الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
تلوّث الهواء وصحّة الإنسان؛ ارتباط وثيق وتأثير عميق
بغض النظر عن المنطقة التي تعيش فيها سواءً كانت منطقةً حديثةً أم قديمة، غنيةً أم فقيرة، فإنه من الصعب الهروب من تلوث الهواء لأنه يحيط بنا من كل الجوانب.
تستطيع الجسيمات الفائقة الصغر تخطّي دفاعات أجسامنا والوصول إلى أجهزتنا التنفسية والدموية أيضاً مسببةً أضراراً للرئتين والقلب والدماغ (1).
7 مليون وفاة سنوياً!
لا تزال مستويات تلوث الهواء مرتفعةً على نحوٍ خطيرٍ في أجزاء كثيرة من العالم، تُظهِر بيانات منظمة الصحة العالمية أن 9 من كل 10 أشخاص يتنفسون هواءً يحتوي على تراكيز عالية من الملوثات، وتُشير التقديرات إلى مستويات مخيفة فيما يخصّ الوفيات التي تصل إلى 7 ملايين شخص كلَّ عام بسبب تلوث الهواء (2).
تقدّر منظمة الصحّة العالمية أن هؤلاء الأشخاص يلقون حتفهم نتيجة تعرضهم إلى الجسيمات الدقيقة الملوِّثة الموجودة في الهواء الملوث وهي تدخل إلى الرئتين والجهاز الدموي، وتسبّب حدوث العديد من الأمراض بما في ذلك السكتة الدماغية، وأمراض القلب، وسرطان الرئة، وأمراض الانسداد الرئوي المزمنة والتهابات الجهاز التنفسي بما في ذلك الالتهاب الرئوي (2).
إحصائياتٌ عن تلوث الهواء:
تسبّبَ تلوث الهواء المحيط وحده بقرابة 4.2 مليون حالة وفاة في عام 2016، في حين تسبب تلوث الهواء المنزلي بسبب الطهي باستخدام الوقود الأحفوري والتقنيات الملوثة في حدوث ما يقدر بنحو 3.8 مليون حالة وفاة في الفترة ذاتها (2).
يشكل تلوث الهواء عامل خطرٍ كبيراً في التسبب بالأمراض غير السارية؛ إذ يتسبب في قرابة (24%) من مجموع وفيات البالغين بسبب أمراض القلب، و(25%) بسبب السكتة الدماغية، و(43%) بسبب مرض الانسداد الرئوي المزمن و(29 %) بسبب سرطان الرئة (2).
تحدث أكثر من (90%) من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، خاصّةً في آسيا وإفريقيا، تليها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وأوروبا والأمريكيّتين (2).
لا يزال قرابة 3 مليارات شخص -أي أكثر من (40%) من سكان العالم- غير قادرين على الوصول إلى وقود الطبخ النظيف وتقنياته في منازلهم وهو ما يُعد المصدر الرئيس لتلوث الهواء المنزلي (2).
تلوث الهواء يخفض متوسّط عمر الإنسان:
أظهرت دراسة جديدة نُشرت في مجلة (Cardiovascular Research)، أن تلوث الهواء يؤدّي إلى خفض متوسط العمر المتوقع على نطاق أكبر من الأمراض والحروب وأشكال العنف الأخرى، وقال الباحثون إن النتائج تشير إلى أن العالم يواجه "جائحة" تلوث الهواء (3).
ووفقاً للدراسة، فإن تلوث الهواء العالمي قد خفض متوسط العمر المتوقع بمتوسط ثلاث سنوات أو 8.8 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً في عام 2015. وبمقارنة تلوث الهواء مع عوامل أخرى مثل التبغ، فقد وُجِد أنّ الثاني يخفض العمر المتوقع بمتوسط 2.2 سنة أو 7.2 مليون حالة وفاة، في حين أن فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) قد خفض متوسط العمر المتوقع بمعدل 0.7 عاماً (مليون حالة وفاة)، في حين خفضت الأمراض التي تحملها الطفيليات أو الحشرات متوسطَ العمر المتوقع بمقدار 0.6 عاماً (600000 حالة وفاة) وفقاً للدراسة. في حين أدّت جميع أشكال العنف -بما في ذلك الحرب- إلى خفض متوسط العمر المتوقع بمقدار 0.3 سنة (530.000 حالة وفاة) (3).
صُنّفت آثار تلوث الهواء إلى ست فئات من الأمراض: أمراض القلب، وسرطان الرئة، وأمراض الجهاز التنفسي السفلي، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وأمراض الأوعية الدموية الدماغية المؤدية إلى السكتة الدماغية والأمراض غير المعدية الأخرى بما في ذلك مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. ووفقاً للدراسة، فإن أكبر نسبة من انخفاض متوسط العمر المتوقع كانت بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية (43%).
ووجدت الدراسة أيضاً أن تلوث الهواء مسؤول عن (75%) من وفيات الأشخاص فوق 60 عاماً (3).
ازدادت تراكيز الملوّثات في الهواء الداخلي في العقود الأخيرة بسبب عوامل مختلفة مثل زيادة استخدام مواد البناء الاصطناعية، والمفروشات، ومنتجات العناية الشخصية، والمبيدات الحشرية، و المنظفات المنزلية وتشييد المباني الموفرة للطاقة كذلك (التي يفتقر بعضها إلى أساليب التهوية الميكانيكية اللازمة لضمان تجديد الهواء بمستوىً كافٍ).
يقضي الناس في الولايات المتّحدة الأمريكية على سبيل المثال ما معدّله (90%) من وقتهم في الداخل؛ إذ تكون تراكيز بعض الملوثات في الغالب أعلى بقرابة 2 إلى 5 مراتٍ من التراكيز المعتادة في الهواء الطلق (4).
كيف تؤثر جودة الهواء الداخلي* في قدرة الطفل على التعلم؟
تثبت الأدلة أن جودة الهواء الداخلي الرديئة يمكن أن تسبب أعراضاً صحية حادة تقلل من الأداء في المدرسة. إضافةً إلى ذلك، تشير البيانات الحديثة إلى أن تلك الجودة المنخفضة قد تقلل مباشرةً قدرة الشخص على أداء مهام ذهنية محددة تتطلب التركيز أو الحساب أو الذاكرة (5).
المصدر الرئيس لثاني أكسيد الكربون في المباني هو الزفير في أثناء عملية التنفس، ولا يمثل ثاني أكسيد الكربون نفسه تهديداً للصحة عند المستويات التي يُعثر عليها عادةً في الداخل ولكن تصبح مستوياته خطرةً عندما تكون معدلات تهوية المبنى منخفضة (5).
كيف تؤثر التهوية وتلوّث الهواء الداخلي في أداء الفرد وصحّته؟
في دراسة أوروبية أُجريت على 800 طالب من 8 مدارس لتقدير ارتباط جودة الهواء الداخلي والأعراض الصحية مع قدرة الطلاب على التركيز، قيس فيها مستوى ثاني أكسيد الكربون داخل الصفوف وعُرِض على الطلاب استبيان للأعراض الصحية، واستخدِم برنامجٌ لدراسة تركيز الطلاب في أثناء العملية.
لوحِظ بعدها أن درجات الطلاب في اختبار التركيز كانت أقل وأعراضهم الصحية حسب الاستبيان كانت أسوأ عندما زادت مستويات ثاني أكسيد الكربون. تشير هذه النتيجة إلى أن انخفاض معدلات التهوية (والتلوّث الداخلي المرتفع) يرتبطان بانخفاض القدرة على التركيز وزيادة الأعراض الصحية السلبية (5).
التحقق من التأثير في الصغار عن طريق دراسة صحة الكبار:
في دراسةٍ أخرى أجريت على 30 امرأةً بالغةً يعملن في بيئة مكتبية، وُضِعت سجادة قديمة مستعملة عمرها 20 عاماً على رفوفٍ خلف شاشة بحيث لا يكون لدى الأشخاص طريقة لمعرفة ما إذا كانت السجادة موجودة أم لا، ثم أُجرِي اختبار للنساء في عدة مهام هي الكتابة، والحساب، والذاكرة، والتحليل المنطقي والتفكير الإبداعي في الحالتين بوجود السجادة أو بدونها.
تتشابه هذه المهام مع تلك التي يؤديها المعلمون والطلاب في المدرسة. في التجارب بغياب السجادة، تحسن أداء الأشخاص في جميع المهام بنسبة 2 - 6 بالمائة، لكن بوجود السجادة، زاد انتشار الصداع في أثناء المهام التي تتطلب التركيز، مما يشير إلى أن بعض التأثير في الأداء مرتبط بالآثار الصحية الضارة الناجمة عن التلوث، وفي دراسة لاحقة باستخدام المنهجية ذاتها، لجأ الباحثون إلى زيادة معدلات تهوية الغرفة بوجود السجادة فكانت النتائج تشير إلى أنّ تهوية الغرفة أدّت إلى تحسّن أداء المهام (5).
في دراسة أخرى أجريت على الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 10 سنوات وما فوق لدراسة التأثيرات التراكمية لملوثات الهواء في الإدراك عن طريق ربط الاختبارات الشفوية والحسابية مع تلوّث الهواء، وُجِد أن التعرّض التراكمي لملوثات الهواء يؤثر سلباً في الاختبارات الشفوية، ومع تقدم العمر يزداد هذا التأثير وخاصة عند الرجال، ووُجد أن الفجوة بين الجنسين في نتائج الدراسة تزداد لدى الأشخاص ذوي التعليم الأدنى (6).
تشير المعلومات والدراسات السابقة الذِّكر إلى ارتباط تلوّث الهواء بالحالة الصحّية لدى البشر وتؤكد على ذلك أيضاً، مما يضيف بعداً جديداً إلى تأثير التلوّث في مكوّنات كوكب الأرض؛ وسبباً جديداً للعمل على تخفيف هذا التلوّث والحد من ظهوره.
هوامش:
* جودة الهواء الداخلي: تشير جودة الهواء الداخلي (IAQ) إلى جودة الهواء داخل المباني والمنشآت وحولها، خاصّةً من حيث صلتها بصحة قاطني المبنى وراحتهم.
المصادر:
2. 9 out of 10 people worldwide breathe polluted air, but more countries are taking action [Internet]. Who.int. 2020 [cited 16 December 2020]. Available from: هنا
3. Lelieveld J, Pozzer A, Pöschl U, Fnais M, Haines A, Münzel T. Loss of life expectancy from air pollution compared to other risk factors: a worldwide perspective. Cardiovascular Research [Internet]. 2020 [cited 1 February 2021];116(11):1910-1917. Available from: هنا
4. Indoor Air Quality | US EPA [Internet]. US EPA. 2020 [cited 16 December 2020]. Available from: هنا
5. Document Display | NEPIS | US EPA [Internet]. Nepis.epa.gov. 2020 [cited 16 December 2020]. Available from: هنا#
6. Zhang X, Chen X, Zhang X. The impact of exposure to air pollution on cognitive performance. Proceedings of the National Academy of Sciences [Internet]. 2018 [cited 1 February 2021];115(37):9193-9197. Available from: هنا