منوعات علمية > العلم الزائف
تاريخ الأبراج والتنجيم
ظهر علم التنجيم مع وجود البابليون منذ أكثر من 3000 سنة في بابل؛ ويُعَدُّ أحد أقدم العلوم الزائفة التي نصادفها في يومنا هذا. لم يتمكن الفلكيون حينذاك من فهم مدى اتساع الكون؛ لكنهم راقبوا السماء بحماسٍ وجهدٍ شديدين وحاولوا ربط وجود النجوم في السماء بأحداث حياتهم، وافترضوا أنها قد تكون رموزًا حقيقية تخبرهم عن الآلهة والأساطير القديمة (1،2).
الأبراج السماوية قديمًا
في الألفية الأولى ما قبل الميلاد انتشرت مفاهيم أدبية واسعة عند البابليون عن الكواكب الطائشة التي سميت بأسماء الآلهة توافقيًا مع أحداث متزامنة؛ ففي الصيف يكون الوقت جيدًا لشن الحرب عند إشراق الكوكب الأحمر -المريخ- الذي سُميَ نيرجال "Nergal" (إله الحرب)، أما في فصل الربيع وعند ظهور كوكب الزهرة بعد غروب الشمس الذي سُميَ عشتار "Ishtar" (إلهة الحب)، فيكون وقتًا مناسباً لممارسة الحب أو البحث عنه (2).
وحوالي القرن السادس ما قبل الميلاد قسَّم البابليون الأبراج السماوية إلى اثني عشر برجًا تقع جميعها على طول مسار الشمس وراقبوا حركة الكواكب الموجودة على هذا المسار التي تُرى بالعين المجردة (عطارد والزهرة والمريخ وزحل والمشتري) إضافة إلى حركة الشمس والقمر (2,3).
درسوا حركة الكواكب في السماء وسجلوها بدقة واعتقدوا بأنها قد تدل على تحذيرات خاصة فيما سوف يحدث على كوكب الأرض. وأصبحوا يتنبؤون بموسم الأمطار والجفاف عن طريق مراقبة حركة الشمس، ولم يكونوا على درايةٍ أن الكواكب هي عوالمٍ أخرى تدور جميعها حول الشمس، بل ظنوا أنها آلهة غاضبة في السماء ترسل إلى كوكب الأرض تحذيرات بالأحداث الكارثية الكبيرة التي قد تحصل على كوكبنا (3,2).
ومع ظهور الزراعة تطورت علوم الكتابة والحساب والهندسة؛ ويشاع كثيرًا بأن البابليين استخدموا نظام العدّ الستيني وكانوا يحبونه بشدة لأن الرقم 60 يُحلل إلى كسور زوجية عديدة؛ فقسموا الدائرة إلى 360 درجة وقسموا الدرجة إلى ستين دقيقة والدقيقة إلى ستين ثانية، واستفادوا من ذلك في تطوير علم الفلك، فقد أصبح بإمكانهم التنبؤ بمواقع النجوم في السماء (4).
ووفقاً للكتب التاريخية، تجاهل البابليون حقيقة أنهم اكتشفوا أن الشمس تمر ثلاثة عشرة كوكبة وليس اثني عشر، ذلك لكي يتماشى عدد أبراجهم التي وضعوها مسبقًا مع التقويم السنوي لدوران الشمس حول الأرض وحددوا بذلك الفترة الزمنية لكل برج على امتداد الأشهر الاثني عشر (1).
التنجيم عند اليونان والرومان
يعود تاريخ أقدم مخطوطة في التاريخ إلى عام 410 ما قبل الميلاد، ويُعتقَد أنها البداية الحقيقية للتنجيم. وفي أثناء الفترة الكلاسيكية عندما هيمن كل من اليونان والرومان على التنجيم، استهزأ الفلكيون اليونانيون من الكلدان (المنجمون البابليون) ومن عبادتهم التي رأوها مزيجًا مثيرًا للسخرية من الدين وعلم الفلك البدائي (2).
وبدأ المنجمون يتوسعون في مجالات استخدامه؛ فتنبأ البابليون في البداية بالأحداث الكبيرة فقط كالزلازل والفيضانات والحروب والمجاعات، وبعد ذلك حاولوا التنبؤ بأحداث الشخصيات الكبيرة مثل الملوك والحكَّام، لكن اليونانيين اتبعوا سياسة الديمقراطية وسمحوا بتطبيقه على الجميع للتنبؤ بشخصياتهم وأحداث حياتهم، وبذلك انتشر التنجيم وأصبح شعبيًا وحافظ على مبادئه منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا دون أي تغييرات (2,3).
كما رأينا سابقًا فإن التنجيم لم يطرأ عليه أي تطورات في طريقة استخدامه، ولكن الذي تطور هو توسع مجالات استخدامه. والعلم الذي لا يقبل التغيير ولا يتطور مع تطور المعطيات لا يُعدُّ علمًا، بل سيبقى علمًا زائفًا.
وبعد كل التطورات العديدة التي حصلت في مجال الفلك وفهمنا للنظام الشمسي وحركة الكواكب، لم يعد ممكنًا تطبيق فكرة التنبؤ بالأحداث والشخصيات عن طريق حركة الكواكب في السماء؛ فجميعنا يعرف أن الكواكب هي طبقات من الصخور والمعادن والمياه وغيرها من المواد. والقوة الموجودة بين هذه الكواكب هي الجاذبية التي تتغير مع تغير مربع المسافة وكتلة الجرم السماوي؛ لذلك لا توجد أي إمكانية للجاذبية للتأثير في شخصية طفل في يوم ولادته.
المصادر: