التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

المعضلات الطبية الأخلاقية في علاج اضطرابات الانزعاج من النوع الجنسي

تُحَدَد هوية الإنسان الجنسية عند الولادة، بناءً على شكل الأعضاء الجنسية التي يملكها (1). لكن يُلاحِظ بعض الآباء والأمهات ظهور قليلٍ من الأعراض النفسية والسلوكية الغريبة والمختلفة عند أطفالهم مقارنةً مع باقي أقرانهم؛ مثل رفضهم لهويتهم الجنسية الحالية (تذكر الإحصائيات أن 10-20% من الأطفال يشعرون بذلك وخاصةً خلال سن المراهقة والبلوغ) (1)، وهي أمرٌ لا يستطيع الطفل المتمتع بصحةٍ عقليةٍ سليمةٍ تزييفه، فيلجأ ذوي الطفل إلى المختصين من أطباءٍ وخبراء نفسيين لتشخيص هذا النوع من السلوك، والذي يُعَّرف علميًا بـ الانزعاج من النوع الجنسي أو اضطراب الهوية الجندرية.

لا يُعدُّ اضطراب الهوية الجندرية مرضاً بحدِّ ذاته، إنما يُعدُّ خللاً جسدياً من الممكن إصلاحه (1)، مثل ولادة طفلٍ بعينين مختلفتي اللون. إلا أنَّ الأمر هنا معقدٌ أكثر وفيه كثيرٌ من المعضلات الأخلاقية.

حتى نفهم كيف نشأت هذه المعضلات علينا فهم هذه الحالة الطبيّة أولاً.

الانزعاج من النوع الجنسي أو اضطراب الهوية الجندرية، هو عدم توافق شعور الفرد بهويته الجنسية مع بنيته الجسدية وأعضاءه الجنسية الحالية وامتعاضه من ذلك، والرغبة بالتغيير للجنس الآخر. وهذا ما يُدعى بالعبور الجنسي، ويسمى هؤلاء الأفراد بالعابرين جنسياً (1).

قد يُشهِر البعض شعورهم بذلك، فيما يضمره البعض الآخر خوفاً من الشعور بالعار والتعرّض للإقصاء الاجتماعي، لكن لا يمكنه إخفاء الأعراض النفسية والسلوكيات الاجتماعية التي تظهر عليه (1).

ولإجراء عملية العبور الجنسي يحتاج هؤلاء الأفراد إلى كثيرٍ من الإجراءات الطبية، والتوقيع على كثيرٍ من الأوراق القانونية كي ينالوا التصريح الكامل لإجرائها (1).

سوف يكون محور مقالنا اليوم عن الإجراءات الطبية التي يخضع لها الأفراد الذين يعانون اضطراب الهوية الجندرية لحين إجراء عملية العبور الجنسي، وما المعضلات الأخلاقية التي تواجههم في أثناء عملية التحوّل: 

- يبدأ الأمر بالتشخيص النفسي، وهو إجراءٌ معقدٌ جداً ويستغرق كثيراً من الوقت والجهد، وقد يتطلّب ذلك فريقاً من المختصين النفسيين يكون بينهم خبراء بالمشكلات النفسية الجنسية لتشخيص اضطراب الهوية الجندرية. فقد تتشابه أعراضه في كثيرٍ من الأحيان مع أمراضٍ نفسيةٍ أخرى. أما الأعراض التي تظهر بوضوحٍ على الأطفال هي:

- رفضهم الدائم لهويتهم الجندرية التي يولدون بها.

- الميل لمصادقة الأطفال من الجنس الموافق الذين يرغبون بالتحوّل إليه.

- رفضهم الدائم لأعضائهم التناسلية والانزعاج من وجودها والرغبة بتغييرها.

- الامتعاض الشديد من التغيرات الجسدية التي يختبرونها في أثناء البلوغ.

- رفضهم للألعاب والملابس والسلوكيات التي تُفرض عليهم بناءً على جنسهم البيولوجي.

لكن كيف يُمنح التصريح من الفريق النفسي للإنتقال إلى المرحلة التالية:

بعد تأكيد تشخيص اضطراب الهوية الجنسية يجب التأكد من سلامة الصحة العقلية للمريض. على الرغم من أن أحد التشخيصات المُساعدة على تحديد اضطرابات الهوية الجندرية هي معاناة الفرد الاكتئاب والقلق والعزلة واضطرابات المزاج، فإنها عرضيةٌ وغير مزمنة.

وإحدى المعضلات الأخلاقية التي تواجهنا في أثناء التشخيص النفسي هو كون العابر جنسيا طفلاً/طفلةً. وذلك لأنَّ أحد الشروط لإجراء عملية العبور الجنسي أن يكون الفرد مستقلاً مادياً ومعنوياً وفي عمرٍ مناسب. إذ تكثر الاضطرابات الهرمونية في سن المراهقة ولا يستطيع بعض الأطفال التعبير بوضوحٍ عن هويتهم الجنسية الحقيقية، وهذا ما يصعّب التشخيص النفسي. وليس من السليم إعطاء التصريح الطبي للانتقال إلى المرحلة التالية من العلاج. فيكتفي المختص النفسي في هذا العمر بتقديم الدعم النفسي للطفل وتهيئته للخضوع لباقي الإجراءات بعد بلوغه السن القانوني.

-بعد حصول الفرد العابر جنسياً على التصريح من الفريق الطبي النفسي ينتقل الأمر لخبراء غدد الصم؛ -المسؤولة عن الهرمونات الجنسية التي ستساعد العابر جنسياً- لتهيئته قبل إجراء العمل الجراحي؛ فيكون ذلك إما بإعطاء الهرمونات الذكرية للأنثى العابرة جنسياً والعكس صحيح، أو بكبح الهرمونات الجنسية في سن المراهقة.

وهنا تنشأ المعضلة الأخلاقية بكون الأعضاء الجنسية غير مكتملة النمو أصلاً لدى المراهقين، وقد يستغرق العلاج الهرموني مدة سنةٍ على الأقل حتى يعطي فريق الأطباء المختصين التصريح بالانتقال للعمل الجراحي.

-يتضمن العمل الجراحي الإخصاء الكامل، وهو عمليةٌ غير عكوسة. لذا يتطلب ذلك التوقيع على كثيرٍ من الأوراق القانونية وإثبات تشخيص الفرد باضطراب الهوية الجندرية وخضوعه  للعلاج الهرموني مدةً لا تقلُّ عن سنة. وتوضيح فائدة العملية الجراحية له وقلة الأعراض الجانبية التالية للعملية الجراحية حتى تُجرى.

تنشأ كثيرٌ من المعضلات الأخلاقية بسبب ذلك؛ منها ندم بعض الأشخاص بعد إجراء العملية الجراحية ورغبتهم بالعودة إلى هويتهم الجندرية السابقة، أو رغبتهم بالإنجاب من صُلبهم. ولذلك يعمد كثيرٌ من العابرين جنسياً إلى إجراء حفظ الخصوبة؛ وذلك بتجميد البويضات والنطاف الخاصة بهم ضمن مُبرداتٍ خاصةٍ في مخابر طبية واستخدامها لاحقاً عند الرغبة (1-3).

المصادر

1- Bizic MR, Jeftovic M, Pusica S, Stojanovic B, Duisin D, Vujovic S, et al. Gender Dysphoria: Bioethical Aspects of Medical Treatment [Internet]. BioMed research international. Hindawi; 2018 [cited 2021Apr16]. 1-6. Available from: هنا

2- Gender dysphoria - Diagnosis and treatment - Mayo Clinic [Internet]. Mayoclinic.org. 2019 [cited 28 April 2021]. Available from: هنا

3- Bhandari S. What Is Gender Dysphoria? [Internet]. WebMD. 2020 [cited 28 April 2021]. Available from: هنا