الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا
مغالطة: عَقِبه؛ إذًا بسببه؛ After This, Therefore Because of This
" - إنّه هو.. هو بعينه.. لا شيء في هذا العالم يثبت غير ذلك.. أنا واثقٌ بأنّه السبب.. رأيتُه بأم عيني في مكتب المدير قبل طردي من العمل بأيام.. ماذا سيتحدث أمام مديري؟! ماذا؟! بالطبع سيخبره أنّني أتأخر كلَّ يوم لأنَّ نومي ثقيلٌ جدًّا مذ كنت في المدرسة.. أو ربَّما أخبره أنني لا أحب هذا العمل.. حتّى قسم الفلسفة في الباحثون السوريون لن يقنعني بغير ذلك!!"
بدايةً نأسف لفقدانك عملك، ولكن استدلالك خاطئ، إذ لا شيء يثبتُ أنَّ وجود صديقٍ لك في مكتب مديرك قبل طردك بأيام هو السبب في ذلك، إنّك تخيّلت الحوار وربطت الأحداث بطريقة غير صحيحة دون أن تبحث عن الأسباب الحقيقية، ممَّا يعني أنك وقعت في مغالطة منطقية تُسمَّى: "عَقِبه؛ إذًا بسببه" (post hoc ergo propter hoc) وبالإنكليزية: (After This, Therefore Because of This)، وهي تعني أن نفترض خطأً أنَّ حدثًا ما كان نتيجةً لحدث آخر لمجرّدِ أنَّه يسبقه في الزمان. وهو افتراض خاطئ لأنَّ وقوعَ حدثٍ بعد آخر لا يعني بالضرورة وجودَ علاقة سببية بين الحدثَين؛ فلو كانت الأسبقية الزمنية كافيةً لتأسيس علاقة سببية لكانَ ذلك يعني أنَّ أيَّ حدثٍ يسبق حدثًا آخر سيكونُ سببًا في وقوعه (1)، في حين أنَّ الرابط السببي بين الحدثَين قد يكونُ تخيليًّا أو غيرَ موجودٍ بالأساس (2).
مثال (1): عندما يقول مالك عمارة لمستأجر حديث السكن بالمبنى أنَّ قدومَه كان سببًا في حدوث مشكلات في نظام التدفئة بالمبنى، لأنهم لم يعانوا هذه المشكلات إلَّا بعد قدومه.
مثال (2): "ذهبتُ في رحلةٍ إلى إحدى المناطق التي أمضت الشتاء كاملًا دون مطر، ولكن بمجرَّدِ وصولي أصبحَت تمطر بغزارة، لا بد من أن وصولي هو السبب".
ويُسهِمُ هذا النوع من التفكير عادةً في توليد الخرافات مثل الحظ السيّئ، فمثلًا: يمكن عدُّ شيءٍ ما أنَّه جالبٌ للحظ السيّئ لا لشيءٍ إلَّا لأنه حدثَ قبل حدثٍ غير مرغوبٍ فيه، إذ يخلط هذا التفكير بين العلاقة السببية والصدفة المحضة (1). مثل سماعِ صوتِ غرابٍ في الحيّ وجعله سببًا لاحتراق الطعام، أو كأنْ يخبرك أحدُهم أنَّ ثيابَك جميلة لدرجةِ أنّه يودُّ شراء ثيابٍ مثلها، فتتلوَّثُ ثيابك أو تتعرّض لتمزّقٍ ما بالمصادفة، فلا شيء سيقنعك أنَّ هناكَ سببًا في ذلك سوى ذاك الشخصِ الحسود!
وإضافةً إلى ذلك، يقع في هذه المغالطة مناهضو تطعيم الأطفال، إذ يرون أنَّ التطعيمَ يتسببُ في التوحُّد، وهذا الاستدلال الخاطئ راجعٌ إلى تشخيص الأطفال بالتوحُّد في عمر مبكر، وهو العمر نفسُه تقريبًا الذي يتناول فيه الأطفال تطعيمات: الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف (MMR)، فتشخيصُ الطفل بالتوحُّد بعدَ تطعيمه لا يعني بالضرورة أنَّ التطعيم هو مسبب التوحد (2).
لا يعني توالي الأحداث وجود علاقة سببية في الأحوالِ كلِّها؛ فالليل يأتي دائمًا بعد النهار، لكن النهار ليس سببًا في قدوم الليل؛ وبذلك يجب أن نُخضِع أحكامَنا لضوابط تمييزٍ بين الحوادث السببية والمصادفة البحتة، وهذه الضوابط هي (3):
1- وجود علاقة ضرورية: أن يُحدِثَ المسببُ النتيجةَ نفسها دائمًا، وإذا غاب هذا المسبب فلن تقع النتيجة.
2- وجود ارتباط زماني ومكاني.
3- يمكن تفسير المُسبِّبات نظريًّا بأن تُبيَّنَ الآلية التي تحكم حدوثها، لفهم العلاقة بين السبب والأثر.
4- يجب ألَّا يتعارض الحكم أو التفسير السببي مع باقي الأحكام السببية.
المصادر:
2- Manninen B. False Cause. In: Arp R, Barbone S, Bruce M, ed. by. Bad Arguments: 100 of the Most Important Fallacies in Western Philosophy [Internet]. Glasgow: Wiley Blackwell; 2019 [cited 29 March 2021]. p. 342-345. Available from: هنا
3- Foresman, G. A., Fosl, P .S., Watson J.C. The Critical Thinking Toolkit. 1st ed. Hoboken: Wiley Blackwell; 2016.pp171-172.