العمارة والتشييد > التصميم المعماري
سجن مدينة سبرينغفيلد تأثير بيلباو، وعمارة فرانك غيري
شهد العالم مؤخرًا زيادةَ الاهتمامات الأكاديمية في آثار الثقافة الشعبية؛ فلاحظنا دراسة الطلبة في العديد من المجالات بما فيها علم الاجتماع واللاهوت والفلسفة وغيرها لمسلسل The Simpsons الأمريكي الشهير (1).
بدأ المسلسل بسلسلةٍ من الرسوم المتحركة القصيرة ضمن برنامج كوميديا للكبار (The Tracy Ullman show) في عام 1987، وفي عام 1990 بدأ بث المسلسل بصورةٍ مستقلةٍ أسبوعيًّا في الولايات المتحدة لتمنحه مجلة التايمز في عام 1999 لقب "برنامج القرن" (2).
أرشف هذا المسلسل بعض الممارسات الحالية للعمارة، وذلك عن طريق استضافة المعماري الشهير "فرانك غيري" في إحدى حلقاته (الحلقة 14 من الموسم 16) لبناء قاعة حفلاتٍ موسيقيةٍ في المدينة التخيلية (Springfield) حيث توفر القاعة مثالًا حيًّا ساخرًا لعواقب عمارة "غيري" الإشكالية (1).
تبدأ الحلقة بزيارة أسرة سيمبسونز لمدينةٍ مجاورةٍ حيث ينادي سكانُها سكانَ سبرينغفيلد بـ"الحمقى"، وكان هذا الحافز لعمل نشاطاتٍ ثقافية، فاقتُرِح بناء قاعة حفلاتٍ موسيقية اقترحت "مارج" "فرانك غيري" بوصفه معماريًّ لهذا الاقتراح لتحسين صورة المدينة (1).
يأتي "فرانك" لسبرينغفيلد ويعمل على إنجاز المبنى كما هو مُخطَّط، وعند قدوم ليلة الافتتاح تتحول إلى كارثةٍ لأنه لا أحد في سبرينغفيلد يحب الموسيقى الكلاسيكية إلا "مارج"، وبِيعَ المبنى بعد ذلك وتحول إلى سجنٍ (1).
قد يبدو من غير المناسب أن نأخذ المسلسل بصورةٍ جديةٍ لمناقشة عمارة "فرانك غيري"، إلا أنه على الرغم من استخدامه للكوميديا فقد أثبت جدارته في توضيح بعض المشكلات التي تعاني منها العمارة المعاصرة، فالحلقة تتحدث بالعديد من الطرائق عن الحالة الإشكالية للعمارة ولا بدَّ أن نحاول تفسيرها (1).
تقنع "مارج" اللجنة بتمويل تصميم "فرانك غيري" لقاعة الحفلات وفق سيناريو مألوفٍ بصورةٍ غريبة، إذ أن المسلسل يوضح "تأثير البلباو" -وهي ظاهرةٌ ناتجةٌ عن بناء "فرانك غيري" لـ(Guggenheim Museum) في بلباو في إسبانيا في عام 1997، مما أدى إلى تحول مدينة بلباو من مدينةٍ صناعيةٍ متدهورةٍ اقتصاديًّا إلى واحدةٍ من أكثر الوجهات السياحية شهرةً في أوروبا (1).
إلى درجة أنه جذب المتحف ما يقارب مليون شخصٍ للسياحة سنويًّا إلى مدينةٍ صناعيةٍ قديمةٍ حيث السياحة والثقافة عالية المستوى لم تكن معروفةً عمليًّا، وقد جمع المتحف كلفة إنشاءه التي وصلت إلى 100 مليون دولارٍ أمريكيٍّ في خلال أول خمس سنواتٍ من افتتاحه (3).
فالحلقة تسخر من محاولات البلديات لخلق عجائبَ معماريةٍ في مدنهم تماما مثل بلباو (1).
نلاحظ في الحلقة أن "غيري" استوحى مشروعه من شكل رسالةٍ مُجعَّدةٍ على الرصيف وكيف أنها تتحول تلقائيًّا إلى النموذج النهائي على الرغم من أن عمارة "غيري" تتحقق من خلال استغلال آخر التطورات التكنولوجية.
ومع ذلك؛ نجد في الحلقة أسلوب تصميمٍ تجريبيٍّ لـ"غيري" الذي يُشتهَر بأنه يبدأ بمستوى تكنولوجيا منخفضٍ للغاية بوصفها نماذجَ لورقةٍ مُجعَّدةٍ أو تجمُّع عناصرَ معينةٍ (1).
علاوةً على ذلك؛ فإن الازدواجية بين الإنشاء و مظهر البناء هي موضوع مهمٌّ في عملية السرد المعماري اليوم، ويمكن أن نرى هذه الازدواجية في الحلقة عندما نرى "غيري" مرتديًا خوذته البيضاء وهو ينظر إلى الرافعات عندما تبدأ في أرجحة الكرات لضرب الهيكل و تشكيل مبنى "غيري" النموذجي. يرفع "غيري" إبهامه بمجرد الوصول إلى الشكل النهائي على أنها علامة رضا، يرينا المسلسل كيف تم التصميم والبناء في الوقت ذاته (1).
"ابتعدوا عن تحفتي الفنية أيها الأطفال!"
يقولها "فرانك غيري" وهو يطارد مجموعة أولادٍ يتزلجون على بنائه الذي بُنِيَ مؤخرًا، ويشير ذلك إلى درجة معرفة الكتاب بعمارة "غيري" التي تطمس الفرق بين الفن والعمارة، وغالبًا ما يُنتَقَد "غيري" لمعاملة العمل المعماري بوصفها منحوتةً بمقياسٍ ضخم، حتى أن "غيري" يعترف ويقول: "لا أعرف متى أعبر الخط الفاصل بين العمارة والنحت، فبالنسبة لي لا فرق بينهما" (1).
وعند فشل المبنى لاحقًا، يسأل العمدة البلدة: "لمَ لم تخبروني أنكم تكرهون الموسيقا الكلاسيكية؟"، ليردوا: "لم يكن لدينا وقتٌ لذلك، فقد صُمِّمَ البناء وأُنشِئ بسرعةٍ كبيرة".
نرى أن هذا الحوار يسخر من عملية بناء قاعة "والت ديزني" للحفلات الموسيقية في لوس أنجلوس، التي استغرق بناؤها ما يقارب 15 عامًا (1).
إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لمبنًى من تصميم "فرانك غيري" صُوِّرَ في هذه الحلقة عندما انتهى المطاف بقاعة الحفلات الموسيقية بتحولها إلى سجن؛ إذ أمكن تحويلها إلى سجنٍ بجهدٍ قليل، فمن المعروف أن مشاريع "غيري" متشابهةٌ للغاية في لغتها النحتية للأشكال المنحنية، ولا تعطي أي اهتمامٍ للوظيفة أو السياق الثقافي أو الموقع المحيط (1).
المصادر:
2. Rhodes C. D'Oh. Journal of Management Inquiry [Internet]. 2001 [cited 23 July 2021];10(4):374-383. Available from: icle هنا
3. Franklin A. Journeys to the Guggenheim Museum Bilbao: Towards a revised Bilbao Effect. Annals of Tourism Research [Internet]. 2016 [cited 23 July 2021];59:79-92. Available from: هنا