الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الأخلاق وعلم الجمال
هل هناك وجود لحقائق أخلاقية؟
ترى الواقعيَّةُ الأخلاقيَّةُ (Moral Realism) أن هناك وجوداً للحقائق الأخلاقية Moral Facts (حقائق عن الأفعال الصحيحةِ والخاطئةِ وعن ما هو خيْرٌ وما هو شر)، ويعتقدُ أنصارُ هذا المَذْهَبِ أنَّ الحقائقَ الأخلاقيَّةَ توجد موضوعيّاً Objective؛ أي إنها موجودةٌ في العالم الخارجيِّ وتنتظرُ أن تكتشفها الذات، وبذلك فهي ليست نتيجةَ ما نُضْفِيه نحن على الأشياء ذاتيّاً Subjective، فمثلاً يُعدُّ عملٌ ما -كالسَّرِقَة مثلاً- سيئاً لأنه يَمْتَلكُ خواصّاً موضوعيَّةً تَجْعلُه كذلك، لا لأنَّه يَستمدُّ صفةَ السُّوء من حُكمنا عليه، وعليه فإنَّ تحديدَ مقدارِ الخطأِ والصَّوابِ لفعلٍ ما لا يعتمدُ على اتِّفاق النّاسِ على الحكمِ عليه؛ أي إنَّ اتفاق جميع الناس في مجتمعٍ ما على أنَّ فِعلاً ما هو فعلٌ أخلاقيٌّ لا يَجعلُ منه فعلاً أخلاقيًّا (1).
وهذا الرأي يؤدي إلى الإجابة بنعم عن أحدِ أسئلةِ الجانب الميتافيزيقي للأخلاق والسؤال هو "هل توجد الحقائق الأخلاقية وجوداً موضوعيّاً؟" ومن ثَمَّ يقتضي الإجابة عن بقية الأسئلة الميتافيزيقية عن طبيعة هذه الحقائق الأخلاقية وعلاقتها بباقي الحقائق في العالم، وهنا يظهرُ اختلافٌ بين القائلين بالواقعيّةِ الأخلاقيَّةِ؛ إذ يرى الطبيعيون Naturalists أنَّ الحقَائق الأخْلاقيَّة لها الطبيعة ذاتها للحقائق الطبيعية التي تكتشف عن طريق التجربة، بينما يرى اللاطبيعيون Non-Naturalists أنَّ الحقائقَ الأخلاقيَّةَ ذات طبيعةٍ فريدةٍ، وهناك من يرى أنَّها من خارج الطبيعية Supernaturalistic؛ أي إلهيَّة، وذلك يستدعي تقديمَ أجوبةٍ إبستيمولوجية عن كيفيَّةِ معرفةِ هذه الحقائق؛ أي إنَّها تُعرف عن طريق الحدس أو عن طريق التجربة ومطابقة الواقع (1).
وتشملُ الحقائق الأخلاقية الحُكْمَ الأخلاقيَّ الذي يَصْلُح لفردٍ فقط والحكم الذي يصلح لجميع الأفراد مثل "الكذب من أجل المنفعة الشخصية خاطئ" وبذلك تصفُ الحقيقة الأخلاقيَّة حالةً ثابتةً للعالم وأوامرَ ونواهيَ عن ما يجبُ أو ما لا يجبُ أن يكونَ عليه الحالُ بالنّسبةِ لسلوكِ الفردِ أيضاً (2). ومن جانبِ فلسفةِ اللغةِ ترى الواقعيَّةَ الأخلاقيَّةَ أنَّ الجُمَلَ الأخلاقيّةَ تهدف إلى تمثيلِ الواقع؛ أي إنَّ جملةَ "القتل فعل خاطئ" لها الدور ذاته في وصف الحقائق في العالم مثل دور جملة "العشب أخضر" دون أن يكون الوصف صحيحاً بالضرورة (1).
وترى الواقعية الأخلاقية أيضاً أنَّ الاتجاهاتِ الأخلاقيَّةَ لدى الناس هي معتقداتٌ عوضاً عن رغباتٍ، والفرقُ بينهما أن المعتقداتِ تهدف إلى أن تنسجم مع العالم لكي تكون صحيحة في حين تهدف الرغبة إلى أنْ تجعلَ العالمَ ينسجمُ معها، ولكن ذَهَبَ بعضُ أنصارِ هذا المذهب إلى أنَّها قد تكونُ مزيجاً ما بين الرغبة والمعتقد (1,3).
وتُعدُّ أبسطَ طريقة للمحاججة لصالح الواقعيَّةِ الأخلاقيَّةِ هي الاعتمادُ على أنَّ 1- بعضَ الجملِ الأخلاقيَّةِ صحيحةٌ كالقول بأنَّ التعذيبَ سيئٌ، 2- وهذه الجملُ لا يُمكنُ أن تَكونَ صحيحةً من دون وجود أشياء واقعيَّةٍ تستمدُّ صحته منها، 3- وبذلك فإن تلك الأشياء موجودة حتماً، ويمكن الاعتراض على هذه الحجة من خلال المقدمة الأولى؛ ليس هناك من جملٍ أخلاقيَّةٍ صحيحةٍ على الإطلاق؛ ذلك لأنّها تمثّلُ شيئاً ليس له وجوده أو أن وجوده تَخيليٌّ فقط، ويكون الاعتراض على المقدمة الثانية بأن الجمل الأخلاقية لا تستمد صحتها من الواقع إذ إنّها ليست سوى تعبيرٍ عن المشاعر والتفضيلات (2).
ومن أشهر الاعتراضات المُقدَّمة أيضاً هو قانون الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم David Hume (1711- 1776) الذي ينص على أنه لا يمكن أن نستنتج حقيقة ما يجب فعله "ما ينبغي أن يكون" (أي ما هو أخلاقي) من خلال ما هو كائن (أو ما هو معروفٌ علمياً)، بمعنى آخر أنه لا يمكننا الوصول إلى استدلال صحيح ابتداءً من حقيقة غير أخلاقية (أي لا تخص الأخلاق) وصولاً إلى نتيجة عن ما هو أخلاقي إلا إذا ابتدأنا من مقدمة أخلاقية أيضاً، مثال: إذا قلنا إنَّ تعذيب أحد ما لِقطته هو فعلٌ غير أخلاقي فيمكننا استنتاج أنَّ تحريضَ الشَّخصِ لأخيه الصغير على تعذيب القطة هو فعلٌ غير أخلاقيٍّ، فالقصْدُ هنا أنَّه في حال كان الفرض هو جملةٌ أخلاقيّةٌ يمكننا استنتاجُ جملةٍ أخلاقيّةٍ أخرى منه، أمَّا جملةُ "تعذيب أحدٍ ما لقطته هو فعل خاطئ" بحدِّ ذاتها لا يمكن أن نستدلَّ عليها بالاعتمادِ على الحقائق لوحدها. وبذلك يتوصَّلُ هذا القانون إلى نتيجة أنَّ العلْمَ وَحْدَه لا يمكنه أن يصلَ إلى أيّةِ حقيقةٍ أخلاقيَّةٍ (3).
وبالنهاية، قد تدعي الواقعية الأخلاقية بأنَّ الحسَّ السليمَ يدعم فكرتها ويقفُ إلى جانبها، فيما يعتقد المعترضون أنَّ هذه الأفضليّة ليست ذات وزنٍ كبيرٍ بالمقارنةِ مع الاعتراضاتِ المقدَّمة (3).
المصادر: