الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض
حفر المحيطات؛ تطبيقٌ مهمٌّ في علوم الأرض
تتكون الأرض من كتلٍ قاريّةٍ من اليابسة والمحيطات تتفاوت في الصفات والخواص، وتحفظ معاً التاريخ الجيولوجي لكوكبنا وحدةً متكاملة لا تتجزأ.
ولما كان البحث في اليابسة وعلى السطح القاري للأرض مثمراً نتائج كثيرة المهمة والاكتشافات المذهِلة فيما يخص محتوى الأرض، وعن تاريخٍ جيولوجيٍّ حفظته السجلات الرسوبية والصخرية للطبقات على القارة؛ تزايدت الحاجة لاستكشاف قيعان المحيطات بوصفها جزءاً مهمَّاً من التركيبة الرسوبية والصفات الفيزيائية للأرض، إذ تحوي هذه التكوينات سجلات العمليات الحيوية والكيميائية والجيولوجية داخل قشرة الأرض ووشاحها، إضافةً إلى مساهمتها في استنتاج الظروف المناخية السائدة سابقاً (1).
يُعَرَّف الحفر العلميّ للمحيط بأنه عملية حفر لب الصخور والرسوبيات المتوضِّعة أسفل قاع البحر، ورفعها إلى السطح بهدف دراستها؛ إذ يحلّل علماء مختصّون هذه النوى، وتُركَّب داخل تلك الآبار المحفورة أجهزة استشعار للتعرف إلى جيولوجيا المنطقة وكيميائها وسجلِّها الحيويّ. مع الإشارة إلى عدم ارتباط بعثات التنقيب العلمية في المحيطات بالجهود المبذولة لإيجاد الوقود الأحفوري (النفط الخام) أو استخراجه، بل تتجنب المناطق التي يُعتقد أن الهيدروكربونات تتجمع فيها (1).
يمتدّ تاريخ حفر المحيطات العلمي لخمسة عقود من الزمن، وسُجِّلت أحدث حفر المحيطات قبالة سواحل الإكوادور عن طريق سفينة (JOIDES Resolution) حيث يبحث العلماء عن كتلٍ حارة وغنية بالأحياء الدقيقة التي تعيش في حفرة طويلة ضيِّقة في قاع المحيط.
تقنياً؛ تُجرى عملية الحفر في قاع المحيط بإنزال أنبوب حفر بمعايير متانة ومقاومة مناسبة من سفينة مجهزة ببرج حفر شاقولي إلى أسفل قاع البحر، ومن ثم يُثبَّت على القاع، بالتزامن مع إنزال برميلٍ لقضم التربة المحفورة، يُرفع لاحقاً إلى الأعلى لإفراغه وليحلِّلَه الجيولوجيون، وتُثبَّت المتتاليات الرسوبية والصخرية في البئر المحفور حسب توالي الرسوبيات المستخرَجة (2).
الشكل 1: مقارنة الحفر العمودي العميق على اليسار، والحفر الأقل عمقاً على اليمين (2).
قدَّم الحفر العلمي للمحيطات مساهماتٍ أساسية مهمة إلى فهمنا للأرض، إذ ساهم بإيجاد دليلٍ إضافي لنظرية تكتونيك الصفائح، وفهمٍ أفضل لنموذجها، وساهم برؤىً جديدة مهمة فيما يخص استجابة الأرض، تتضمن تحليلاً أفضل للمخاطر الطبيعية مثل الزلازل والبراكين (3، 4). وقد أدت دراسات الرسوبيات البحرية إلى فهمٍ أكثر دقّةً للتغيرات المناخية الطبيعية، وأفادت في تعلُّم كيفية تضمين التغيّر العالمي في التخطيط للمستقبل. وعلى صعيد الاكتشافات المادية؛ عُثر في أثناء رحلات التنقيب العلمية في المحيطات بتكوينها الحالي على أدلة لرسوبيات خام ضخمة من الحديد والنحاس والزنك، ترسّبت من السوائل الحرارية المائية المسخّنة إلى أكثر من 300 درجة مئوية، إضافةً إلى أدلة على وجود كمياتٍ كبيرة من المياه ذات درجة حرارة أقل، تسرّبت عبر جوانب التلال، مما أثّر في إعادة تدوير مياه المحيط عبر قشرة الأرض (4).
يحكُم التنقيب والحفر العلمي في المحيطات اتفاقية دولية أسَّست برنامجاً دولياً ممولاً من جهات دولية وحكومية يُسمّى "البرنامج الدولي لاستكشاف المحيطات (International Ocean Discovery Program - IODP)"، الذي يهدف إلى إجراء الأبحاث العلمية تحت مياه المحيطات (3)، وتعدّ الولايات المتحدة واليابان من أكبر المموِّلين للأبحاث العلمية من هذا النوع. وعقد في 11 كانون الأول (ديسمبر) عام 2019 في مدينة أوساكا مؤتمر البرنامج الدولي لاستكشاف المحيطات بمشاركة 26 دولة، لمناقشة منهجية عمل للمرحلة القادمة الممتدة بين أعوام 2023 و 2050، بوصفها خطةً بديلةً عن الاتفاقية الدولية الحالية، التي تحكم التنقيب والاستكشاف في المحيطات، والمُنتهية رسمياً عام 2023 (3).
المصادر:
2. National Research Council N. Scientific Ocean Drilling: Accomplishments and Challenges. Washington: The National Academies Press; 2011.158 p. Available from هنا.
3. Witze A. Ocean drilling revolutionized Earth science — now geologists want to plumb new depths. Nature [Internet]. 2019 [cited 26 February 2021];573(7772):17-18. Available from: doi: هنا
4. Consortium for Ocean Leadership, Inc., Lamont-Doherty Earth Observatory of Columbia University, Texas A&M University. Ocean Drilling Program - Final Technical Report [Internet]. Washington DC, US: Consortium for Ocean Leadership, Inc.; 2007 p. 68. Available from: هنا