تعدُّد الزوجات (Polygamy)

يظهرُ كلَّ فترةٍ وأُخرى تذكيرٌ بممارساتٍ وعاداتٍ معيَّنةٍ في بعضِ المجتمعاتِ تُثير الجدل وتُعيد إلى الواجهة أسئلةً بخصوص الأسباب التي تحكم ممارستها إضافةً إلى النتائج المترتبة على تطبيقها. وبالتأكيد الزواجُ بشكله العام بوصفه اتحادّاً جنسيّاً عاطفيّاً يحملُ التزاماتٍ بين الطرفين ويهدف لتنظيمِ التكاثرِ والمجتمعِ والأسرة وإنجاب الأطفال؛ إضافةً إلى تقاسم الموارد، وهو - أي الزواج- إحدى هذه الممارسات المثيرة للجدل نتيجةَ اختلافه النسبيِّ بين المجتمعات (1)؛ إي إذا نظرنا بدقة إليه بوصفه فعلاً اجتماعيّاً فقد نرى ما هو أعمق. ففي بعض المجتمعات تنتشر ظاهرة تعدد الشركاء في العلاقة الزوجية وهناك أنواع مختلفة لهذه الظاهرة، وقد يكون أكثرها انتشاراً تعدد الزوجات (Polygamy)؛ الذي يُعرّفه علماء الأنثروبولوجيا على أنه علاقة زوجية مبنية على زواج الرجل بأكثر من امرأةٍ واحدةٍ في الوقت نفسه (2).

يعدُّ تعدُّدُ الزَّوجات سمةً بارزةً في العديدِ من المجتمعات حولَ العالمِ مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، وتشيرُ إحدى الدراسات إلى أنَّ قرابةَ ثلاثةٍ وثمانينَ بالمئة من المجتمعات البشرية تسمحُ بتعدد الزوجات (3)، خاصةً أنَّ السببَ الأساسيَّ لتعدّدِ الزوجات هو زيادة عدد الأطفال (4). 

ونظراً إلى أنّ السمةَ الأبويّةَ هي السمة المميزة للكثير من المجتمعات التي تنتشر فيها هذه الزيجات، فالأمر الذي لا شكَّ فيه هو إمكانية المعاملةِ غير المتكافئة والتمييزية للزوجات من قِبَل زوجهن؛ لأنَّ الزوجَ لا يستطيعُ الاهتمامَ بهنَّ جميعاً بالسوية نفسها، وتعدد الزوجات أيضاً يمنحُ الرّجالَ قوَّةً وسلطةً لا حدودَ لها (3). وإن كانت قديماً -بحسب علماء الأنثروبولوجيا- بعض الزوجات يوافقن ويشجعن أزواجهن للزواجِ من أخريات للمشاركة في التجارة والأعمال الاقتصادية؛ إذ إنَّ الأزواج الذين يتزوجون أكثر من امرأةٍ هم من الأغنياء (2).

ما تأثير تعدد الزوجات في النساء؟!

يُسيطرُ على الزوجةِ الأولى مشاعر الفرض إذ إنَّ قرارَ الزواج بامرأةٍ أُخرى هو قرار الزوج ويكون ذلك بقليلٍ من الاستشارة هذا إن وجدت، وإنَّ الانتقال من كونِ المرأة الزوجةَ الوحيدةَ إلى أن تُصبح الزوجةَ القديمةَ يؤدِّي إلى شعورٍ بكونها أقلَّ أهميَّةً من أقرانها، وقد يؤدِّي أيضاً إلى فقدان احترام الذات وخاصة أنَّ الزوجةَ الثانيةَ تُختارُ أصغرَ سنّاً.

ووجدتْ إحدى الدراسات أنَّه من بين تسعِ نساء ممن انخرطنَّ في زواجٍ من هذا النوع، جميعهنَّ تعرضنَّ للإيذاء النفسي؛ وخمسةٌ منهنَّ تعرضنّ للاعتداء الجسدي والاقتصادي والجنسي؛ لذا فهناك حاجةٌ ملحَّةٌ لمعالجةِ هذه الطريقة في التعامل مع النساء في حالات تعدد الزوجات، بغضِّ النظرِ عن خلفيتهن الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية (3).

إنَّ موقفَ النِّساءِ من تعدد الزوجات هو ما يغيّر هذه العادة في المجتمع نفسه وبين المجتمعات الأخرى، وقد كان رفضهن سبباً في المنع القانوني لهذه الممارسات، وتشير الدراسات إلى إنَّ النساء المتمدّنات واللواتي حصلن على تعليم أفضلَ هم أقلُّ قبولاً لتعدّدِ الزوجات (2)، وإنَّ عدداً قليلاً جداً من النساء اللواتي يعشنَ في زواجٍ متعددٍ كنَّ قد عملنَ خارجَ المنزلِ وبالمقابل فإنَّ الرجالَ الذين لم يتزوَّجوا أكثرَ من امرأة واحدة في الوقت نفسه قد حصلوا على تعليمٍ أعلى من الرجال الذين حصلوا على زواجٍ متعددٍ (4).

ما تأثير تعدد الزوجات في الأسرة عموماً وعلى الأطفال خصوصاً؟!

هناك عوامل قد تكون خطيرة جداً  تترتب على تعدد الزوجات في العلاقة الزوجية؛ كالتوتر والضغط المالي والفقر الذي يؤدي للمشكلات صحية والمشكلات العائلية وغياب الأب. وإنَّ وجود زوجة ثانية في الأسرة له تأثيرات جلية في الأطفال يجعلهم يواجهون تحدياتٍ في نموِّ الثقة بالآخرين والشعور بالأمان والثقة بالنفس، ووجودُها يعني غيابَ وجودِ الأب لرغبته في العيش معها ومن ثمَّ فإنه لا يشارك في تربية أطفاله من زوجته الأولى وبذلك يشعرون بالأسى والهجر وبمستويات أدنى من إشراف كلا الوالدين، ووجدت الدراساتُ أنَّ هناكَ رابطاً سببيّاً بين غياب الأب وضعف الأداء الأكاديمي لهؤلاء الأطفال واتباعهم سلوكياتٍ خطرةً وانعزالهم اجتماعيّاً، وبعضُ الدّراسات الأخرى وجدت أنَّ لغيابه تأثيراً في الذكور أكثر من الإناث اللواتي يواجهن صعوباتٍ في ضبطِ النفس، وتحديد الدور الجندري والهوية الجندرية والأداء الأكاديمي. وعلى الرغم من أنَّ الفتياتِ يعانين أيضاً لكنَّ التأثيراتِ تميلُ إلى أن تكون أقلَّ وضوحاً وذات مدة أقصر (4).

وعلى الرغم من أنَّ هناك بعضَ الدول منعت تعدد الزوجات قانونيًّا مثل كندا وتونس وتركيا إلا أنّه لا تزال هناك بعض البلدان التي تسمح وتُشرّع تعدد الزوجات قانونياً لأسباب دينية وأُخرى اجتماعية (3).

المصادر: