التعليم واللغات > اللغويات
قدرات الدِّماغ على التعافي اللغوي بين الطفولة والكِبر
لا شيء يفغر فم الاستغراب كالغوص في تلك الكتلة الكروية التي تحملها بين كتفيك!
فكل خلية فيها مكوَّنة بدقة متناهية لتحمل مسؤولية على عاتقها لا مجال للخطأ فيها، مرَّت سنوات طويلة ونحن نتخيل أن أي خلل في أحدها لا يمكن تعويضه. وتأتي هذه الدراسة لتحلَّ لغزًا حير الأطباء وعلماء الأعصاب فترة طويلة على حد قول إليسا نيوبورت (Elissa L. Newport)، مديرة مركز الدماغ والتعافي، وهو مؤسسة مشتركة بين جامعة جورج تاون وشبكة مدستار الوطنية لإعادة التأهيل (1)، مبشِّرةً بأخبار جيدة للأطفال الصغار الذين يعانون إصابات عصبية أدت إلى تلف في النصف المخي الأيسر، وهو النصف الذي عُرف بهيمنته على تعلم اللغات (2).
فوفقًا لعلماء الأعصاب في نفس الجامعة يمكن للأطفال الصغار استخدام نصفي المخ الأيمن والأيسر لمعالجة المهام العصبية على عكس البالغين، فلا يستخدم البالغون سوى مناطق معينة في أحد نصفي الدماغ لمعالجة هذه المهام. وتضيف نيوبورت أن استخدام نصفي الدماغ يوفر آلية للتعويض بعد الإصابات العصبية كتلك التي تحدث بعد الولادة مباشرة، إذ يمكن للطفل المولود بشلل دماغي في نصف الدماغ الأيسر أن يُطوِّر نصف دماغه الأيمن ويُنشِّطه لتنمية قدراته المعرفية بما فيها اللغة وإستراتيجية فهم معاني الجمل المنطوقة (2,1). علمًا أن شبكات الدماغ التي تمنح مهام محددة للنصفين كليهما تبدأ في مرحلة الطفولة ولكنها لا تكتمل حتى سن العاشرة أو الحادية عشرة مما يشكل قاعدة أفضل لفهم إصابات الدماغ والتعامل معها للتعافي بعدها (1).
ويمكننا أن نرى على نحو ملحوظ الفرقَ بين تفكير الأطفال والبالغين، وثمة تفسير علمي لذلك وهو أنهم لا يعتمدون على نفس أجزاء الدماغ لمعالجة الكلمات (3, 4)؛ إذ تتغير الأدمغة كلما تقدم الإنسان في السن، يستخدم الأطفال دماغهم كاملًا لفهم اللغة في حين كلما اقتربنا من سن البلوغ يبدأ الاعتماد على الشق الأيسر لمعالجة اللغة تدريجيًّا ليصبح الاعتماد عليه كاملًا عندما يبلغ التاسعة عشرة تقريبًا. ويؤكّد ويليام جيلارد (William Gaillard)، وهو طبيب أعصاب في مستشفى الأطفال الوطني في واشنطن، أن هذا الاكتشاف سيساعد العلم على فهم قدرة الدماغ على التكيف تكيفًا أفضل عن طريق تعديل التوصيلات بين أجزائه، وهي القدرة التي تُعرف بمرونة الدماغ، مشيرًا إلى أن مثل هذا الأمر سيساعد المرضى الصغار والكبار على حدٍّ سواء في المستقبل (3, 4).
ووجدت نيوبورت وهي القائمة على هذه الدراسة أنه من المثير أن توجد مراكز للنطق موزعة على نصفي الدماغ مما سيساعد على تفسير زيادة احتمالية شفاء الأطفال على نحو أسرع وبالكامل من إصابات الدماغ (3, 4). وقد ذكرت نيوبرت كذلك أن النتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن مشاركة نصف الدماغ الأيمن في معالجة اللغة بدءًا من الطفولة المبكرة جدًّا قد يسمح بالحفاظ على نموه وتعزيز قدراته في حالة حدوث إصابة في النصف الأيسر. وقد وصلت الدراسة إلى فحص النشاط اللغوي لدى المراهقين واليافعين الشباب الذين أصيبوا بسكتة دماغية أثرت في النصف الأيسر من دماغهم عند الولادة (1).
فهل سيكون قريبًا ذلك اليوم الذي يرى فيه المفجوعين بأحبابهم جرَّاء إصابات أودت بنصفهم الدماغي الأيسر وقدراته يتفاعلون معهم ويشاركونهم مشاعرهم؟! من يدري؟!
المصادر: