الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
تبعات أزمة قناة السويس على قطاع التأمين وإعادة التأمين
امتدادات أزمة قناة السويس
عادت حركة الملاحة في قناة السويس على مدار الساعة في كلا الاتجاهين مع نهاية شهر أذار (مارس) بعد نجاح عملية إعادة التعويم لسفينة Ever Given الجانحة (1). إلا أن الأزمة لم تنتهِ هنا، إذ صرح رئيس مجلس إدارة قناة السويس الفريق أُسامة ربيع بأن السفينة لن تغادر قبل انتهاء التحقيقات والتأكد من تمكُّن السفينة من معاودة الإبحار، ودفع مالك السفينة - شركة يابانية تُدعى Shoei Kisen Kaisha Ltd - التعويضات التي تصل إلى نحو 916 مليون دولار بحسب ربيع. تتوزع التعويضات بين تكاليف إعادة تعويم وقَطر السفينة والضرر الذي لحق بسمعة القناة والضرر في البنية التحتية وفوات المنافع من الرسوم جراء توقف الملاحة التي تعتبر مصدر دخل مهم لمصر من العملات الصعبة (2,3). وأشار ربيع إلى عدم رغبة مالك السفينة بدفع التعويضات. مالك السفينة من جهته قدم طلبًا لمحكمة بداية الاسماعيلية للاستئناف في 22 نيسان (أبريل) ضد إجراءات السلطات المصرية من احتجاز السفينة وحمولتها وطاقمها الذي وصف هذه الإجراءات بغير المبررة (4).
وقد خلفت أزمة انسداد قناة السويس خسائر للتجارة العالمية بسبب توقف حركة البضائع عبر القناة عدة أيام، إذ أخّر انسداد القناة عبور أكثر من ثلاثمئة سفينة، وغيرت بعض السفن مسارها والتفت حول رأس الرجاء الصالح الطريق القديم والأطول. فمن يتحمل تلك التكاليف جميعها في ظل العدد غير المحصي للأطراف المتضررة من الحادثة وأشكال خسارتهم (5).
فيما يخص حادثة سفينة Ever Given؛ فإن البضائع التي ما تزال عالقة على متن السفينة يرجح على الأغلب أنها لم تتضرر؛ لأن السفينة ما زالت قادرة على توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل حجرات التبريد، إلا ما قد يتلف بمرور الوقت (6).
مع التشعب للخسائر المحتملة للتجارة العالمية وضخامة الحادثة، من سيتحمل تلك التبعات أخيرًا؟
مسؤوليات شركات التأمين وإعادة التأمين في حادثة قناة السويس
مهما تعددت الأطراف المتضررة من أزمة قناة السويس فقد يصب جزءٌ كبير من الخسائر في النهاية في قطاع التأمين وإعادة التأمين. فأصحاب البضائع الموجودة في الحاويات العالقة قد يطالبون شركة التأمين بتعويض تأخر وصول البضاعة أو تلفها إن حصل. بالإضافة إلى المطالبات المحتملة الناتجة عن مسؤولية مالك السفينة عن تبعات الحادث حسب ما ذكرنا. ومن جهة أخرى قد تكون هناك مطالبات محتملة من مالك السفينة نفسه لقاء أي ضرر قد يُكشف عنه في جسم السفينة؛ كل ذلك ضمن إطار بوليصة (وثيقة) تأمين على جسم السفينة والمعدات (Hull and Machinery Insurance). شركات التأمين من جهتها قد تنقل جزءًا من أعباء المطالبات إلى شركات إعادة التأمين؛ أي تأمين التأمين (5,6).
تأمين مسؤولية مالك سفينة Ever Given وإمكانية اللجوء إلى العوارية العامة
بالنسبة لتأمين مسؤولية مالك سفينة Ever Given، تُغطى غالبًا الخسائر الناتجة عن أيٍّ من هذه المخاطر من قبل ما يُسمى "أندية الحماية والتعويض (protection and indemnity clubs)"؛ نتيجة ضخامة الخسائر نسبيًّا. تُؤسس هذه الأندية من مُلّاك السفن وشركات التأمين، ويبلغ عدد هذه الأندية ثلاثة عشر ناديًا حول العالم (7). وفي حالة سفينة Ever Given يؤمّن "نادي التأمين" UK P&I Club مالك سفينة Ever Given، الذي أعرب عن خيبته من مطالبة هيئة قناة السويس بتعويضات عدّها غير مبررة بالإضافة إلى احتجاز السفينة وطاقمها على متنها لحين سداد التعويضات بحسب ما أورد (4)؛ لكنه أعلن استعداده لتغطية مالك السفينة ضد أيٍّ من مطالبات الطرف الثالث بما يقع ضمن نطاق مسؤوليات نادي التأمين (8)، وذلك بحدٍّ أقصى مئة مليون دولار تقع ضمن مسؤولية النادي، أما باقي التعويضات وإلى حد أقصى 3.1 مليار دولار تقع على عاتق شركات إعادة التأمين (9).
بالإضافة لما سبق؛ قد يُلجأ إلى ما يُسمى العوارية العامة “General Average”. تنشأ العوارية العامة -مصطلح نشأ ضمن أعمال النقل البحري- عند قيام أحد الأطراف على متن الرحلة بالتضحية بإحدى منافعه كتعريض السفينة للاصطدام وهو ما يعود بالخسارة على مالك السفينة في سبيل درء الخسائر عن باقي الأطراف كأصحاب الحاويات والبضائع على متن السفينة. بناءً على ذلك يحصل مالك السفينة على التعويض من أصحاب البضائع، كلٌ بحسب نسبة قيمة بضاعته من مجمل قيمة الحمولة في حال إثبات أن الاصطدام كان تضحيةً، لا نتيجة خلل في السفينة أو تصرف خاطئ أو متعمد. إلا أن تسوية العوارية العامة قد تستغرق سنوات نظرًا لضخامة وتعقيد الحادث الشديد، وغالباً قد لا يضطر مالك السفينة إلى اللجوء إلى هذه التسوية طالما أن الخسائر التي قد يتكبدها لا تصل إلى عتبة تفعيل العوارية العامة (6).
الأثر المتحمل لأزمة قناة السويس في صناعة التأمين البحري وإعادة التأمين
مع هذا الامتداد الواسع للمطالبات المحتملة من مختلف الأطراف، هل ستتأثر شركات التأمين وإعادة التأمين جوهريًا؟
على الرغم من اتساع رقعة الخسائر الناتجة عن الحادث؛ لكن لا توجد مخاوف حقيقية على صناعة التأمين على المستوى العالمي إلا على المدى القصير. مثلاً لا تعتقد وكالة التصنيف الائتماني Fitch، بأن الحادث سيؤثر جوهريًا في أرباح التأمين وإعادة التأمين أو جدارة الشركات الائتمانية، وهذا خلاف ما قد يقع على UK P&I Club. على الرغم من تصنيف الحادث من الحوادث ذات الخسارة الضخمة، إلا أن هذا الحادث سيلقي بثقله على نتائج أعمال شركات التأمين وإعادة التأمين في النصف الأول من عام 2021، وذلك إلى جانب الخسائر الناتجة عن العواصف في الولايات المتحدة والفيضانات في أستراليا وما يتعلق بالخسائر الناجمة عن وباء كورونا، وسيؤدي الحادث أيضًا إلى زيادة أسعار إعادة التأمين وفقًا للوكالة (10).
محللون من Morgan Stanley أيضًا يعتقدون أن الأثر في صناعة التأمين سيكون ضيعفًا وأن الخسائر يمكن تحملها إن تضمنت مطالبات تأمين مسؤولية مالك السفينة وتأمين جسم السفينة والمعدات، ودون الأخذ بعين الاعتبار المطالبات التي قد تنادي بها السلطات المصرية وفق ما ذكرنا(9).
في النهاية لا يمكن حصر الخسائر التي قد تلحق بقطاع التأمين البحري وإعادة التأمين، ولا يمكن تحديد الجهة التي ستقع على عاتقها الآن. وقد تستغرق تسوية التعويضات دعاوى قضائية كثيرة قد تمتد لسنوات لتسوية مطالبات مسؤولية مالك السفينة أو العوارية العامة إن حصلت، أو ماقد لحق بجسم السفينة ومعداتها وهو ماسيُكشف عنه بعد انتهاء تحقيقات السلطات المصرية، وما قد يستحق من مطالباتٍ لأصحاب البضائع المتأخرة عن مواعيد وصولها إلى وجهتها أو تلفها.
المصادر: