الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية > الجغرافيا السياسية
شنغن (Schengen)؛ قارَّة خالية من الحدود
تُعَدُّ منطقة اتفاقية شنغن (Schengen) إحدى أعظم إنجازات الاتحاد الأوروبي، فهي منطقةٌ خاليةٌ من الحدود الداخلية، ويستطيع مواطنو الاتحاد الأوروبي والعديد من المواطنين القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي والمقيمين فيه قانونيًّا التنقُّل بحريةٍ في منطقة الاتفاقية دون الخضوع إلى تأشيرات العبور الحدودية، وذلك منذ العام 1985م؛ إذ نمت هذه الاتفاقية تدريجيًّا، وتضم اليوم غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقريبًا وعددًا قليلًا من الدول غير الأعضاء (1).
فكيف بدأت القصة؟
بدأت القصة في العام 1985م عندما قرَّرت خمس دول في الاتحاد الأوروبي؛ هولندا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ إلغاء ضوابط الحدود الداخلية بينها، وسُمِّيت الاتفاقية باسم قرية شنغن في لوكسمبورغ التي تقع عند نقطة تلاقي الحدود مع ألمانيا وفرنسا، فوُلِدت منطقة شنغن الخالية من الحدود في قارةٍ سفكت دولها الدماء للدفاع عن أراضيها، وتحوَّلت هذه الحدود إلى خطوطٍ موجودةٍ فقط على الخرائط.
يسافر الأوروبيون بأكثر من 1.25 مليار رحلة داخل منطقة اتفاقية شنغن كلَّ عام (2)، وتضمن هذه المنطقة السفر غير المقيد داخل أراضي 27 دولة تضم أكثر من 400 مليون مواطن، من ضمنها 23 دولة من دول الاتحاد الأوروبي (3)، وهذه الدول:
بلجيكا وجمهورية التشيك والدنمارك وألمانيا وإستونيا واليونان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ والمجر ومالطا وهولندا والنمسا وبولندا والبرتغال وسلوفينيا وسلوفاكيا وفنلندا والسويد، إلى جانب أيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا (2)، وكرواتيا مؤخرًا (3).
فماذا يترتب على البلدان الخاضعة لاتفاقية شنغن؟
يترتب على الدول الخاضعة لاتفاقية شنغن عدم إجراء عمليات تفتيش على الحدود الداخلية؛ أي الحدود بين دولتي شنغن، وتنفيذ ضوابط منسَّقة بناءً على معايير محدَّدة بوضوح على حدودها الخارجية؛ أي الحدود بين دولة ضمن منطقة اتفاقية شنغن ودولة خارجها، ونتيجة لذلك يمكن لكلٍّ من مواطني الاتحاد الأوروبي والمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي السفر بحرية داخل منطقة شنغن، ويخضعون لإجراءات التأشيرات الحدودية فقط عند عبور الحدود الخارجية، وتُعَدُّ بلغاريا وقبرص وإيرلندا ورومانيا من دول الاتحاد الأوروبي التي ليست جزءًا من منطقة اتفاقية شنغن أو لم تصبح بعد جزءًا منها، وهذا يعني أنَّ الرحلة من إحدى هذه الدول إلى دولة شنغن تُعدُّ رحلةً خارجيةً وتخضع لتأشيرات العبور الحدودية (2).
المسار الزمني لاتفاقية شنغن:
- في حزيران (يونيو) عام 1985م، وُقِّعت اتفاقية شنغن بين بلجيكا وألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا.
- في حزيران (يونيو) عام 1990م، وُقِّعَ قرار تنفيذ اتفاقية شنغن بين بلجيكا وألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا.
- في آذار (مارس) عام 1995م، دخلت الاتفاقية حيِّز التنفيذ وأُلغِيت الضوابط الحدودية بين بلجيكا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال (وقَّعت إسبانيا والبرتغال الاتفاقية في حزيران (يونيو) عام 1991م).
- في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1997م، أُلغِيت الضوابط الحدودية مع إيطاليا بعد توقيع الاتفاقية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1990م.
- في كانون الأول (ديسمبر) عام 1997م، أُلغِيت مراقبة الحدود مع النمسا بعد توقيع الاتفاقية في نيسان (أبريل) عام 1995م.
- في أيار (مايو) عام 1999م، دمجت معاهدة أمستردام تعاون شنغن في الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي.
- في كانون الثاني (يناير) عام 2000م، أُلغِيت مراقبة الحدود مع اليونان بعد توقيع الاتفاقية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1992م.
- في آذار (مارس) عام 2001م، أُلغِيت الضوابط الحدودية مع الدنمارك وفنلندا والسويد وأيسلندا والنرويج بعد توقيع الاتفاقية في كانون الأول (ديسمبر) عام 1996م.
- في كانون الأول (ديسمبر) عام 2007م، أُلغِيت ضوابط الحدود البرية والبحرية مع جمهورية التشيك وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا والمجر ومالطا وبولندا وسلوفينيا وسلوفاكيا.
- في آذار (مارس) عام 2008م، أُلغِيت الضوابط الحدودية في المطارات مع جمهورية التشيك وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا والمجر ومالطا وبولندا وسلوفينيا وسلوفاكيا.
- في كانون الأول (ديسمبر) عام 2008م، أُلغِيت ضوابط الحدود البرية مع سويسرا بعد توقيع الاتفاقية في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2004م.
- في آذار (مارس) عام 2009م، أُلغِيت الضوابط الحدودية في المطارات مع سويسرا.
- في كانون الأول (ديسمبر) عام 2011م، أُلغِيت الضوابط الحدودية مع ليختنشتاين بعد توقيع الاتفاقية في شباط (فبراير) عام 2008م (2).
- في كانون الأول (ديسمبر) عام 2022، اتخذ المجلس قرارًا باستيفاء كرواتيا لمتطلبات منطقة شنغن، ثم أصبحت كرواتيا الدولة السابعة والعشرين في الانضمام إلى منطقة شنغن، وذلك في الأول من كانون الثاني (يناير) عام 2023م (3).
حركة المسافرين والسياح:
يعبر 1.7 مليون شخص في منطقة اتفاقية شنغن يوميًّا ويتجاوزون ما كان يمثل حدودًا وطنية في طريقهم إلى العمل، وتتراوح تقديرات تكاليف إعادة فرض ضوابط الحدود على الركاب والمسافرين الآخرين من 1.3 إلى 5.2 مليار يورو، في حين تتراوح تقديرات الخسارة المصاحبة للإقبال على قطاع السياحة بين 5 و 25 بالمئة، أو خسارة 13 مليون ليلة سياحية بتكلفة 1.2 مليار يورو، ويمكن أن تزيد تكلفة قطاع السياحة بما يصل إلى (10 – 20) مليار يورو إن أُلغيت الاتفاقية تمامًا (4).
حركة البضائع (التجارة):
يعبر حدود منطقة اتفاقية شنعن 1700 مليون طن من البضائع بقيمة 2800 مليار يورو كل عام، وستؤثر إعادة فرض ضوابط الحدود في قطاع النقل بالدرجة الأولى بما يُقدَّر بـ 1.7 إلى 7.5 مليار يورو إضافية سنويًّا، وعلى المدى الطويل، يمكن أن تقلِّل الضوابط الحدودية التجارة بين دول شنغن بنسبة 10 إلى 20 بالمئة، ممَّا يؤثر في اقتصاد المنطقة وإجمالي الناتج المحلي بتقديرات تتراوح من 0.8 إلى 2.7 بالمئة (4).
ولكن ما العقبات والمشكلات التي نتجت عن إلغاء الحدود بين هذه الدول الأوروبية؟
لا توجد طريقةٌ حاليًّا في الاتحاد الأوروبي لحساب عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين انتهت صلاحية تأشيراتهم، ولكن تشير التقديرات الحالية إلى وجود (1.9 – 3.8) مليون مهاجر غير نظامي في الاتحاد الأوروبي، وقد ذكرت المفوضية الأوروبية إلقاء القبض على 505220 مهاجر غير شرعي في العام 2010م، إذ لا يتطلَّب قانون شنغن للحدود تسجيل تحركات المواطنين من دولٍ أخرى عبر الحدود، فالإجراء الوحيد يقتصر على ختم وثائق سفر هؤلاء الأفراد بواسطة حرس الحدود في نقاط الدخول والخروج من منطقة شنغن، وهي الأداة الوحيدة التي يمكن استخدامها من قبل حرس الحدود ومسؤولي الهجرة لحساب مدة الإقامة لمواطن من دولة ثالثة (5).
وفي النهاية يمكننا القول أنَّ الاتحاد الأوروبي قد استطاع التغلُّب على الكثير من المشكلات، وقد استفادت دوله اقتصاديًّا بفضل تلك الاتفاقية، ولكن هل ستستطيع هذه الدول الحفاظ على اتفاقية شنغن مع كل التغيرات السياسية التي تشهدها الساحة الأوروبية والعالمية؟
المصادر:
2- Europe without borders: The Schengen area [Internet]. Directorate-General for Migration and Home Affairs (European Commission); 2015 [cited 26 February 2021]. 16 p. Available from: هنا
3- Schengen area [Internet]. Migration and Home Affairs. European Commission; [cited 4 February 2023]. Available from: هنا
4- Free movement and Schengen: A no borders Europe [Internet]. European movement international; [cited 23 February 2021]. 4 p. Available from: هنا
5- Citizenship Pathways and Border Protection [Internet]. The Law Library of Congress. 2013 [cited 26 February 2021]. 161 p. Available from:هنا