الطب > مقالات طبية
هل نحتاج حقاً للجسم الثفني في الدماغ؟
يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:
هل نحتاج حقاً للجسم الثفني في الدماغ؟
اقترح جراهام والاس في عام 1926 أنّ الإبداع يمرّ في أربع مراحل متميزة، وصنف هذه المراحل الأربع إلى: التحضير، والحضانة، التنوّر، والتحقق، فمن أجل إنتاج شيء جديد وهادف يجب أن يكون لدى المرء فترة من التحضير؛ يتضمن ذلك بناء قاعدة معرفية أو صندوق معلومات يمكن الاستفادة منه، وبعد هذه المرحلة تأتي فترة حضانة التي تُفرَز من خلالها المعلومات وتُقارَن ويُعاد ترتيبها، وعادةً لا يكون المرء مدركاً لهذه لعملية، ثم يتبعها التنوّر- مرحلة الحصول على الشيء (1).
أين يحدث هذا النوع من التفكير؟
القول إنه يأتي من "القلب" يصف الصفة وليس الأصل، أما القول إنه يأتي من "الحدس" هو مجرد إعادة تسميته بدلاً من إعطائه مصدرًا فيزيولوجيًا. فالأمر يتطلب بالتأكيد نظامًا عصبيًا متطورًا بحجم نشاط مماثل لنصف الكرة المخية الأيسر، وتعقيده ومستواه، الذي ينتج ثراء اللغة البشرية، فمن المحتمل أن بعض التفكير الذي يحدث في أثناء الحضانة يحدث على الأقل في نصف الكرة الأيمن للإنسان، على النقيض من ذلك يبدو أن مرحلتي التحقق والتحضير تحدثان في نصف الكرة الأيسر، فيرى المرء بسهولة حدوث تفاعل كبير بين نصفي الكرة الدماغيين في خلال تصرفات الفرد الأكثر إبداعًا، وهو تفاعل يعتمد على الجسم الثفني (1).
الجسم الثفني (corpus callosum) هو أكبر مسار للمادة البيضاء في الدماغ يربط بين نصفي الكرة الدماغية (2)، وهو الوسيلة التي يمكن من خلالها المشاركة والاستفادة من خبرة كل نصف كرة مخية، ففي الحقيقة إن كلا نصفي الكرة المخية يعملان على نحو مختلف تمامًا، فالإبداع الذي يجعل من الإنسان مهيمينًا على الأرض والذي يعطي قيمة للجنس البشري يتطلب أكثر من المهارات الافتراضيّة والفكر المنطقي للنصف الأيسر؛ يحتاج أيضًا إلى تنمية وتعاون الجانب الآخر من الدماغ (1).
يعتبر فشل نقل المعلومات من نصفي الكرة المخية إلى النصف الآخر نموذجيًا لانقسام الدماغ، وهذا يتناقض مع وظيفة الدماغ السليم، فيفشل المريض- الذي يده المسيطرة هي اليمنى- مع نصف كرة مخية أيمن سليم تمامًا في تسمية شيء غير مرئي موضوع في يده اليسرى(1)؛ إذ هناك نوعان من الترابط داخل الدماغ : الأول هو الترابط ضمن نصف الكرة المخية الواحد، والثاني هو الترابط بين نصفي الكرة المخية التي يساهم بها الجسم الثفني - الذي يقتصر وجوده على الثديات المشيميّة-، ما يشير إلى وجود أصول تطورية مفاجئة؛ إذ ليس هناك هياكل سلفية للجسم الثفني في الحيوانات غير المشيمية، ففي نصف الكرة الواحد يمكن حل المهام البسيطة، أما المهام المعقدة فتتطلب وجود عمل نصفي الكرة معاً(3).
من الممكن لغياب تطوّر الجسم الثفني أو نقصه عند البعض أن يسبب مشكلات تطوريّة، ولكن على الرغم من ذلك تزداد الاتصالات داخل نصف الكرة الواحدة لتعويض نقص الاتصال بين الكرتين المخيتين (2).
تُعزى أسباب بعض الأمراض النفسية إلى اضطرابات الجسم الثفني، ومن هذه الأمراض النفسية:
- الفصام (Schizophrenia) (المعنى الحرفي للمصطلح هو الدماغ المنقسم)، وهو مرض نفسي شديد يتسم بالهلوسة والأوهام، واختلال الفكر وتدهور الأداء الاجتماعي.
- كما رُبط التوحد (Autism) بضعف تطور الجسم الثفني؛ وهو اضطراب في النمو يتسم بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل ويظهر المرضى في الغالب سلوكيات متكررة.
- ومتلازمة فرط النشاط وعدم الانتباه أو (ADHD)؛ والتي تتسم بفرط الحركة ونقص الانتباه بدرجة عالية من الاندفاع ومشاكل في الدراسة.
- ومتلازمة اليد الغريبة (alien hand syndrome) التي تتمثل في عدم الترابط بين اليد اليمنى واليسرى، بالتالي صعوبات في الأنشطة الثنائية، وكذلك تؤدي الأيدي حركات لا إرادية مما قد يؤدي إلى صراع بين اليدين (3).
- وكذلك لوحظ في اضطراب الوسواس القهري والاكتئاب تضخم الجزء الخلفي من الجسم الثفني (4).
- قصور الدرق عند الأمهات الحوامل، فيعد هرمون الغدة الدرقية (TH) ضروريًا لنمو الدماغ، ولأن الغدة الدرقية الجنينية تتطور في وقت متأخر نسبيًا في فترة الحمل، فإن توفير هرمون الغدة الدرقية للأم أمر بالغ الأهمية لنمو دماغ الجنين، فإن كانت الأم تعاني قصور الغدة الدرقية في أثناء الحمل، فقد يتأثر دماغ الجنين ونموه العصبي النفسي، فقد يكون لقصور الهرمون الدرقي الأمومي تأثير سلبي على فهم اللغة والتعبير عنها؛ نظرًا لأن الجسم الثفني يحتوي على ألياف متقاطعة من الفصوص القذالية والجدارية والصدغية، يشارك بعضها في تكوين وتخزين معلومات اللغة (على سبيل المثال، منطقة Wernicke) م(4).
- يرتبط الخداج بالتشوهات الدماغية التي قد تكون مسؤولة عن ضعف الأداء الإدراكي وخاصة تشوهات المادة البيضاء في الدماغ، فقد أبلغ عن إصابة الجسم الثفني على نحو شائع عند الأطفال الخدج؛ إذ يؤدي الأطفال الذين ولدوا مبكرًا أداءً أسوأ من الأطفال الذين ولدوا بفترة حمل طبيعية في الذاكرة والوظائف الحركية والطلاقة اللفظية والوظائف التنفيذية، بمتوسط عمر 13 سنة (5).
المصادر:
2) Siffredi V، Preti M، Kebets V، Obertino S، Leventer R، McIlroy A et al. Structural Neuroplastic Responses Preserve Functional Connectivity and Neurobehavioural Outcomes in Children Born Without Corpus Callosum. Cerebral Cortex [Internet]. 2020 [cited 29 June 2021];31(2):1227-39. Available from: هنا
3) van der Knaap L، van der Ham I. How does the corpus callosum mediate interhemispheric transfer? A review. Behavioural Brain Research [Internet]. 2011 [cited 29 June 2021];223(1):211-21. Available from: هنا
4) Samadi A، Skocic J، Rovet J. Children Born to Women Treated for Hypothyroidism During Pregnancy Show Abnormal Corpus Callosum Development. Thyroid [Internet]. 2015 [cited 29 June 2021];25(5):494-502. Available from: هنا
5) Caldú X، Narberhaus A، Junqué C، Giménez M، Vendrell P، Bargalló N et al. Corpus Callosum Size and Neuropsychologic Impairment in Adolescents who Were Born Preterm. Journal of Child Neurology [Internet]. 2006 [cited 29 June 2021];21(5):406-10. Available from: هنا