الفنون البصرية > مدارس الفن
الدادائية، عندما يسخر الفن من نفسه.
نشأت حركة الدادا بعد الحرب العالمية الأولى، ردة فعلٍ على مخلفات الحرب البورجوازية والسياسية، واستعملت السخرية من القيم التقليدية، والمواد غير المألوفة أسلوبًا فنيًا، مثل القصاصات والمخلفات والشعارات المختلفة، وشملت عددًا كبيرًا من الفنانين والمثقفين وأعطتهم المرونة وعبرت عن اعتناقهم جنون العالم، ومن ثم منعهم من أخذ عملهم على محمل الجد أو الوقوع في الحماس المفرط أو أحلام اليوتوبيا، وهدفت إلى إشراك المشاهد في الأعمال الفنية، إذ نجحت في تأسيس دائرة اللاوعي في الجمهور الذي كان قد نسي حدود التربية على التحيزات، وذلك بهدف الاستبعاد المطلق لكل ما هو تقليدي، لذلك ربما يشير مصطلح دادا إلى الكلمات الأولى للطفل التي قد تشير إلى اللاشيء كما هو متعارف عليه في ثقافات العالم جميعها، فالحرية في تقييم الأعمال الفنية ليس لها حدود، والعبثية في استخدام الأدوات لكل ما هو فني هدفه تصوير الواقع، وليس التركيز على الناحية الجمالية.
بدأت حركة الدادا وسط الحرب العالمية الأولى، في سويسرا، احتجاجًا على الحرب، حيث جذب "مقهى فولتيير" عددًا من الفنانين والكتاب، ثم انتشرت في نيويورك وكولونيا وهانوفر وباريس (1,2).
كانت اللامبالاة عنصرًا حاسمًا في الفن الدادائي، سواء كان ذلك بسبب عدم احترام البورجوازية، أم السلطات الحكومية، أم الأساليب الفنية التقليدية، واعتمدت على المواد الجاهزة للوصول إلى أن لا شيء له قيمة جوهرية (1).
سخر الدادائيون من القيم المجتمعية كلها، فعلى الرغم من الخصائص التي كان يُفترض أن تجعل الحضارة الأوروبية أعلى من تلك الموجودة في غيرها، لكنها لم توقف ذبح أكثر من مليوني جندي خلال الحرب (3).
كانت المصادفة مفهومًا رئيسيًا يقوم عليه فن الدادائية معظمه، كما في جمع المواد المكسورة والمهملة، فعمل شويترز على إظهار قدرة الفن على إعادة تشكيل عالم متصدع وإعادة تخيله من أنقاض الحرب (4).
وقد أثرت مخلفات الحرب في أعمال إرنست، ففي تكوين مخلوق غريب؛ جسده قنبلة إنكليزية، أطرافه كراقصة شرقية، ومروحة تعمل غطاء لرأسه، كانت نزوته تنزع فتيل الخوف المرتبط بالقنابل (5).
يذكر الشاعر تريستان تزارا أن "بدايات الدادائية لم تكن بدايات الفن، بل كانت بداية للاشمئزاز"، فقد أعاد الدادائيون تخيل الفن بصورة استفزازية، باستخدام مواد غير تقليدية، لتكوين لوحات كاريكاتورية ساخرة (1,2).
طوّر Hausmann الصورة المركبة بوصفها أداة للسخرية والاحتجاج السياسي، تشير قطعة الأوراق النقدية الألمانية الموجودة خلف رقبة الناقد إلى أنه مسيطَر عليه من القوى الرأسمالية، إضافة إلى مظهر العينين الغامض (6).
وكالأسلوب المعتاد في الفن الدادائي قطّعت هانا هوش صورًا لمثقفين وراديكاليين وفنانين وأعادت تجميعها، مثل وجه ماركس ولينين وبولا نيغري وكاثي كولويتز، إضافة إلى بقع من أوروبا التي تضمن حقوق النساء (5).
يقدم الفن الدادائي مفارقات عدة، إذ يسعى إلى إزالة الغموض من العمل الفني بالمعنى الشعبوي ولكن يبقى غامضًا بما يكفي للسماح للجمهور بتفسير الأعمال بطرائق متنوعة، بهدف الاستبعاد المطلق للفن التقليدي (2).
المصادر: