النباتات… أفعالٌ أم استجابات؟

من المعروف أن النباتات تتفاعل مع البيئة المحيطة بها وما تتضمنه من تغيرات مناخية من ضوء ودرجة حرارة ورطوبة وتبدي استجابات مختلفة كتلك الاستجابات الدفاعية عندما تهاجَم من قِبل أعداء كالبكتيريا أو الفطور أو الحشرات.

من الخطأ أن تُعَدَّ هذه الاستجابات أفعالاً إراديةً فضلاً عن كونها استجابات حسية. لكن ذلك لا يكفي لتفسير كيفية تفاعل النباتات مع محيطها (1).

يمكن للنباتات أن تنقل المعلومات التي تتلقاها من الوسط المحيط بين أجزائها الحيوية أو بين أوراقها بصورة مشابهة للجهاز العصبي لدى الحيوانات عند تلقيه التنبيهات، بفعل سلسلة من الأحداث الكهروكيميائية التي تنشأ نتيجة تعرض الخلايا إلى تحفيزٍ خارجي ما، لتنتقل الإشارات الكهربائية عبر أجزاء النبات المختلفة، التي تنشأ نتيجة اختلاف تراكيز الأيونات على جانبي غشاء الخلية الذي يسمح بعبور هذه الأيونات أو لا يسمح بذلك، عبر قنوات خاصة (1).

تستخدم النباتات هذه النبضات أو الإشارات الكهربائية بأشكال مختلفة تتمحور حول تنظيم انتشار الجزيئات المشحونة عبر الأغشية وإرسال الإشارات عبر جسم النبات؛ إذ يمكن أن يؤدي تنبيهٌ ما لورقة نباتٍ معينة إلى التفافها وذلك بسبب حركة الأيونات عبر الجدار الخلوي التي أدت بدورها إلى خروج الماء من الخلايا. أو يمكن لورقة ما أن تبدي استجاباتٍ دفاعيةً نتيجة مهاجمة حشرة لورقة أخرى (2). 

تشير الأبحاث الى أن هذه الإشارات الكهربائية مسؤولة عن العمليات البيولوجية النباتية لكن لم يُتوصَّل حتى الآن إلى ربطها بوظائف محددة بالضبط في معظم النباتات أو حتى كيفية استخدام معظم النباتات لهذه الإشارات على الرغم من أن قياس شدتها ليس بالأمر الصعب (1).

مؤخراً طور فريقٌ من الباحثين من جامعة (NTU) في سنغافورة جهازاً قادراً على استقبال إشاراتٍ كهربائيةٍ وإرسالها من وإلى النبات بواسطة توصيل قطب كهربائي بسطح أوراق النبات باستخدام لاصق خاص مكون من مادة الهيدروجل.     

واستخدم العلماء جهاز (Electrocardiogram - ECG) المستخدم لتخطيط القلب بأبعاد 3 مم الذي يعد غير ضار للنباتات ولا يؤثر في عملية التركيب الضوئي، بعد أن وُصِّل بسطح نبات فينوس (صائد الذباب) (3,4)، الذي يعد من النباتات آكلة اللحوم، التي تضم مايقارب 630 نوع. تمتص هذه النباتات النيتروجين عن طريق ما تصطاده بواسطة أوراقها المتحورة بدلاً من امتصاصه بواسطة جذورها. إذ تمتلك أوراق هذا النوع من النباتات مفاصل وشعيرات. تنغلق أوراق هذه النباتات على بعضها عندما تُنَبَّه مرتين متتابعتين ممسكة بالفريسة (5). استطاع الباحثون باستخدام هاتف ذكي إرسال إشارات كهربائية إلى الجهاز الملتصق على سطح النبات بتردد مناسب ليجبر أوراق النبات على الإغلاق في خلال 1.3 ثانية (3,4).

تفتح هذه الدراسة الأبواب أمام فهمنا كيفية تعامل النبات مع هذه الإشارات والاستفادة منها، وعن طريق مراقبتها والتحكم بها قد نتمكن من تحقيق فوائد زراعية عن طريق معرفة الإشارات التي ترسلها النباتات عند مهاجمتها من قِبل أعداء حيويين لتُكتَشف الأمراض قبل ظهور الأعراض الكاملة مما يوفر الفرصة لزيادة غلة المحاصيل (3,4).

إذ لوحظ في دراسةٍ أخرى أُجريت على نبات الرشاد من الفصيلة الصليبية (Arabidopsis thaliana) تشكّل استجابات مناعية مدفوعة من الإشارات الكهربائية التي سببتها جرعاتٌ ضوئيةٌ مختلفةٌ عُرّض النبات لها؛ إذ عُرِّض النبات لإصابة بكتيرية قبل تعريضه لجرعات من الضوء الأزرق أو الأحمر أو الأبيض بساعة واحدة أو بعد تعريضه للضوء بثمان ساعات، وكانت النتيجة أن النباتات التي عولجت بالضوء قبل إصابتها قد أبدت مقاومة للإصابة على عكس تلك التي تعرضت للضوء بعد الإصابة. إضافةً إلى أنه كان للون الضوء تأثيرٌ في الإشارات الكهربائية الناتجة عنه أي أنّ لطول الموجة الضوئية دوراً أيضاً (1).

هنالك أمثلة كثيرة تدهشنا بها النباتات عن آلية استجابتها للمتغيرات حولها وتغيير نموها بناءً على تلك المتغيرات، فبعض النباتات تزهر عندما تزيد ساعات النهار وبعضها يزداد طولاً، وتلتف بعض الأجزاء عند بعض النباتات المتسلقة عند مواجهتها لجسمٍ ما لمساعدتها على التسلق، وتتحرك أزهار عباد الشمس الفتية مع حركة الشمس من الشرق حتى الغرب للحصول على أكبر قدر من الأشعة (1).

أشكالٌ كثيرةٌ من الاستجابات تسببها الإشارات الكهربائية معظمها ما زال غامضاً وغير مبرر. 

المصادر: