اللغة تتنبأ بالانفصال العاطفي

نشرنا في مقال سابق دراسة ضمن فرع اللغويات النفسية أثبتت أن اللغة المستخدمة لدى الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب تختلف عما سواها من ناحية المحتوى -كالمفردات والضمائر- والأسلوب -وهي الطريقة التي يُعبَّر فيها المكتئبون عن مشاعرهم- (1).

أثبتت دراسة جديدة لباحثين في جامعة تكساس منشورة في موقع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية (PNAS هنا) أن هناك ارتباطًا بين اللغة المستخدمة والانفصال العاطفي في العلاقات وذلك عن طريق تحليل أرشيف بيانات لأكثر من مليون منشور على موقع Reddit تعود لأكثر من ستة آلاف مستخدم لهذا الموقع (2).

راقب الباحثون القائمون على الدراسة منشورات المستخدمين الذين أعلنوا انفصالهم عن شركائهم على مدى عامٍ قبل إعلانهم عن الانفصال وعامٍ بعده، ووجد الباحثون أن لغة هؤلاء المستخدمين قد بدأت بالتغيُّر قبل ثلاثة أشهر من إعلان الانفصال ولم تعد كسابق عهدها حتى مرور ستة أشهر بعده. وتضيف إحدى الباحثات على هذه الدراسة: "تبين لنا أن تغير اللغة يطرأ على الأشخاص المقبلين على الانفصال في العلاقات العاطفية قبل أن يعوا ذلك؛ إذ إننا لا نلحظ عدد المرات التي نستخدم فيها حروف الجر وأدوات التعريف والضمائر، ولكن يطرأ تغيير على هذه الكلمات الوظيفية حين نمر بأزمة نفسية، ممَّا يعكس الكثيرعن حالتنا النفسية والشعورية"  (2, 3).

ومن التغيرات اللغوية التي تطرأ على لغة المنفصلين عاطفيًّا ولاحظها الباحثون أن اللغة تصبح شخصية وغير رسمية، ممَّا يدل على انخفاض التفكير التحليلي؛ إذ يكثر استخدام الضمير المتكلم (أنا) و(نحن)، وهذا بدوره يدل على ارتفاع المعالجة المعرفية. وتدلُّ هذه العلامات على أن الشخص يحمل عبئًا معرفيًّا ثقيلًا يتمحور حول ذاته، ففي بعض الأحيان يرتبط تكرار استخدام الضمير المتكلم (أنا) بالاكتئاب والحزن -كما أشرنا في بداية المقال-؛ إذ يصبح الأشخاص في هذه الحالة منغمسين في ذواتهم وغير قادرين على التحدث عن الآخرين. وتظهر هذه النماذج الملحوظة في أوجها في يوم الإعلان عن الانفصال العاطفي وتظل مدة ستة أشهر، حتى عندما يتناقش هؤلاء الأشخاص على موقع Reddit في مواضيع أخرى في مجموعات مختلفة (2, 3).

وفي بعض الحالات المدروسة لاحظ الباحثون أن بعض المستخدمين لم تعد لغتهم كسابق عهدها حتى مرور عام كامل على إعلانهم عن الانفصال العاطفي، وهذا يدل على بطء قدرتهم على التعافي، وذلك بسبب مشاركتهم قصة انفصالهم مرارًا وتكرارًا في المجموعات المخصصة للتحدث عن الانفصال العاطفي على الموقع (2).

ومن ناحية أخرى قارن الباحثون في جامعة تكساس نتائج هذه الدراسة مع مستخدمين مرُّوا بحالات طلاق أو أزمات نفسية أخرى، ووجدوا أنهم يستخدمون النماذج ذاتها في لغتهم. وتُعلِّق إحدى الباحثات المشاركات في الدراسة قائلة: "ما يثير الدهشة في هذه الدراسة أنها تُعدُّ الأولى التي تستخدم التكنولوجيا في مراقبة تجارب الانفصال العاطفي للأشخاص بواقعية" (2).

المصادر: