الفيزياء والفلك > علم الفلك
فراغ الفضاء ليس فارغًا تمامًا
تشدّد الفيزياء الكلاسيكيّة على مبدأ مصونية الطاقة وانحفاظها؛ مما يعني أنها لا يمكن أن تُستحدث من العدم بأي شكلٍ كان، إلاّ أنّ ميكانيك الكم تعطي حالة خاصة واحدة مستثناة من مبدأ الانحفاظ ذاك؛ وهي حين يكون التغيّر الذي يطرأ على الطاقة حاصل في زمن صغير جدًا، فخلاء الفضاء الفارغ تمامًا من الطاقة لا يرفض وجود كمية صغيرة جدًا من الطاقة تنبثق إلى الوجود لأجزاء صغيرة من الثانية ثم تختفي.
وفق معادلة آينشتاين الشهيرة E=m.c^2؛ الكتلة تكافئ الطاقة، وعلى المستوى الكمومي تستطيع الجسيمات -كما الطاقة- أن تظهر وتختفي أيضًا، وهذا ما يدعوه العلماء: الرغوة الكموميَّة (1).
الفكرة صادمةٌ تمامًا وتبدو نظريَّةً بحتة، لكنَّها ثبتت تجريبيًّا عزيزي القارئ، فالرغوة الكموميّة منتشرة حولنا في كل مكان؛ حتى في الفضاء "الفارغ" تمامًا.
وفق بروفيسور الفيزياء وعلوم الفضاء إيريك بيرلمان فقاعات الرغوة الكموميَّة أصغر من نواة الهيدروجين بعشرة مليارات مرة، وتبقى في الفضاء لمدة متناهية الصغر؛ أجزاء صغيرةٌ جدًّا من الثانية (2).
حاول البروفيسور بيرلمان تقريب هذه الفكرة للأذهان حين شبّه الأمر بالطيران باستخدام طائرة ضخمة فوق المحيط، ستكون الرحلة انسيابية وشديدة السهولة لأنّك لن ترى الفقاعات والرغوة المتكونة في الأسفل على سطح المحيط، لكنَّك ستراها بوضوح كلما اقتربت منها، وهذا ما يحدث تمامًا في نسيج الزمكان (3).
على الرغم من وقوف العلماء عاجزين عن كيفية إثبات وجود هذه الجزيئات المتناهية في الصغر؛ فقد أثبت هنريك كازيمير عن وجودها عام 1948.
أجرى كازيمير تجربة دقيقة باستخدام صفيحتين معدنيتين تفصلهما عن بعضهما مسافةٌ صغيرة جدًّا، ولاحظ وجود قوة تدفع الصفيحتان للالتصاق. كانت هذه القوة ناتجة عن أمواج ناتجة عن الرغوة الكمية؛ فمن الناحية العلمية يجب أن تتوافر أمواج من الطول القصير بين الصفيحتين أمّا خارجها أمواج من جميع الأطوال، وبذلك يكون الضغط خارج الصفيحتين أكبر مما هو عليه بينهما، فتقتربان من بعضهما (1).
تبقى الرغوة الكمومية واحدة من أكثر أسرار الكون غموضًا وغرابة، وللتأكيد على وجودها قد نحتاج انتظار اختراع مجهر على درجة عالية جدًا من الدقة مثلًا.
يقول العالم جون هالدان: "الفضاء ليس أغرب مما نتخيل فحسب، بل هو أغرب مما نستطيع أن نتخيله".
المصادر: