ال PSC مع غيرها من التقنيات من حيث سهولة الاستخدام والوفرة والمردود، وكل تلك النقاط سيجري التطرّق لها في المقالات القادمة من هذه السلسلة، إذ سنناقش تطبيقات البيروفسكايت ومقارنتها بغيرها من التقنيات الحديثة.
السؤال المطروح هنا عزيزي القارئ: في أي المجالات يمكن استخدام الخلايا الشمسية عمومًا وخلايا البيروفسكايت خاصة؟ هل يقتصر الأمر على المجال الصناعي في إنتاج الكهرباء أو الطاقة الحرارية؟ أم أن الخلايا الشمسية أصبحت أكثر مرونة للاستخدام في مجالات أخرى؟ كم يبلغ المردود الأعلى لهذه التقنية وغيرها من التقنيات؟ كل هذه الأسئلة سيُجَاب عنها في المقالات القادمة.
(*): Skarns: هو ما يطلق على الصخور الهولوكريستالينية الضخمة أو المترسبة أو التي تكون غنية بمعادن سيليكات الكالسيوم ومن الممكن أن تحتوي على معادن خام، ويجري تشكيلها بتلامس الصخور أو عن طريق تغيير تركيب الصخور بإزالة المواد الكيميائية منها أو إدخالها(4).
(**):Photovoltaik: الخلايا الشمسية المصنوعة من مادة نصف ناقلة مهمتها امتصاص الإشعاع الشمسي وتحويله إلى تيار كهربائي من خلال تحرير إلكترونات وهو ما يعرف بالتركيب الكهرضوئي، وتعرف اختصاراً بالرمز (pv)(5).