العمارة والتشييد > البوم معماري
السدود: أهدافٌ في الحروب؛ تفجير سدود الرور الألمانية في الحرب العالمية الثانية
نُفِّذَت في الحرب العالمية الثانية واحدةٌ من أكثر العمليات العسكرية الجوية جرأة، وقد عُرِفَت حينها باسم عملية "العِقاب" التي قام بها سلاح الجو الملكي البريطاني على سدودٍ ألمانيةٍ واقعةٍ في قلب منطقة الصناعة الألمانية في ذلك الحين، وكثر الحديث عن هذه العملية في العديد من الأعمال المكتوبة والمرئية؛ إذ أنها لم تعتمد فقط على القدرة العسكرية؛ بل بُنِيَت على تجاربَ علميةٍ انتهت إلى ابتكار سلاح القنبلة الارتدادية التي أصابت اثنين من أهم السدود الألمانية بأضرارٍ جسيمة.
في ليلة 16 - 17 من شهر أيار (مايو) عام 1943، نفذت 19 قاذفة لانكستر بريطانية عملية "العِقاب" لاستهداف مجموعة من السدود الألمانية الواقعة في وادي الرور، وقد أسفرت العملية عن تدمير جسميِّ سد (ماهن - Mohne) و(إيدير - Eder) (1)، فيما تضرر سد (سوربي - Sorpe) دون أن ينهار (2).
ينتمي كلٌّ من سديِّ (ماهن) و(إيدير) إلى فئة السدود الثقلية، فقد بُنيَا من الخَرسانة والحجارة الضخمة، فيما كان سد (سوربي) ردميًّا من التربة والركام بنواةٍ مركزيةٍ من الخَرسانة، ومما زاد صعوبة عملية تفجير هذه السدود كونها مزودةً بمضاداتٍ للطوربيد والطائرات (2).
اختِيرت هذه السدود على أنها أهدافٌ إستراتيجيةٌ كونها تقع في منطقة الرور التي كانت تمثِّل قلب الصناعة الألمانية في ذلك الحين؛ إذ اعتُقِدَ أن تفجير هذه السدود من شأنه ضرب العديد من منشآت الصناعة الألمانية وعرقلة الجهود الحربية للجيش الألماني من خلال حرمانه من المياه والطاقة الكهربائية (2).
استُخدِمَت (القنبلة الارتدادية - Bouncing bomb) بوصفها سلاحًا رئيسًا في الغارات التي استهدفت السدود الألمانية التي عُرِفَت بغارات (Dambusters (2,3). ويرجع اختراع هذه القنبلة إلى المهندس البريطاني "بارنز واليس - Barnes Wallis" (1-3).
فكر "واليس" في ابتكار قنبلةٍ قادرةٍ على اختراق جدران السدود من خلال إلقائها من ارتفاعٍ مناسبٍ يجعلها تخترق الماء أمام السد وتؤدي إلى نشوء ضغط رفعٍ انفجاريٍّ يعمل مع ضغط الماء الهيدروستاتيكي على إحداث فجوةٍ في السد تمر المياه عبرها (2).
بعد سلسلةٍ من الاختبارات التجريبية التي تمت وفق قوانين النمذجة الفيزيائية، كان الوصول إلى الشكل النهائي للقنبلة التي أخذت شكلًا أسطوانيًّا بقطر قاعدةٍ 1.27 مترًا وطول 1.52 مترًا ووزنٍ كليٍّ 4195 كيلوغرامًا، بينما بلغ وزن المتفجرات بداخلها 2993 كيلوغرامًا (2).
أُجرِيَت اختبارات الإسقاط الجوي للقنبلة الثقيلة في مساحةٍ ملائمةٍ من الساحل البريطاني، وتبين بعد سلسلةٍ من التجارب الفاشلة لعملية الإسقاط أن الطائرات القاذفة لا بدَّ أن تحلق على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ جدًّا من سطح بحيرات السدود ليصل حتى 18.29 مترًا فقط لتتمكن من تحقيق هدفها (2).
عُدَّت العملية ناجحةً عالميًّا؛ إلا أن نتائجها كانت متفاوتةً بالنسبة لسلاح الجو الملكي البريطاني نظرًا للخسائر التي أُلحِقَت بالسرب رقم 617 التي تجاوزت نسبتها 40% من أطقم الطائرات المشاركة (4).
أما بالنسبة للأضرار التي لحقت بالجانب الألماني؛ فقد أُغرِقَت المناطق أسفل السدود المستهدفة بمئات ملايين الأمتار المكعبة من المياه مما أدى إلى تدمير مناطقَ بأكملها بما تحتويه من طرقٍ وجسورٍ وسككٍ حديديةٍ وغيرها من المنشآت القريبة من السدود إضافةً إلى وفاة ما يزيد عن 1300 شخصٍ يقطنون في المناطق أسفل السدود المدمرة أو يعملون فيها (4).
المصادر:
2. Whalley I. Project Upkeep - A Review of the WWII Dambuster Weapon. 38th AIAA/ASME/SAE/ASEE Joint Propulsion Conference & Exhibit [Internet]. 2002 [cited 2021 Jul 30]. Available from: هنا
3. Zaidi SWH. The Janus-Face of Techno-Nationalism: Barnes Wallis and the ‘Strength of England’. Technology and Culture - The Johns Hopkins University Press, Society for the History of Technology. 2008;49(1):62–88. [cited 2021 Jul 30]. Available from: هنا
4. Collins A, Wallis SB. The origins and design of the attack on the german dams. Proceedings of the Institution of Civil Engineers. 1982 Jun 1;73(2):383–405. [cited 2021 Jul 30]. Available from: هنا