مراجعة رواية (ذهب مع الريح): الحب في زمن الحرب

الحروب جميعها مقدسةٌ في نظر المحاربين، ولو لم يجعلوها مقدسةً لما بلغ الحمق بأحدٍ مبلغَ الذهابِ إلى الحرب. ولكن مهما كانت الأسباب التي يتشدق بها الخطباء فليس هناك سوى سببٍ واحدٍ هو المال، غير أن الرجال الذين يدركون ذلك قلائل، فالطبول والكلمات الجوفاء تقرع آذانهم، فيذهب الشبّان للقتال باسم الحرية، ويبقى الخطباء الذين يتشدقون بهذه الكلمات في بيوتهم. 

قدمت الكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشل ( Margaret Munnerlyn Mitchell)‏ (1900 - 1949) في كتابها (ذهب مع الريح) إنجازًا مذهلًا بإنشاء قصةٍ تشمل تقريبًا مجموعةً كاملةً من المشاعر في التجربة الإنسانية، وذلك كله في أثناء انتقاد المجتمع في ذاك الزمن، والأدوار النمطية للجنسين، وقضايا أخرى في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية وما تلاها. 

تذهلنا شمولية هذه الرواية، والطريقة التي تستطيع بها (ميتشل) الكتابة بمثل هذا الاهتمام الدقيق بالتفاصيل التاريخية والاجتماعية بأسلوب الباحث؛ إذ تجعل القارئ يشاهد بقلقٍ المجتمع  السلمي الذي تعيش فيه (سكارليت) بطلة الرواية، وهو يتحول إلى مشهدٍ مزقته الحرب والعنف والفقر. ومع ذلك فإن هذا الإعداد يذهب أبعد من الجغرافيا البسيطة ويتوسع ليشمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

وعلى الرغم من أن هذا الإعداد التاريخي بالتأكيد قوةٌ تميز نواحي الرواية جميعها، إلا أنه لا يمكن أن ينافس الحضور القائد (سكارليت أوهارا). تبدو (سكارليت) للوهلة الأولى مراهقةََ ضحلةََ قابلةََ للتأثر ساذجةََ إلا أنها سرعان ما تثبت أنها امرأةٌ ذكية شجاعة قوية، تجعلها (ميتشل) تقف ضد الأدوار النمطية للجنسين في المجتمع. ترفض (سكارليت) أن تكون الزوجة الخاضعة التي تشغل المجال المنزلي فقط، وبدلًا من ذلك تخطو بجرأةٍ في عالم الأعمال المذكر. هذا لا يعني أن (سكارليت) من السهل دائمًا الإعجاب بها  بسبب برودتها وقسوتها وأنانيتها.

ومن المثير للاهتمام أنه يبدو أن (سكارليت) لها نظيرٌ في هذه الرواية (ميلاني) زوجة (آشلي)، لكنها عكسُ (سكارليت) من نواحٍ كثيرة؛ فهي لطيفةٌ مهتمة ناعمة الكلام، وهي أمٌّ وزوجة مطيعة، لكنها لا تخلو من شرارة نارٍ تنتظر أن تزدهر. فعندما تُوقد ستكون (ميلاني) قويةً شجاعة مثل (سكارليت)، وعلى استعدادٍ لفعلِ كل ما يلزم لحماية الأشخاص الذين تحبهم، فهي مخلصةٌ بشدة معقدةٌ بما يثير الدهشة .

نجد في الرواية أيضًا شخصية (ريت بتلر) الرجل الثري سيئ السمعة. إنه محبوبٌ مكروهٌ في الوقت نفسه حقيقيٌّ مخادع لطيفٌ قاسٍ.  دائمًا يقع على جانبي الخط الفاصل بين الخير والشر. باستخدام هذا النسيج المذهل للشخصيات تعالج الكاتبة موضوع الحب في زمن الحرب، فتكابد جميع الشخصيات تقريبًا نوعًا من المشاكل المتعلقة بالحب، ونرى من منظار الكاتبة أن الزواج والحب شيئان مميزان للغاية ولا يسيران جنبًا إلى جنب بالضرورة.

تملؤنا النهاية بمشاعر عديدةٍ مختلطة؛ إذ لم تقدم (مارغريت ميتشل) النهاية السعيدة التي نحلم  أن نحصل عليها بعد قراءة أكثر من ألف صفحةٍ من هذه القصة، بل تقودنا إلى فكرة أن الحياة ليست باقةً منسقة بعنايةٍ وجمال. كانت الحياة -ولا تزال- صعبةً مأساوية مليئةً بالعقبات ولكن مع ذلك تستمر. 

معلومات الكتاب:

العنوان: ذهب مع الريح

المؤلّف: مارغريت ميتشل 

المترجم: د. رحاب عكاوي

الناشر:  دار الحرف العربي . بيروت

عدد الصفحات:  1143

المصدر: