الفيزياء واختراق المعلومات!

الحاسب الكمومي "Quantum computer" عبارة عن جهاز يستخدم ظواهر ميكانيك الكم مباشرةً؛ مثل التراكب والتشابك، لإجراء عمليّات على البيانات. وعلى الرغم من أن الحوسبة الكموميّة لا تزال في مهدها، فقد أجريت تجارب نُفِّذَت فيها العمليات الحسابيّة الكمية على عدد صغير جدًّا من الكيوبتات (الأرقام الثنائيّة الكميّة) (1). 

 اتُّخذَت خطوة كبيرة في السّباق نحو الحوسبة الكموميّة بواسطة فريق من علماء الفيزياء بتطوير نوعٍ خاصٍ من أجهزة الكمبيوتر الكموميّة؛ يُعرف باسم المحاكي الكمومي القابل للبرمجة، للمساعدة على تحقيق الاختراقات في العالم الحقيقي في علوم المواد وتقنيّات الاتصال والتمويل ومجالات أخرى عديدة، والتغلّب على عقبات البحث التي تتجاوز قدرات حتى أسرع أجهزة الكمبيوتر العملاقة اليوم. يعمل الحاسب باستخدام 256 بت كمي"Qubits"؛ وهي اللُّبنات الأساسية التي تعمل عليها أجهزة الكمبيوتر الكمومية ومصدر قوتها الهائلة في المعالجة، التي يزيد عدد حالاتها الكمومية عدد ذرَّات النِّظام الشمسيِّ بأكمله (هنالك ترابط بين عدد الحالات الكمومية وقدرة الحاسب على المعالجة).

الزّيادة في الكيوبتات تعني تمكن النّظام من تخزين معلومات أكثر أضعافًا من البتّات التقليدية التي تعمل عليها الحواسيب التقليدية ومعالجتها.

 يسمح هذا النظام بتجميع الذرّات في مصفوفات ثنائيّة الأبعاد من ملاقط بصرية (يمكن للباحثين باستخدام الملقط البصري ترتيب الذرات) في أنماط خالية من العيوب وإنشاء أشكال قابلة للبرمجة مثل المشابك المربعة أو قرص العسل أو المثلث لهندسة تفاعلات مختلفة بين الكيوبتات (2). 

(الملقط البصري نظام ليزري يُمكِّن الباحث من التحكم في الذرات وتثبيتها في مكانٍ محدد)

إحدى أهم نتائج الطّبيعة الاحتمالية لنظريّة الكم أن المعلومات الكميّة لا يمكن نسخها بدقة، ومن منظور أمن المعلومات ستُحبَط أيَّة محاولة للمتسلّلين الذين يحاولون نسخ المفاتيح الكميّة المستخدمة في تشفير الرسائل وإرسالها، حتى وإن كان لديهم وصولٌ إلى جهاز حاسوب كمي أو موارد أخرى قوية.

يعتمد هذا التشفير غير القابل للاختراق بالأساس على قانون طبيعي من قوانين الفيزياء، وليس على الخوارزميات الرياضية المعقدة المستخدمة اليوم (3).

يسخّر الحاسب الكمومي القوانين الاحتماليّة لفيزياء الكم لمعالجة البيانات وإجراء العمليات الحسابية بطريقة جديدة؛ إذ يمكنه إكمال مهام حوسبة معينة بسرعة أكبر وأداء مهام جديدة كانت مستحيلة سابقًا؛ مثل النّقل الآني الكميّ حيث تختفي المعلومات المشفّرة في الجسيمات الكموميّة في مكان ما ويُعَادُ إنشاؤها بالضبط (لكن ليس آنيًّا) في مكان آخر بعيد، وفي حين أن هذا يبدو خيالًا علميًّا فإن هذا الشكل الجديد لنقل البيانات يمكن أن يكون مكونًا حيويًّا للإنترنت الكميّ في المستقبل.

ويعدُّ الحاسب الكمومي مناسبًا بنحو فريد لمثل هذه المهام، لأنه سيعمل وفق قوانين فيزياء الكم ذاتها التي تحكم الجزيئات التي يحاكيها (3)؛ إذ تختلف الحواسيب الكمومية عن الحواسيب الأخرى مثل حواسيب الحمض النووي وأجهزة الكمبيوتر التقليدية القائمة على الترانزستورات (1).

 يستمر البحث العملي والنظري باهتمام، وتدعم عديد من وكالات التمويل الحكومية والعسكرية الوطنية الأمريكية أبحاث الحوسبة الكمومية لتطوير أجهزة الحواسيب الكمومية للأغراض الأمنية المدنية والقومية (1). 

المصادر: